عن الإسبانية ..مشروع «كلمة» للترجمة يصدر كتاب « لغز الماء في الأندلس»

أبوظبي – ENN – أصدر مشروع «كلمة» للترجمة التابع لهيئة أبوظبي للسياحة والثقافة ترجمة كتاب « لغز الماء في الأندلس» للمؤرخ شريف عبدالرّحمن جاه. وقد قامت بترجمة الكتاب عن الإسبانية الدكتورة زينب بنياية من المغرب.

سحر الأندلس البديع، والحس الرهيف، والماء الرقراق الشفيف، كلها عناصر اجتمعت لتكون لهذا الكتاب الجوهر والمحور. ذلك أن الماء هو المحور الذي تبلورت حوله ثقافة انبثقت من رحم الإسلام، لتسطع طويلا في أفق التاريخ. وهي التي ثمَّنت هذه القيمة بإنزالها منزلة خاصة، بوصفها هدية السماء التي جعل الله منها كل شيء حي، حتى غدَت ثقافة الأندلس “ثقافة الماء” بامتياز.

ويعد هذا النص بمثابة عرض تاريخي وموثق حول علاقة الإنسان بالماء في إطار المشهد الأندلسي الإسلامي، ويُفرِد المؤلف لهذا الموضوع تحليلا كافيا شافيا، بدءا بالأساطير اليونانية والإسهامات الرومانية، من بُنى تحتية أساسية وآليات مبتكرة -شكَّلت الإرث الذي انطلق منه المسلمون-، مرورا بالدور العربي في تطوير هذا الموروث الذي استغله هؤلاء بدايةً، ثم خصُّوه بالتطوير والتحديث لاحقا، ليبرعوا في هذا المجال ويبدعوا فيه أيَّما إبداع. وإذا كانت المباني “دالَّة على عظيم قدر بانيها” فإنما القناطر والسواقي، والرافعات المائية، والحمامات العربية، والآليات السحرية، والنوافير المبهرة الباذخة التي خلفها الأندلسيون دالة، أيضا، على عظيم شأن من بنوها. ومن المؤكد أن ذلك لم يكن ليتحقق دون الاستعمال الحصيف للماء ودون سياسة حكيمة في إدارته وتوزيعه.

ويؤدي الماء، في هذا الإطار كما يشير الكتاب، وظيفة دينية واجتماعية، ليس فقط بتحقيق طهارة البدن وإنما أيضا بتحقيق طهارة الروح. ويذكر القرآن الكريم الماء في ست وثلاثين مناسبة. ولهذا السبب، كان لا بد له من أن يتوفر في الجوامع والينابيع العمومية. فهو حق للجميع، ومن ثم ينبغي توزيعه بشكل متكافئ وعادل. ولذلك اجتهد السلاطين الأندلسيون في سعيهم إلى تحقيق هذا المطلب، بإنشاء شبكة معقدة للقنوات تقود الماء إلى أهم المرافق العمومية، كما لم يكن يخلُ أي بيت أندلسي من “بير” أو جُب. ولذلك، أيضا، أنشئت العديد من المؤسسات التي ظل بعضها قائما إلى اليوم، مثل “محكمة الماء ببلنسية”، و”مجلس الرجال الحكماء”.

وتجاوز استعمال الماء، مع تطور المجتمع الأندلسي، كما يرى المؤلف، هذه الوظائف الأساسية إلى أداء وظيفة جمالية بحتة، عكست حالة البذخ التي وصل إليها هذا المجتمع، وتنافس الأندلسيون فيما بينهم، لأجل تخليد أسمائهم من بعدهم، من خلال ما أنجزوه من أعمال أو شيدوه من قصور، يلعب فيها الماء وظيفة أساسية، ويسيطر فيها سيطرة طاغية، تجلت في نوافير لا تُضاهى في جمالها، وأجهزة آلية متطورة وساعات مائية بديعة، كانت مصدر تسلية لهم وتباهٍ بينهم. وقد كان وصف ابن خفاجة لأندلسه (وجنَّـته أيضا) بليغا، إذ قال:

يَا أَهــلَ أَنــدَلُــسٍ لِلَّهِ دَرُّكُـــمُ​ ماءٌ وَظِلٌّ وَأَنهـارٌ وَأَشــجارُ

ما جَنَّةُ الخُلدِ إِلّا في دِيارِكُمُ​ وَلَو تَخَيَّرتُ هَذا كُنتُ أَختارُ

ويتطرق الكتاب إلى براعة الأندلسين أيضا في علم البستنة، إذ عرفت المدارس الزراعية الأندلسية تطورا لم يسبق له نظير، فقد جلب العرب معهم تقنيات جديدة وفنيات متطورة، وأشكالا زراعية مثلت “ثورة خضراء” حقيقة بالنسبة لتلك البيئة. وقد تركت بصمة عميقة، ما زال أثرها جليا في أسماء الأماكن باللغة الإسبانية والمصطلحات المتعلقة بعلم المياه.

مؤلف الكتاب شريف عبد الرّحمن جاه (مواليد 1944)، إسباني من أصل مغربي، من مواليد مدينة «الجديدة»، متخصّص في العلوم الإنسانية وخبير في الإسلاميات، يشغل منصب رئيس مؤسّسة الثقافة الإسلامية بمدريد، وهي منظمة علمية ثقافية تسعى إلى التّعريف بالحضارة الإسلامية في أوروبا وإحياء الإرث التاريخي والفنّي الإسلامي في الغرب. له رصيد لا يستهان به من المقالات والإصدارات، يذكر من بينها «عطور الأندلس»، و «الإسلام: إرثٌ للجميع».

المترجمة د. زينب بنياية، من مواليد مدينة تطوان (المغرب)، مُجازة في اللغة الإسبانية وآدابها من جامعة عبد المالك السّعدي بتطوان (1997)، وحاصلة على درجة الدكتوراة في اللغة الإسبانية (فرع اللسانيات)، من جامعة غرناطة بإسبانيا (2006). عملت كمترجمة معتمدة لدى وزارة الداخلية لعدّة سنوات، وتعمل حالياً لدى وزارة العدل الإسبانية. شاركت في إعداد وتنسيق عدّة مناهج لتعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها، وبرامج لتعليم اللغة الإسبانية للأجانب. كما شاركت في إعداد وإدارة عدّة ورشات للتّرجمة المتخصِّصة، من ضمنها ورشات للتّرجمة الأدبية. صدرت لها عدّة مقالات في هذا الصّدد باللغتين العربية والإسبانية.

شاهد أيضاً