نموذجان للإسلام

حافظ البرغوثي

لفت نظري خبر غريب غير متداول أو لم يُتداول من قبل، لكن في الذكرى الثالثة والعشرين لمذابح رواندا التي ذهب ضحيتها من السكان قرابة 800 ألف من التوتسي والهوتو، تبين أن دولة الاحتلال «الإسرائيلي» كانت تزود النظام هناك بالسلاح والتدريب، كما تزود ماينمار بالسلاح في عمليات الإبادة الجارية ضد مسلمي الروهينجا هناك. لكن في حالة رواندا بدا وكأن المجازر لعبت دوراً في تحول الكثيرين من الروانديين إلى الإسلام، وهو نقيض «إسلام» الجماعات الإرهابية.
في رواندا التي اجتاحتها المجازر ضد قبيلة التوتسي، كما فر مئات الألوف إلى الدول المجاورة. لكن بقي هناك حي واحد في العاصمة هادئاً دون قتال وهو الحي الإسلامي الصغير؛ حيث احتضن الهاربين من القتل. وكان عدد المسلمين آنذاك أقل من واحد في المئة من السكان، لكن بات اليوم أكثر من عشرة في المئة من السكان البالغ عددهم 11 مليوناً، لأن السكان تحوّلوا إلى الإسلام، خاصة بعد مشاركة قساوسة في عمليات القتل لمن كان يلجأ إلى الكنائس طالباً النجاة. وقد كان للملاذ الآمن الذي وفره المسلمون للتوتسي والمعتدلين من الهوتو أبلغ الأثر في تحول الكثيرين للإسلام في ذلك البلد.
وقال عبد السلام، الذي اعتنق الإسلام منذ 20 عاماً، للإذاعة البريطانية، إنه كان في الخامسة عشرة من عمره عندما شاهد فشل الكنائس في حماية الناس الذين لجأوا إليها طلباً للأمان، مشيراً إلى أن تحوله للإسلام كان نتيجة مباشرة لما حدث خلال عمليات الإبادة الجماعية.
وتقول صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية، إن مقتل نحو 800 ألف رواندي في عمليات الإبادة الجماعية لم يؤدِّ فقط لفقدان ثقة المواطنين في حكومتهم، بل في ديانتهم أيضاً؛ إذ تهيمن المسيحية الكاثوليكية في هذا البلد الذي بات الإسلام فيه هو أسرع الأديان انتشاراً.
ما حدث خلال مذابح عام 1994 أعطى مصداقية للمسلمين في رواندا؛ إذ رفض الهوتو المسلمون التعاون مع ميليشيات الهوتو التي تطارد التوتسي لقتلهم. وقال الهوتو المسلمون حينئذ إنهم يشعرون بأنهم أكثر ارتباطاً بالدين من العرق.
ما حدث في رواندا كان إيجابياً بالنسبة للمسلمين، لكن الجماعات الإرهابية التكفيرية كانت تمارس القتل في تلك الفترة نفسها في الجزائر، وهي من فلول العرب الأفغان الذين تم تجنيدهم للحرب في أفغانستان من قبل أحزاب مثل «الإخوان المسلمين» وأجهزة مخابرات أمريكية وغيرها، ولما انتهت الحرب عادوا إلى ديارهم مشبعين بالفكر التكفيري التدميري الموروث عن سيد قطب.
ولعل التكفيريين ظهروا في التاريخ الإسلامي مع الخوارج الذين كفّروا غيرهم من المسلمين، لكن سيد قطب قولب الفكر التكفيري وأشاعه وتبناه الكثيرون في مدينة بيشاور الباكستانية على حدود أفغانستان، ونشط فيها عبد الله عزام ولاحقاً أسامة بن لادن. وكان تنظيم التكفير والهجرة أول ما ظهر في مصر في السبعينات من قبل عناصر خرجت من بطن جماعة «الإخوان» وكفرت المجتمع، ثم بعد حرب أفغانستان ظهرت الجماعة الإسلامية في الجزائر؛ حيث تولى قيادتها في أوائل التسعينات جمال زيتوني الذي مارس الاغتيال والقتل الهمجي، وشملت اغتيالاته قادة التيار الإسلامي التاريخيين، إلى أن لقي مصرعه على أيدي جماعة مقربة من أحد قادة التيار الإسلامي. وتولى القيادة من بعده عنتر الزوابري الذي اشتهر بالذبّاح؛ لكثرة المجازر التي ارتكبها، وكان يكفر كل الشعب الجزائري، وأحل دم الجميع ما لم يبايعوه، وكان يقتل الأطفال والنساء بيديه، وحتى بقر البطون لقتل أجنة الحوامل، ولقي هو الآخر مصرعه برصاص الأمن الجزائري، وتمكن رجال دين من إقناع أنصاره من خلال الفتاوى والحجج الدينية بالعودة إلى الأصل الديني.
مع ظهور «القاعدة» ثم «داعش» عاد القتل الهمجي ضد المسلمين في سوريا والعراق خاصة، ودون الإسهاب في موضوع من اختلق «داعش» وأخواتها من الجماعات، يبقى ماثلاً للعيان أن قرابة 95 في المئة من ضحايا الجماعات الإرهابية هم من المسلمين، خاصة في العراق وسوريا وليبيا.
النتيجة هي أن الفظائع التي ارتكبت من هذه الجماعات أدت إلى تحول البعض من الإسلام إلى المسيحية، خصوصاً في أوروبا كرد فعل على فظاعة هذه الجماعات.
لكن ما جرى في رواندا من خلال المسلمين هناك يقدم نموذجاً ساطعاً وحياً للإسلام الحقيقي، الذي ينبذ العنف، ويرفض القتل والإبادة، ويدعو إلى المحبة والسلام والتسامح.

hafezbargo@hotmail.comOriginal Article

شاهد أيضاً