أبرز العيوب التي تصيب قلوب الأطفال

يولد قلة من الأطفال ببعض العيوب بالقلب، وذلك يتم خلال مرحلة الحمل وهم أجنّة في بطون أمهاتهم، أثناء عملية تشكل القلب والأوعية الدموية الخارجة والداخلة منه، فيولدون وهم يعانون من مشاكل صحية وربما تظهر الأعراض في غضون أيام أو أشهر قليلة.
وتكون بعض هذه العيوب بسيطة وتشفى من تلقاء نفسها بعد فترة من نمو الطفل، أو تكون ضعيفة التأثير ليست ذات أعراض ظاهرة، ولكنها في حالات أخرى تكون شديدة التعقيد، وأحياناً خطيرة وبحاجة لتدخل طبي عاجل.
تظهر تشوهات القلب في صماماته أو في الشريان الأورطي أو الرئوي، أو يستمر بقاء القناة الشريانية التي تضمر طبيعياً مع الولادة، أو في حدوث ثقب بسيط أو كبير بين البطين الأيسر والأيمن للقلب، ولكل حالة أعراضها وعلاجها وكذلك درجاتها البسيطة والمعقدة.
ونتناول في هذا الموضوع أبرز العيوب التي يولد بها الطفل، كما نقدم الأعراض التي تظهر نتيجة هذه العيوب، ونطرح طرق العلاج المتبعة والحديثة في هذه الحالة.

مضخة لا تتوقف

يعتبر القلب عضلة تنقبض على نفسها بما يشبه المضخة، وهو لا يكل ولا يمل من العمل، إذ يؤدي توقفه إلى الوفاة، لأنه يحرك الدم الذي ينقل الأكسجين للخلايا ويخلصها من ثاني أكسيد الكربون.
ويتكون القلب من أربع حجرات وهي البطين الأيسر والأذين الأيسر، اللذان ينقلان الدم المؤكسد إلى أجهزة الجسم وخلاياه، والبطين الأيمن والأذين الأيمن اللذان ينقلان الدم غير المؤكسد والمحمل بثاني أكسيد الكربون إلى الرئتين.
ويقوم القلب بدورة الدم الصغرى التي تنقل الدماء المحملة بثاني أكسيد الكربون من بطين القلب الأيمن إلى الرئة عبر الشريان الرئوي، الذي ينقسم إلى فرع أيمن وآخر أيسر، ليصل إلى الرئتين فيتفرعان إلى شرايين أصغر وأصغر حتى يتزود الدم بالأكسجين من الحويصلات الرئوية.

شريان الوتين

يعود الدم المحمل بالأكسجين إلى القلب مرة أخرى، فيصل إلى أذين القلب الأيسر ثم بطين القلب الأيسر، لتبدأ الدورة الدموية الكبرى بضخه إلى جميع أجزاء الجسم، عبر الشريان الأبهر (الأورطي أو الوتين) وإلى سائر الشرايين.
وتنقل الأوردة الدم المحمل بثاني أكسيد الكربون رجوعاً للبطين الأيمن للقلب، الذي يعيد ضخه من الأذين الأيمن للرئتين عبر الشريان الرئوي، وتعمل صمامات القلب الأربعة بانغلاقها وانفتاحها على تنظيم هذه الدورة، ودفع الدم في اتجاه واحد وعدم رجوعه.
ولا يعرف العلماء أسباب حدوث عيوب القلب، ولكن في الغالب أنها تحدث أثناء تشكل القلب في أول شهر ونصف الشهر من الحمل، وربما ترتبط بتناول الأم لأدوية معينة أو قيامها بالتدخين أو تناول الكحوليات، أو تعرضها لأشعات أو فيروسات أثناء الحمل.
ويجب على الأم والأهل ألا يشعروا أنفسهم بالذنب أو أن أحدهم له دخل في حدوث ذلك، بل يجب متابعة الطفل وملاحظة أي أعراض تظهر عليه وسرعة إبلاغ الطبيب بها.

ثقب بالقلب

تعرف ثقوب القلب بأنها من أشهر العيوب عند الرضع، وأحياناً ما تكون صغيرة بسيطة ودون أعراض ظاهرة، وتشفى وتلتئم من تلقاء نفسها قبل سن العاشرة.
وتحدث أحياناً ثقوب كبيرة بين حجرات القلب أو بين الأوعية الدموية الرئيسية المتصلة بالقلب، مما يؤدي إلى اختلاط الدم المؤكسد القادم من الرئة مع الدم الفقير إلى الأكسجين، وهو ما يؤدي إلى نقص في كميات الأكسجين الواصلة إلى أجهزة وأعضاء الجسم.
وتظهر على الطفل صعوبات التنفس وسرعته وصعوبات أيضاً في الرضاعة، وتوقف الرضيع المتكرر عن الرضاعة، وتعرق الطفل حتى مع الجو البارد، وتباطؤ معدل نمو الطفل ونقصان وزنه عن الطبيعي.

القناة الشريانية

تكون لدى الجنين قناة شريانية تصل الشريان الرئوي بالشريان الأورطي مباشرة، إذ لا تعمل رئتا الجنين قبل الولادة ويحصل على الأكسجين من المشيمة، ويكتمل إغلاق هذه القناة طبيعياً بعد الولادة بعدة أيام ولا يبقى منها شيء.
ولا تنغلق القناة الشريانية بعد الولادة في بعض الحالات، وخاصة مع المولودين قبل إتمام فترة الحمل الطبيعية، وكذلك إذا أصيبت الأم بمرض الحصبة الألمانية أثناء الحمل.
وتشبه أعراض عدم انغلاق القناة الشريانية أعراض ثقب القلب، وهي في مجملها علامات هبوط القلب، وعجزه عن تأدية دوره، فيظهر على الصغير التعب والعرق وتسارع النفس من أقل مجهود.

التضيق الرئوي

يحدث التضيق الرئوي نتيجة ضيق غير طبيعي في الصمام الرئوي أو الشريان الرئوي، ومهمتهما نقل الدم إلى الرئتين ليتخلص من ثاني أكسيد الكربون، ويتزود بالأكسجين اللازم لسائر خلايا الجسم حتى تحصل على طاقتها وتعمل.
فيقوم القلب برفع ضغط الدم كرد فعل طبيعي على هذا الضيق، ويتزايد معدل ضغط الدم داخل البطين الأيمن للقلب، حتى يصبح ضاراً على عضلة القلب.
وتشعر الأم أن صغيرها تتسارع أنفاثه ويتعرق ويلهث من أقل مجهود كالرضاعة، وتظهر عليه زرقة في جسمه، ويحتاج ضيق الشريان الرئوي أو الصمام الرئوي إلى علاج، إذا كان الضيق أكبر من 50%، أما لو كان أقل فربما لا تظهر على الطفل أي أعراض.
ويحدث أيضا ضيق في الشريان الأورطي أو الصمام الأورطي، وتتشابه الأعراض مع التضيق الرئوي، ومن الممكن أن تكون أكثر حدة في حالات الضيق الشديدة فيحدث إغماء للطفل عند بذل المجهود.

نمو ناقص

يتوقف نمو القلب في حالات نادرة، كما يحدث في متلازمة القلب الأيسر ناقص التنسج، التي يولد الطفل والجانب الأيسر من قلبه ناقص النمو، فيزداد الحِمل بشكل كبير على الجانب الأيمن من القلب، وتظهر على الطفل أعراض هبوط القلب التي تزداد حدتها كلما كان النقص أكبر.
ويصاب الأجنة برباعية فالوت، وهي مجموعة من العيوب يولد بها الطفل، تشمل وجود ثقب بالقلب وضيق في الشريان الرئوي ورقّة عضلة البطين الأيمن، مع تغير مكان اتصال الشريان الأبهر بالقلب، وينتج عن هذا التداخل الخطير اختلاط الدم المحمل بالأكسجين مع الدم المحمل بثاني أكسيد الكربون.
وتظهر على الطفل أعراض ازرقاق الجلد، نتيجة انخفاض نسبة الأكسجين به وقصور التنفس، وسرعة التعب والبكاء الطويل وسماع صوت خرخرة من القلب، وازدياد سمك الجلد عند أظفار القدمين واليدين.

فشل القلب الاحتقاني

تتضاعف مشكلات عيوب القلب، إذا لم يتم علاجها بسرعة فيكون الطفل معرضاً لفشل القلب الاحتقـــاني، وهو صورة أشـــد من علامات هبوط القلب، ويصبح الطفل بطيء النمو ويضطرب عنده نظـــام دقات القلب، ويكون معرضاً للجلطات والسكتة الدماغية.
ويستمع الطبيب لصوت القلب ويقيس نسبة الأكسجين في الدم ويقوم بعمل الأشعات على الصدر ويسجل مخططا لكهربة القلب ويتجه إلى عمل قسطرة قلبية تشخيصية، حين يتبين له وجود مشكلة بالقلب.

لكل حالة علاجها

تعالج حالات العيوب بطرق مختلفة تبعاً لكل حالة وشدتها، فضيق الشريان الرئوي أو الأورطي يتم بإدخال بالون بالقسطرة إلى مكان الضيق، ويتم نفخ البالون رويدا رويدا حتى يتسع الشريان ويصبح قطره طبيعيا، وربما يحتاج الطفل لأكثر من قسطرة إذا عادت الحالة، أو لم يكن التوسيع كافياً.
وتحل القسطرة محل الكثير من العمليات الجراحية في السابق، فتعالج كثيراً من حالات عدم انغلاق القناة الشريانية والثقوب القلبية، بإدخال جهاز يشبه المظلة يتم فتحها عند الثقب فتسده وينمو عليها نسيج القلب.

إصلاحات قلبية

ويتم علاج الحالات المعقدة والمتقدمة بالتدخل الجراحي وعمليات القلب المفتوح، كحالات رباعية فالوت التي يتدخل الطبيب فيها جراحياً ويقوم بعدة إصلاحات داخل القلب، ومنها سد الثقب بين حجرتي القلب وإصلاح الصمام الرئوي الضيق وتوسعة الشرايين الرئوية.
وتحتاج جراحات القلب أحياناً إلى جراحة تمهيدية سابقة على الجراحة الرئيسية، لتحويل مسار الدم أو لتسكين الألم الناتج عن العملية الأساسية، وفي بعض الحالات يعالج الطفل بعلاجات مهدئة ومسكّنة، حتى يصل للسنّ الذي يمكنه معه تحمل الجراحة، وهو سن عام أو ثلاثة أعوام أو حسبما يرى الطبيب.
وتساعد أدوية خفض ضغط الدم ومعدل ضربات القلب في تخفيف الجهد عن القلب، في الحالات الخفيفة والحالات التي لم يكتمل شفاؤها بالجراحة، وكذلك الحالات التي لا ينفع معها التدخل الجراحي.

70 % نسبة الوفيات

تشير دراسة حديثة إلى أن الثقب بين البطينين الأيسر والأيمن للقلب يعتبر من أكثر العيوب شيوعاً، وتصل نسبته إلى 20% من الأطفال المولودين بمشاكل في القلب، وتظهر أعراض الثقب الكبير الحجم بعد 4 إلى 6 أسابيع من ولادة الطفل.
وتنغلق القناة الشريانية تماماً وطبيعياً بعد الولادة بـ72 ساعة ولكنها تبقى مفتوحة بعد الولادة في 15% من حالات عيوب القلب، وغالباً ما يترافق ذلك مع إصابة الأم أثناء الحمل بمرض الحصبة الألمانية، أو حال ولادة الطفل قبل أوانه بعد نحو 8 أشهر أو أقل.
يموت 70% من الأطفال المصابين بعيوب قلبية معقدة بعد إتمامهم عمر عام، إذا لم يتم تدارك هذه المشكلات من الأيام الأولى لولادتهم.
تقل نسبة الضيق بالشريان الرئوي أو الصمام الرئوي عن 50% في بعض الحالات، وعندها ربما لا يحتاج الطفل لأي نوع من العلاج وتشفى الحالة من تلقاء نفسها مع نمو الطفل.
تبلغ احتمالية ولادة طفل ثانٍ لديه مشاكل بالقلب لنفس الأم 3% وتتضاعف النسبة لأكثر من 12% في حالة ولادة طفلين بعيوب قلبية.

شاهد أيضاً