كَفن كوستنر: «الوسترن» السينما الأمريكية الحقيقية

محمد رُضا

الممثل والمنتج والمخرج كَفن كوستنر غارق هذه الأيام بالعمل لإنجاز مسلسل تلفزيوني طويل سيبث على حلقات بعنوان «يلوستون» من بطولته وإنتاجه، وذلك على شاشة التلفزيون الأمريكي بدءاً من الخريف المقبل وحتى نهاية العام.
يدور المسلسل حول رب عائلة تعيش فوق أرض اشترتها وبنت عليها ودافعت عنها طويلاً لكن الأشرار (وهناك أشرار في كل فيلم) يريدون الاستيلاء عليها ونهبها حتى ولو أدّى الأمر إلى إبادة العائلة بأسرها.
هو فيلم «كاوبوي» لكن هذا النوع دائماً ما اختلف تحت إدارة كوستنر عن الأفلام الأخرى. كوستنر لا يهتم بإلهاب المشاعر ببولات فجّة أو مفتعلة، بل يترك للكاميرا فحص دواخل الإنسان ودوافعه وذلك على غرار ما قام به أكثر من مرة خصوصاً في «رقص مع الذئاب» و«سهل منبسط».
ولد في كاليفورنيا بتاريخ 18 كانون الثاني/ يناير سنة 1955 وكان أصغر إخوته وله بنية بدنية رياضية. والده الذي كان يعمل في الكهرباء كان كثير الانتقال بين مدن الولاية، لكن ذلك لم يمنعه من تعليم ابنه البيانو وتشجيعه على الغناء الكورالي. حين وصل كوستنر، سنة 1973 إلى مرحلة التخصص الجامعي اختار دراسة التجارة فنال الدكتوراه ثم أخذ يفكّر في التمثيل.
في مطلع الثمانينات وجد فرص تمثيل في ستة أفلام هي «ماليبو الصيف الماضي» و«دورية ليلية» و«فرنسيس» و«مطاردة الأحلام» و«طاولة لخمسة» و«فرسان ستايسي» وكلها ما بين 1981 و1983، وفيها جميعاً لم يزد دوره عن بضعة مشاهد أو (كما في «فرنسيس») مشهد واحد.
في سنة 1986 طلبه المخرج لورنس كاسدان ومنحه الدور الرئيسي في فيلم «سلفيرادو» تبعاً لوعد كان عاهده عليه عندما قص العديد من مشاهد كوستنر في فيلم سابق.
بعد ذلك شوهد في أربعة نجاحات متوالية هي «غير المرتشين» (1987) و«لا مهرب» (1987). والفيلمان الرياضيان «بل دورهام» (1988) و«حقل الأحلام» (1989).
تبع ذلك بدراما تشويقية هي آخر ما مثّله الراحل أنطوني كوين وذلك تحت عنوان «انتقام» في العام 1990 وهو العام الذي وقف فيه وراء الكاميرا ليحقق أول فيلم من إخراجه وهو «الرقص مع الذئاب» الذي نال عنه أكثر من أوسكار (بينها أفضل فيلم وأفضل مخرج وأفضل سيناريو مقتبس عن وسيط آخر»). بعده لعب دور البطولة في «روبين هود: أمير اللصوص» (1991) و«جون ف. كندي» (1991) و«الحارس الشخصي» (1992) ثم «عالم كامل» (1993) الذي أخرجه كلينت ايستوود. في العام 1994 أنتج وقام ببطولة ويسترن آخر هو «وايات إيرب» ثم قام بالإقدام على مغامرة إنتاجية كبيرة: فيلم حافل بالمخاطر يدور حول عالم ما بعد طوفان كبير هو «ووتروورلد».
منذ ذلك الحين وكوستنر لا ينقطع عن العمل وفي مناسبات عديدة أطلق تصريحات قال فيها إنه يرغب في أن يعود إلى سينما الغرب الأمريكي لأنها بالنسبة إليه هي السينما الأمريكية الحقيقية. وها هو يفعل بعد أكثر من عشرين سنة على فوزه بأوسكارين عن فيلم الغرب المشهور «رقص مع الذئاب» (1991).
* هل تعتبر «يلوستون» بمثابة تحقيق حلم كبير لك؟
– طبعاً. بلا جدال. منذ أن قرأت المشروع على الورق أدركت أن هذا ما كنت أبحث عنه.
* لماذا؟
بجانب أنني أحب الغرب وحكاياته وزمنه أجد في سينما الغرب ثقافتنا كأمريكيين، لكن ليس كل أفلام الغرب طبعاً، بل في الأفلام الجيدة. ليس عليها أن تكون تحفاً سينمائية لكن عليها أن تكون صادقة. وهذا المشروع بهرني بصدقه. حكايته ليست جديدة لكن مواقف تلك الحكاية وشخصياتها رائعة.
* هل هو مشروع قديم لم تتح لك فرصة تحقيقه قبل الآن؟
– تاريخ المشروع يعود إلى أربع سنوات. تقدمت والمخرج تايلور شريدان به إلى محطة HBO وانتظرنا الرد وكان سريعاً في الحقيقة. أخبرتنا الشركة أنها وافقت عليه لكنها طلبت تغييرات مختلفة. كانت تريده أكثر انفتاحاً على السمات الدارجة لأفلام الغرب مثل المشاهد الحسية والعنف. لكني تمنعت. رغم ذلك كتب تايلور سيناريو جديداً راعى فيه تمنعي لكنه أحدث بعض التعديلات. هنا دخل المشروع فترة من السكون المطبق. وبعد عامين من الانتظار قررنا سحبه وأعطيته لشركة باراماونت التي وافقت عليه فوراً.
* حين تذكر العنف والمشاهد الحسية هل تعني أنك تفضل أفلام الغرب كما كانت في العقود البعيدة؟
– لا أمانع لكني لن أعود إلى تلك الأيام. لكل فترة زمنية مرحلتها المختلفة ولابد من أن تتغير تلك السمات تباعاً. بالنسبة لي فإن على فيلم «الويسترن» أن يكون صادقاً وبعيداً عن الافتعال. أقصد أنه لا مانع من أن تقع معركة ويسقط فيها قتلى، لكن هل بتر يد أو قطع رأس ضروري؟ الوحشية لم تكن قاسماً مشتركاً في حياة الغرب الأمريكي إلا في تلك الحدود الاستثنائية فلماذا نجعلها تبدو كما لو كانت هي الأساس؟

العمر والواقع

* تجاوزت الستين من عمرك لكن لديك جمهور محب ولا تزال من الممثلين الذين يقودون مهنهم بنجاح. هل أنت مخطط جيّد أو هو الحظ وحده؟
– لا أدري تماماً كيف تم ذلك. هناك تقليد في هوليوود يتمثّل في إعادة الكرّة وراء كل فيلم ناجح. هناك ممثلون بنوا نجاحاتهم اللاحقة على الصورة التي قدّموها بنجاح في المرّة الأولى. أنا لم أعرف، بصراحة، كيف أفعل ذلك. تكرار النجاح هو أمر جيّد بكل تأكيد لكني لم أفعل ذلك. لم تكن لدي خطّة من هذا النوع. في الوقت ذاته، لم أكن قلقاً على نفسي.
* ماذا عن عامل السن، هل شكّل همّاً في السنوات الأخيرة؟
– لم أعارض حقيقة لا فائدة من معارضتها. كلنا نكبر مع الأيام ولا أحد يستطيع أن يسترد ما فات، إذا أدركنا ذلك من البداية نستطيع أن نتأقلم معه لاحقاً عندما نحتاج إلى قبول الواقع والعمل بمقتضاه. كنت في السابعة والعشرين من العمر عندما بدأت التمثيل. لم أنزلق بسهولة صوب النجومية بل تطلّب ذلك الكثير من العمل الدؤوب. ما أريد قوله إن الفرص تختلف من شخص لآخر لكن المهم هو أن تكون حاضراً حين تأتيك. أن يكون لديك التصوّر الصحيح لما تريد أن تقوم به ولماذا. وأنا وجدت ذلك في كريس.
في أفلامك الأخيرة تظهر بالطبع مع عدد كبير من الممثلين الأصغر سناً.
* هل يدفعك ذلك لاسترجاع صورتك الشخصية عندما لعبت شاباً؟
– ليس بالضرورة، أنا حقيقة شخص واقعي لديه أحلام ولديه تاريخ لكنه يعيش الواقع رغم ذلك.
* أحد أدوارك المهمّة في السنوات القريبة الماضية كان دور الضابط في فيلم جاك رايان «تعيين ظل». هل كان للشخصية الموضوعة أساساً في روايات جاك كلانسي تأثير في الكيفية التي مثلت بها هذا الدور؟
– لا ولسبب وحيد: لم أقرأ أياً من روايات كلانسي.
* تقصد قبل تمثيلك الدور؟
– لا قبل تمثيلي الدور ولا من بعد. بنيت شخصيتي من خلال تحضيري لها من دون مراجع. لم أكن أرغب في أن أضعها في قالب آخر غير الذي أردته لها.
إنه دور قوي النبرة وحازم وهذه أيضاً الحال عندما لعبت دور المقرب من جون ف. كندي في «13 يوم».
– لكن ذلك كان شخصية حقيقية وكان لابد لي من قراءتها مسبقاً. النبرة القوية والحازمة التي تتحدث عنها هي من لزوم الشخصيتين على الرغم من اختلاف كل منهما عن الآخر. لكن في نظري على الممثل ابتداع خط مواز يوحي عبره بالوجه الآخر من الشخصية.
* كيف تنظر إلى مثل هذه المناصب في أمريكا اليوم؟
– على صعيد شخصي أعتقد أن الوظيفة السياسية صعبة، لكن الأصعب هو أن نحصل على المعلومات الصحيحة حولها. المعلومات التي تستطيع أن تستند إليها لكي تكوّن رأيك المستقل. هناك الكثير من الأذكياء حول العالم، لكن ليس هناك الكثير من الحكماء. قد يختلف اثنان حول رأي معيّن وكلاهما على صواب لكن الحقائق هي التي ستجعل من أحدهما أكثر صواباً.
في ذلك الفيلم أيضاً قمت بمهمّة جاسوسية في موسكو في أحداث تقع ما بعد الحرب الباردة. والآن نحن في نطاق حرب باردة أخرى.
* هل ما زال العالم في حرب باردة فعلاً؟
– هذا ما تبدو عليه الحال اليوم، لكن لنتحدّث بصراحة، ألا تشعر بأن الحدود بين البشر تتضاءل على الرغم من كل شيء؟ بمجرد أن تطير فوق الحدود تجد نفسك تذوب في المجتمع الآخر الذي تحط فيه. لقد زرت روسيا… زرت موسكو.. دخلت البيت الرئاسي لبوتين. زرت سانت بطرسبرج، خرجت ذات مرة في الساعة الحادية عشرة ليلاً أتمشى في شوارعها. شاهدت الناس يمشون هناك متشابكي الأيدي. لا نفعل ذلك في أمريكا.
قبل عامين ظهرت في فيلم «ثلاثة أيام للقتل» بدور جاسوس. هل * كنت تحب أفلام الجاسوسية حين كنت صغيراً؟
– لم تكن هذه النوعية من الأفلام كثيرة وما كان موجوداً منها لم يكن على طريقة جيمس بوند حيث كل شيء سهل بالنسبة إليه. لكني في كل الأحوال لم أكن شغوفاً بهذه الأفلام.
* لديك عدد من الأفلام الحديثة التي لم تكن في مستوى قدراتك. ما كان الدافع لقبولها؟
– بعضها بدا رائعاً على صفحات السيناريو والممثل يقبل ما يقرأه ولا ما يشاهده فيما بعد. قد يعجبه العمل فيما بعد أو قد يراه مثقوباً بعلل مختلفة. وما حدث هو من هذا النوع تحديداً. سيناريوهات بعض الأفلام أوحت بأنني سأتمتع بدور جيد لكن فيما بعد تبين أن ذلك لم يحدث.
* هل تذكر أمثلة؟
– لا أستطيع أن أذكر أمثلة، لكن أستطيع القول إن الممثل هو رهينة المخرج وقدراته.
في الوقت ذاته لعبت أدواراً مهمّة في أفلام جيدة مثل «حسابات مخبأة» و«لعبة مولي» الذي شهد ترشيحاته للأوسكار هذا العام.
– هذا يؤكد ما كنت أقوله: تقرأ وبعد ذلك ستحدد لك قدرات المخرج ما إذا كان الفيلم من النوع الذي يستحق أن تتباهى به أو لا.

شاهد أيضاً