يوم الصين العظيم

مفتاح شعيب

لم يكن احتفال الصين بالذكرى السبعين لتأسيسها حدثاً عابراً، بل كان يوماً عظيماً لم يخلُ من توجيه رسائل لمن يهمه الأمر، دون تهديد أو تجريح، عملاً بسياسة الدبلوماسية الناعمة التي تعتمدها بكين وأكسبتها قوة تمدد واسعة في جهات الأرض واحتلال موقع متقدم في الفضاء الخارجي. ومما لا شك فيه أن أصدقاء الصين وخصومها قد تلقوا تلك الرسائل .
من حيث الشكل، كان العرض العسكري الضخم الذي كان نجمه الرئيس شي جين بينغ وحضره الزعيمان التاريخيان هو جين تاو وجيانغ زيمين، يذكر بالاستعراضات العسكرية للأنظمة الشمولية المنغلقة وما يصحبها من تمجيد للقائد والجيش والتضحيات. أما من حيث المضمون فقد كان عرضاً مبهراً ومناسبة كشفت فيها الصين الجديدة عن تصميمها على بلوغ القمة في كل شيء والانفتاح على العالم الخارجي بعيداً عن لغة الهيمنة والاستقواء والابتزاز، وهي معادلة تتبعها بكين منذ سنوات طويلة وحققت لها صعوداً سريعاً أذهل حلفاءها قبل خصومها. ومثلما تعهد الرئيس جين بينغ بأن بلاده ستصبح القوة العظمى الأولى بعد سنوات قليلة، عاد في الذكرى السبعين ليجدد العهد ذاته، ويقول «ما من قوة في العالم يمكنها أن تهزّ دعائم الأمة الصينية»، وهي مقولة ترددت في مختلف الأصقاع، وقطعاً لا يمكن لمن تصله أن يتجاهلها، لأنها ترجمة فعلية لما يحدث.
تجنباً للحرج، حاولت الولايات المتحدة تجاهل الموضوع، بينما أبرق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى نظيره الصيني، بمناسبة الذكرى السبعين لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، قائلاً إن توطيد العلاقات بين موسكو وبكين يعزز الاستقرار والأمن في العالم. ولم يكن بوتين بحاجة إلى التوضيح أكثر لأن التنسيق بين الجانبين في مختلف القضايا لا يحتاج إلى دليل، ويكفي التذكير بما يجري في سوريا وفنزويلا وكوريا الشمالية.
الصين تتقدم وتتطور بسرعة جنونية، ومجتمعها ينحت نموذجاً خاصاً به استطاع من خلاله أن يصهر المتناقضات والمفارقات ويأتي بالجديد. ومع تعدد النجاحات أصبحت التجربة الصينية محل متابعة ورصد من الجميع. وأمام حقيقة أن هذه الدولة تتأهب للتربع على عرش العظمة، ذابت كل الروايات التي تتحدث عن فقاعة طارئة، وأن الغرب بإمكانه أن يودي بها إلى الهاوية. وما حدث من استعراض عسكري وسياسي وتكنولوجي الثلاثاء، يؤكد أن كسب ود هذه الدولة ومصادقتها والرهان على التحالف معها أسلم مليون مرة من تجاهلها ناهيك عن عدائها.

chouaibmeftah@gmail.com

Original Article

شاهد أيضاً