مسرح العيد

يوسف أبو لوز

أذكر في ثمانينات القرن العشرين، وما بعدها، حيوية المسرح الإماراتي في أيام العيد، ويتذكر عشاق المسرح في الإمارات كيف كانت عروض تلك الأيام تستقطب جمهوراً واسعاً من جميع الأعمار، بل ذهب البعض آنذاك إلى إطلاق توصيف «مسرح العائلة» على العروض الشعبية التي كانت تجري في أيام العيد، وبعضها كان يقام في الهواء الطلق ضمن ما يُسمى مسرح الخروج من العلبة الإيطالية، مثل مسرحية «حبة رمل» لناجي الحاي، ومسرحية «جميلة» لجمال مطر.
كانت تلك العروض تمثّل فعلاً، مسرحاً للعائلة، فمنها فرجة، ومنها تسلية، ومنها ثقافة، وكان يجري الإعداد جيداً لتلك العروض، أي أن ذلك المسرح لم يكن ارتجالياً أو «مناسباتياً»، بل كان مسرح موسم إن جاز الوصف، فمثلما كانت هناك مواسم مسرحية ينتظرها ويحضرها الجمهور في أوقات وتقاليد معيّنة مثل أيام الشارقة المسرحية، ومثل موسم المسرح المدرسي أو الجامعي أو موسم المسرح العربي، كان هناك ما يمكن تسميته مسرح العائلة في أيام العيد، وهو في كل الأحوال مسرح مُستعاد، أي أن عروض العيد كان جرى عرضها في مواسم سابقة، وفوق ذلك وإن لم تخنّي ذاكرتي، كان مسرح العيد يعرض أعمالاً جديدة يشاهدها الجمهور للمرة الأولى، ويظل أن أهل المسرح في الإمارات أدرى «بشعابه» كما يقولون، غير أن أرشيف الذاكرة الشخصي يحتفظ إلى اليوم بتلك البهجة المسرحية الجماعية للأطفال والآباء والأمهات والشباب والشابّات وهم يقضون عيدهم أو يقضون وقتاً ولو قصيراً من إجازة العيد في مشاهدة مسرح محلي بعناصر إماراتية وتمثيل وإخراج ونصّ إماراتي.
كانت الفرجة المسرحية آنذاك فرجة شعبية بامتياز تتماهى أو تلتقي مع الفرح بالعيد، وفي أوقات تالية، عندما أصبح العرض المسرحي في العيد ظاهرة ثقافية شعبية أو اجتماعية، أخذ بعض المخرجين الإماراتيين يتجهون إلى عروض كوميدية في العيد، تناسب، بالطبع، حاجة المشاهد إلى شيء من الفكاهة والتسلية المسرحية في أيام الفرح.
اليوم، لا أثر لهذه الظاهرة المسرحية في العيد، أو أنه لم تعد هناك من عروض مشابهة لعروض الأعياد السابقة إلاّ في حدود قليلة أو نادرة، وإذا أردت أن تبحث عن أسباب لغياب مسرح العائلة في العيد، فربما يعود ذلك إلى أن المسرح لم يعد وحده، كما كان في الثمانينات فضاء للفرجة والمرح والتسلية والتثقيف واجتماع الناس في فضاء عائلي واحد.
البرامج التلفزيونية الترفيهية أو الاجتماعية المنوّعاتية كثرت وتنوّعت، صالات السينما كثرت، وأصبح لدينا في الإمارات جمهور سينما،.. «المولات» التجارية الكبرى التي تشبه مدناً مصغّرة لها أيضاً شعبيتها وثقافتها الاستهلاكية، وأضف إلى جانب ذلك التغيّر الذي طرأ على المسرح نفسه وعروضه وفضاءاته الاجتماعية والثقافية.
كان مسرح العيد، مسرحاً جميلاً وأبناء تلك المرحلة يحتفظون إلى اليوم بذلك الجمال العائلي.

yabolouz@gmail.com

Original Article

شاهد أيضاً