«كرت» أزرق

يوسف أبو لوز

تعود بي الذاكرة، حين نقرأ من وقت إلى آخر عن تلويحات وكالة الغوث الدولية (الأونروا) بقطع خدماتها عن اللّاجئين الفلسطينيين في مخيمات الضفة الغربية، وغزة، والأردن، وسوريا، ولبنان.. إلى ذلك الكرت الأزرق الذي كان يحتفظ به اللاجئ ويحرص عليه حتى يصرّه في نطاقه، كأنه يحتفظ بحياته. وكان ذلك الكرت بمثابة حياة فعلية، فهو يوفر للاجئ ما يمكن أن يعتاش عليه من شهر إلى آخر:.. الشيء الممكن أو المتاح من السمن والزيت والطحين والسردين، والأهم من هذا كله أنه عن طريق ذلك الكرت الأزرق دخل أبناء اللاجئين إلى المدارس وإلى المعاهد أو دور المعلمين، ومن هذه المعاهد.. معهد تدريب عمّان التابع للأونروا، ومقرّه في بلدة (المقابلين) القريبة من العاصمة الأردنية عمّان. وسأترك الكرت والمؤونة الشهرية وخدمات الوكالة التي تهدد بقطع المعونة عن اللاجئين الفلسطينيين من وقت إلى آخر، وأتحدث عن ذلك المعهد الذي تخرّج فيه مئات بل ربما آلاف المعلمين الفلسطينيين، واشتغلوا بعد التخرّج في مدارس المخيمات التي جاءوا منها أصلاً إلى هذا المعهد.. لكن موضوع هذه المقالة لا يتصل بالمعلمين، بل بالشعراء والروائيين والكتّاب الذين كانوا طلاباً عند التحاقهم بمعهد تدريب عمان التابع للأونروا، وعندما تخرجوا وانخرطوا في حيواتهم العملية واليومية أصبحوا أدباء يشار إليهم بالبنان كما يقولون، ليس على المستوى الأردني والفلسطيني فقط، بل، وعلى المستوى العربي.
من خريجي معهد تدريب عمّان غسان زقطان الذي يعتبر اليوم واحداً من أهم الشعراء العرب، وحاز جوائز عربية ودولية مرموقة، وترجمت بعض أشعاره إلى لغات عالمية عديدة، ويقرأ غسان زقطان شعره اليوم في ملتقيات أدبية نوعية يشارك فيها شعراء كبار من العالم.
من خرّيجي ذلك المعهد الشاعر والروائي إبراهيم نصر الله المعروف عربياً وعالمياً اليوم، والحاصل على العديد من الجوائز الأدبية وآخرها البوكر العربية، وأيضاً نقلت بعض أشعاره إلى لغات عالمية.
ومن خريجي ذلك المعهد أيضاً يوسف عبد العزيز.. الصوت الشعري الفلسطيني الأكثر شفافية والأكثر تصويباً على بلاده، ولكن بلغة شعرية نابغة، مسكونة دائماً بالحياة والجمال.
من خرّيجي ذلك المعهد أيضاً جمال ناجي الذي ترك بصمة روائية مكتملة بخصوصيتها الأدبية ولغتها الإنسانية العالية لا تنسى ولا تستنسخ.
هؤلاء الكتّاب جاء بهم آباؤهم في السبعينات إلى ذلك المعهد، وهم يحملون ذلك الكرت الأزرق الذي أتاح لهم التعليم والعمل والحياة والإبداع.. وأصبحوا من ذلك المبنى المعهدي العريق علامات في الثقافة العربية.
صحيح أن الأونروا علّمت أبناء الفلسطينيين.. لكن لا يجب أن يكون ثمن ذلك التلويح الدائم بسحب ذلك الكرت الأممي السحري.

yabolouz@gmail.com

Original Article

شاهد أيضاً