«لا لا لاند» أنجح أعمالي رايان جوزلينج:

محمد رُضا


منذ أن خطا رايان جوزلينج على سطح القمر في فيلم «رجل أود» وهو غائب عن الظهور في المحافل العامة أو على الشاشة، هناك استثناءات قليلة بالطبع من حيث ظهوره مع صديقته إيفا منديز في حفلات اجتماعية أو صورة يلتقطها البعض له وهو يقود سيارته على ساحل سانتا مونيكا بوليفارد.

لكن عملياً لا شيء معروف حول وجهته الثانية بعد ذلك الفيلم، الذي عرضه مهرجان فنيسيا في العام الماضي، وطاف بعد ذلك بالقرب من موسم الجوائز ملتقطاً بعضها قبل أن يغيب في طي الذكريات كشأن معظم الأفلام في هذه الأيام.

لعب رايان جوزلينج في «رجل أول» دور الملاح الفضائي نيل أرمسترونج ثم منح لنفسه عطلة طويلة الأمد لأنه، كما يقول هنا، يشعر باستقلاليته إذا ما ابتعد عن العمل من حين لآخر.

جوزلينج إنسان هادئ، وأخذ مساحات زمنية يبدو أمراً طبيعياً بالنسبة إليه، بل هو يوحي فعلاً بأنه ليس من النوع المستعجل والدؤوب، والده توماس قال قبل نحو 10 سنوات عندما سئل عن النصيحة التي قدمها لابنه وما زال رايان يطبقها: «نصحته بأن يفعل ولا يتكلم. وهو بالفعل تعود على أن يكون مقل الكلام، لكنه شخص طيب جداً ويحب أن يسمع من الجميع».

ولد في مدينة لندن في ولاية أونتاريو في كندا في الثاني عشر من شهر نوفمبر/‏تشرين الثاني 1980 ونشأ في بيت يتحدث الإنكليزية والفرنسية ومليء بالكتب.

ومنذ أن كان شاباً أظهر رايان، ميلاً نحو الدراما فأمّنت له والدته دخول معهد كورنول الكندي؛ حيث أظهر تفوقاً على الرغم من أنه لم يتعلم التمثيل في المعهد، بل خص نفسه بدراسته نظرياً. بالرغم من ذلك جذب الانتباه عندما واتته الفرصة للظهور في برامج تلفزيونية في أواخر التسعينات.

كان النجاح مبدئياً، لكنه كان كافياً لأن يمنح رايان الشجاعة ليأتي إلى هوليوود ويبحث عن عمل فيها كممثل، في عام 2002 وقف أمام الكاميرا الأمريكية لأول مرة في دور محدود في فيلم بعنوان: «المؤمن» (The Believer) ومنه انطلق؛ حيث تمكن بعد سنوات قليلة من توسيع رقعة شهرته عبر أفلام مثل «المفكرة» و«نصف نلسون«و«بلو فالنتاين» و-خصوصاً- «درايف» حول سائق سيارة يساعد رجال العصابة على الهرب إثر سطوهم على المصارف. وارتفع ميزان نجاحه أكثر وأكثر في السنوات القليلة الماضية، خصوصاً عندما لعب بطولة فيلم «لا لا لاند» قبل عامين، والذي يعتبره أنجح أعماله.

* يعتبرك كثيرون من أفضل ممثلي الجيل الحالي، ما الذي تقوله في ذلك؟

– أعتقد أن الواحد منا سواء أكان ممثلاً أو منتجاً أو صحفياً أو يشتغل في أي مهنة أخرى لا يجب أن يعلن عن قيمته بل على الآخرين أن يقيّموه.

* هل هذا من باب التواضع؟

– لا.. من باب الواقع، عندما تتصل بشخص لا تعرفه، هل تقول له أنا الذي يكتب جيداً؟.. بالطبع لا.. كتابتك هي التي تحدد ماهيتك وجمهورك هو الذي يقيّمك.

* لكن التواضع صفة طيبة فيك.

– أعتقد أن التواضع جيد، لكني أظن أنني في الوقت ذاته أن المسألة لها علاقة وطيدة باحترام المعجبين. بعضنا كممثلين ربما يعتبر أن توقيع الأوتوجرافات تحصيل حاصل، لكني أحاول أن أوحى لصاحب الأوتوجراف أنني سعيد بما طلبه مني.

* هل أنت شخص خجول؟

– لا أعتقد، لكني كنت خجولاً في مطلع شبابي. هكذا كانوا يقولون عني.

* لكنك بالتأكيد شخصية هادئة.

– أحب أن يُقال عني ذلك. لا أمانع في أن أكون هادئاً.

* هل لهدوئك دور في ابتعادك الحالي عن السينما؟

– لا أعرف لكني لست مبتعداً.

* لا يوجد هناك أي خبر عن فيلم جديد لك أو أنك مشغول في التحضير لفيلم جديد.

– أنا من النوع الذي يحب أن يبتعد عن الأضواء عموماً. لا أحب التعاطي مع الهالات الإعلامية. تسمي هذا خجلاً لا بأس، لكنه بالتأكيد ليس كسلاً. العمل المتواصل يجعلني أشعر بأنني عبد للعمل. لهذا أتوقف من حين لآخر عن العمل أو حتى قراءة المشاريع الجديدة وحينها أشعر بالحرية والاستقلالية. من جهة أنا سعيد عندما أكون مشغولاً في التصوير. هذه حياتي. من جهة ثانية أنا أيضاً سعيد إذا أغلقت هاتفي الجوال لشهر أو شهرين في مقابل أن أشعر بأني إنسان حر.

* هل لك أن تؤكد أن عودتك قريبة أو أنك تترك هذا للظروف؟

– لا. أستطيع أن أقول أنها قريبة.

* إلى أن يحدث ذلك فإن «رجل أول» هو فيلمك الأخير. هل تراه اليوم بعد مرور أشهر عدة على عرضه بعين مختلفة؟

– نعم إلى حد معين. لقد عرضنا الفيلم في فترة تحتشد فيها الأفلام لنيل الجوائز المتاحة وتم ترشيح الفيلم فعلاً لأكثر من جائزة وفاز بالبعض منها ولم يفز في بعضها الآخر. وهذا طبيعي. الفيلم لم يخفق في توجيه رسالة مختلفة عن نيل أرمسترونج فقط، بل تضمن وجهة نظر في حياتنا في الستينات وفي حياة أرمسترونج كشخصية رائدة. عندما شاهدت الفيلم لأول مرة كنت أراقب الفيلم على نحو حيادي قدر الإمكان. كان عقلي يشتغل على النواحي الفنية وبصراحة كنت مشغولاً بمراقبة نفسي. في مشاهدتي الثانية شعرت كما لو أنني جلست على مقعد خلفي بعيداً وشاهدت الفيلم من زوايا عدة. لكني في الحالتين قدرت الفيلم كثيراً. هو من أفلامي المحببة.

* هذا كان ثاني فيلم لك مع داميان شازيل بعد «لا لا لاند». ما رأيك به كمخرج؟

– ما يعجبني في داميان إنه يعالج أفلامه بمستويين طوال الوقت ويعرف كيف يعالجهما بالاهتمام نفسه. هو يتحدث عن ممثليه وشخصياته بطلاقة ويعرض وجهات نظر بعيدة عن التقليد. هذا من ناحية. من ناحية أخرى، يعرف أن عليه أن يتواصل مع الجمهور العريض ويفعل ذلك جيداً أيضاً. يحكي بيد ما يريد وباليد الأخرى يحكي ما يريد المشاهد أن يحكيه.

* كيف تقارن دور «رجل أول»، بدورك السابق في «لا لا لاند» من حيث المساحة الدرامية التي تمتعت بها؟

– الدور قائم فقط على جزء من السيرة الشخصية والفيلم لا يسعى لأن يتحدث عن أكثر من مرحلة الستينات في حياة نيل أرسترونج منذ انضمامه إلى ناسا إلى حين سيره على سطح القمر. لكن ليس هناك فرقاً كبيراً بالنسبة لما تطلبه كل فيلم من دراما. وجدت نفسي في «لا لا لاند»، أفضل أعمالي، متحرراً إلا من إرشادات المخرج خلال التصوير. استلهمت مما قرأته كسيناريو ونفذته وهذا شأن طبيعي. بالنسبة لدوري في «رجل أول» حريتي كانت كاملة. ليست الغاية، أن أتقمص الشخصية وأقلد حركاتها. ليست الغاية نقل الشخص من الواقع إلى الواقع بل تمثيلها.

* هل صحيح أن المخرج داميان شازيل رغب منك في أن تقوم ببطولة «رجل أول» قبل «لا لا لاند»؟

– داميان كان بصدد إخراج هذا الفيلم أولاً. السيناريو كان جاهزاً، لكنه كان لا يزال بلا تمويل. سمعت به وعندما التقيت مع داميان سألته عنه. في الواقع كنت أعتقد أنه سيعرض عليّ دور نيل أرمسترونج في ذلك اللقاء، لكنه أخبرني عن مشروعه الموسيقي «لا لا لاند». وافقت على أن أقرأ السيناريو وإذا أعجبني سأوافق على بطولته، لكن طلبت، ولم اشترط، أن أقوم بدور أرمسترونج في هذا الفيلم عندما يتم إنتاجه. هذا ما حدث.

* درست نظريات الدراما لكنك لم تدرس التمثيل. لماذا؟

– آنذاك كنت في وضع من يدرس الاحتمالات ولم يكن التمثيل واحداً منها.

* ما هي الاحتمالات التي كانت مطروحة؟

– مثلاً كنت أفكر في أن أصبح أستاذاً للدراما. وأحياناً كنت أتساءل عما إذا كنت بالفعل أريد لنفسي مستقبلاً في الدراما وليس في المحاماة مثلاً. في أحد الأيام التقيت في مدينة تورنتو بشاب ورث الملايين ولم يكن يعرف ما سيفعل بها. وإحدى أفكاره كانت نشر كتاب عن الدراما على أن أقوم أنا بكتابته.

* هل فعلت ذلك؟

– لا. لأني لم أر نفسي كاتباً.

* ما هو تفسيرك لمنهجك في التمثيل إذاً؟

– كل ممثل في رأيي لديه وسيلته في التمثيل والتعبير. هناك ممثلون يفعلون على نحو ظاهر لأن الأفلام التي يشتركون فيها تتطلب ذلك. لا يمكن لممثل لديه منهج أن يلعب بدونه في فيلم غير مهتم أساساً بالوصول إلى المهرجانات، أو طرح بديلاً فنياً للسائد. هناك ممثلون آخرون لا يتنازلون ولذلك يحافظون على طريقتهم في التعبير. وأكتفي بالقول أن ما أقوم به هو كاف طالما أن اختياراتي من الأدوار التي تقودني هي وليس العكس.

* هل يكون الإخراج الخطوة الطبيعية الأخرى في مسيرتك الفنية؟

– أعتقد أن ذلك محتملاً. لكني استمتع بالوقت الذي يسبق العمل، فهو من شروط النجاح أيضاً.

شاهد أيضاً