أحزاب السودان

فيصل عابدون

يلاحظ عدد من الباحثين السياسيين أن الاستعمار البريطاني خلف بعد رحيله مؤسسة عسكرية عصرية وجيدة التدريب ومتمرسة في مجال عملها الأساسي وهو قتال الجبهات في مواجهة جيوش منظمة، وفي المقابل خلف الاستعمار مؤسسة سياسية ضعيفة في تكوينها ومنقسمة مقارنة بالمؤسسة العسكرية التي أشرف الإنجليز على إنشائها وتدريبها وتسليحها ومشاركتها في العمليات الحربية على جبهات شمال إفريقيا ضد الجيشين الألماني والإيطالي وجبهة شرق إفريقيا ضد الجيش الإيطالي. والملاحظة الأهم هنا أنه لا المؤسسة العسكرية اتخذت مسار التطور الصاعد استناداً إلى تكوينها الأول ولا الأحزاب السياسية تجاوزت مشكلات التأسيس بعد رحيل الاستعمار.
فبعد مرور أكثر من ستين عاماً على استقلال السودان تراجع أداء المؤسسة العسكرية السودانية كثيراً، وتوقف نموها الذي كان متوقعاً في ظل الحكم الوطني. ويعود السبب في ذلك من ناحية، إلى انخراط قادة المؤسسة بسلسلة من الانقلابات على الحكومات الديمقراطية للسيطرة على مقاليد السلطة وحيازتها. ومن الناحية الأخرى الانخراط الكامل للجيش الوطني في حروب داخلية غير متكافئة.
وقادت استطالة أمد تلك الصراعات مع عدم القدرة على تحقيق الحسم العسكري، إلى استنزاف طاقات الجيش وفقدانه القدرة على التعاطي مع تحديات كبيرة تتعلق بواجباتها الدستورية الأمر الذي أدى بالضرورة إلى فقدانه التعاطف الشعبي.
الأمر نفسه وإن بطريقة أخرى، حدث للأحزاب السياسية السودانية. ولا بد لنا هنا أن نقرر أن الحياة السياسية السودانية شهدت فترات مهمة من الممارسة الديمقراطية الحية أفرزت قيادات سياسية مبدعة وعبقريات فكرية وإرثاً من الإنجازات الثقافية والفنية لا يستهان به ويدعو للفخر، وذلك على الرغم من تعاقب الانقلابات العسكرية التي حكمت البلاد لأكثر من خمسين عاماً من سنوات استقلالها.
نعم كانت فترات الحكم الديمقراطي قصيرة جداً مقارنة بسنوات الحكم العسكري، لكن الأحزاب السياسية التي ولدت وهي تعاني معضلات كبيرة ليس أولها الهيمنة الطائفية على أكبر حزبين سياسيين، لم تستثمر فترات الحكم الديمقراطي لتمكين أوضاعها وقفل الطريق أمام شهوة العسكريين لتولي السلطة المدنية. كانت الخلافات السياسية بين قادة الأحزاب والفشل في التوصل إلى تفاهمات تتيح استقرار الحكومات المدنية وبالتالي عجز هذه الحكومات عن الإنجازات الكبيرة هي البوابة التي طالما عبر منها قادة المؤسسة العسكرية إلى السلطة وطرد السياسيين منها وحل أحزابهم وبرلماناتهم ومؤسساتهم المدنية.
لم تبذل الأحزاب السياسية جهوداً جادة لتجاوز مشكلات الميلاد وتطوير مؤسسات ديمقراطية حقيقية داخل أروقتها، لم يحدث ذلك خلال فترات وجودها القصير في السلطة ولا خلال فترات إبعادها الطويل عنها، والأمر الأكثر مأساوية أن بعض الأحزاب غدرت بالنظام الديمقراطي مثل انقلاب جماعة الإخوان حيث حكموا البلاد قرابة الثلاثين عاماً.
وفي الحصيلة، فإن الثورة الشعبية التي تنتظم السودان اليوم تطرح فرصة كبرى لتصحيح الأخطاء الاستراتيجية التي صاحبت الحياة السياسية منذ استقلال البلاد في عام 1956. وهي تمنح الأحزاب المجال لإعادة البناء بعيداً عن هيمنة القيادات الطائفية. فالحزب السياسي يفترض به أن يؤهل أعضاءه للقيادة وإدارة شؤون الدولة. كما أنها تتيح فرصة لإعادة بناء جيش وطني احترافي متطور يعمل على حماية الدستور ويحظى بالثقة.

Shiraz982003@yahoo.com

Original Article

شاهد أيضاً