التقلبات المزاجية..وجوه متعددة لحالة مرضية

يتعرض الكثير من الأشخاص للإصابة بحالة التقلبات المزاجية، ويمكن أن تكون هذه التقلبات طبيعية عندما تكون في الحدود الطبيعية التي تحدث لدى الأغلبية، ولكنها تصبح مشكلة مرضية إذا كانت شديدة وتؤثر على حياة الفرد وتعوق القيام بالأنشطة اليومية المعتادة ويصل تأثيرها إلى الأشخاص المحيطين. وتقلب المزاج هو الإحساس بمشاعر وعواطف متضادة في أوقات متقاربة، فربما يكون الشخص سعيدا ومسرورا، ثم ينقلب وضعه بعد عدة دقائق أو ساعات قليلة إلى حالة من الحزن والاكتئاب وتظهر عليه المشاعر السلبية بشكل كبير.
يمكن أن تكون هذه التقلبات المزاجية علامات على الإصابة ببعض الأمراض العقلية، أو عرضاً لمشاكل صحية أخرى، وكان البعض يعتقد أن السيدات هن الأكثر معاناة من هذه الحالة، ولكن كل فرد معرض للإصابة بهذه المشكلة.
ويمكن أن تكون الحالة النفسية السيئة هي المسبب، أو المرور بحالة من التضرر العاطفي القاسي، ورغم ذلك لا يوجد أسباب معروفة لحدوث هذه المشكلة.
ونتناول في هذا الموضوع العوامل والأسباب التي يمكن أن تؤدي إلى الإصابة بالتقلبات المزاجية، بالإضافة إلى توضيح الأعراض التي تظهر على الشخص المصاب، وكذلك نعرض طرق الوقاية والعلاج الممكنة.

التوتر وقلة النوم

يمر الشخص المصاب بمشكلة تقلب المزاج ببعض المشاعر المتذبذبة بين الارتفاع والانخفاض وبين العواطف المتأرجحة على مدار اليوم، وبعض هؤلاء الأشخاص يميلون إلى فكرة الانتحار، ويعيشون حياة غير طبيعية ملأى بالمشاكل سواء في العمل أو البيت أو المجتمع.
ويتوفر عدد من العوامل التي يمكن أن تكون أحد مسببات هذه المشكلة، ومنها التعرض لحالات التوتر المستمر والقلق الدائم، نتيجة تطورات الحياة التي يكثر فيها المشاكل والضغوط، وكل يوم يكون هناك مفاجآت غير متوقعة ما يزيد من حالة التوتر والترقب والقلق.
وهذه الحياة المضطربة تؤثر على الحالة المزاجية بشكل كبير، وفي حالة تعرض الأشخاص الذين يتسمون بالحساسية، يكون وقع هذه الأحداث والقلق والتوتر كبيراً عليهم، وتصبح استجابة هؤلاء الأشخاص متطرفة بين المشاعر القوية والسلبية وبين مشاعر الفرحة، وفي وقت متقارب للغاية.
كما أن قلة النوم تمثل حالة منتشرة لدى الشخص المصاب بالتوتر، مما يزيد من حالة العصبية وتطرف الاستجابة للمشاعر، والبعض يعاني من بالخوف وعدم الشعور بالارتياح دون سبب واضح.
وتعتبر هذه الحالة السابقة هي مرض القلق العام، وهذه الحالة إذا استمرت ما يقرب من 5 أشهر متواصلة، مع الإصابة باضطراب النوم وتعكر المزاج، فيجب الذهاب إلى الطبيب لمعرفة أسباب هذه المشكلة.

خلل التوازن الكيميائي

ويصاب الشخص بمشكلة تقلب المزاج عند حدوث خلل في التوازن الكيميائي بالجسم، فغالباً ما يتأثر الدماغ بالناقلات العصبية كالدوبامين والسيروتونين وتحدث المشكلة، التي يصبح فيها الفرد متأرجحاً بين مشاعر الحزن والسرور والخوف والاطمئنان والاكتئاب والقلق.
ويسبب مرض اضطراب فرط النشاط وقلة الانتباه الإصابة بتقلبات المزاج، وهؤلاء المرضى يشعرون بالإحباط والغضب السريع وانقلاب المزاج في ثوانٍ، ويتسمون بالطباع الحادة وعدم الراحة والتهور وفقدان التركيز.
ويعاني بعض الأشخاص من اضطراب فرط النشاط دون أن يعلموا بهذه المشكلة لفترات طويلة من حياتهم، ويؤدي ذلك إلى ظهور المشاعر المتناقضة وفقدان المقدرة على التعامل مع المحيطين بسبب اضطراب المزاج.
كما أن الأشخاص الذين يعانون من مشكلة اضطراب الشخصية يصبحون غير قادرين على التحكم في المشاعر المختلفة، وسرعان ما يفقدون العلاقات الاجتماعية نتيجة خلل التعبير عن المشاعر الذي يظهر تجاه الآخرين.
وتكون مشكلة التقلبات المزاجية السريعة ناتجة عن أعراض الإصابة بمرض الخرف، بالإضافة إلى ضعف المقدرة على التفكير السليم، ويواجه الشخص صعوبات كبيرة في حياته العملية والخاصة.

ثنائي القطب

يسبب مرض ثنائي القطب حدوث حالة التقلبات المزاجية، وغالبا ما تكون بدرجة حادة وتستمر لمدة طويلة أكثر من الطبيعي، وفي الحالات العادية يشعر الشخص بالعظمة عندما يحقق أشياء كثيرة هامة، ويستمر هذا الإحساس لمدة 48 ساعة على الأكثر.
أما الأشخاص الذين يعانون من مرض ثنائي القطب، فيستمرون عدة أيام في حالة الزهو والاحتفال، ويتكلمون كثيرا وينامون قليلا، ويستمعون لأصوات تشبه حالة الهوس، وينفقون ببذخ شديد يصل إلى الإفلاس.
ويمكث أصحاب هذا المرض في البيت أو في غرفة النوم عندما تقابلهم بعض المشاكل، ويمكن أن يظلوا على هذه الحالة 5 أيام ولا يذهبون إلى الدراسة أو العمل، وبعضهم يتم الاستغناء عنه من العمل.
ويعتبر الاضطراب ثنائي القطب من الأمراض العقلية القابلة للعلاج، ويصيب أعداداً كبيرة من الأمريكيين يقدر بحوالي 4% من البالغين سنويا، ويحتاج إلى علاج قبل أن يتحول إلى مشكلة عميقة مثل الاكتئاب.
ويغلب على الأشخاص الذين يعانون من هذا المرض كثرة الطاقة والحركة والنشاط، وفي المقابل يكون هناك قلة ومعاناه في النوم، وينفقون بإسراف شديد، فهم ينتقلون من الشعور بالسعادة إلى الإحساس بالحزن ولا يستطيعون السيطرة على مشاعرهم وعواطفهم.

الاكتئاب والنظام الغذائي

وتظهر التقلبات المزاجية على الأشخاص الذين يعانون من مرض الاكتئاب، حيث يصابون بالحزن والإحباط ثم تتحسن حالتهم إلى السعادة والفرحة وهكذا، فمثلا المصاب بالاكتئاب يمكن أن يكون في حالة جيدة صباحا ثم ينتابه شعور سلبي في الليل، ولكن هؤلاء المرضى لا يصلون إلى درجة الهوس التي يشعر بها مريض ثنائي القطب.
ويحدث تقلب المزاج نتيجة النظام الغذائي غير الصحي، ويعد من أكثر المسببات انتشاراً لهذه المشكلة في مختلف الأعمار، وتؤدي الإصابة بأورام الدماغ أيضا إلى حدوث تقلبات في المزاج، سواء الأورام الحميدة أو الخبيثة.
ويصاب بعض الأشخاص بمرض اضطراب الشخصية الحدية، وهو من الأمراض العقلية، الذي يأتي بصورة مفاجئة وتظهر معه حالة التقلبات المزاجية، ومنها القلق والعصبية والغضب، أو الاكتئاب لدرجة القلق.
وكذلك تناول بعض الأدوية تسبب هذه المشكلة، فهناك بعض الأدوية تكون الآثار الجانبية لها هي حدوث تذبذب في المزاج، ومنها عقاقير الاكتئاب التي تغير توازن الكيمياء في الدماغ، بالإضافة إلى أن بعض الأدوية تحدث اضطراباً في إفراز الهرمونات، مثل علاج ضغط الدم والكولسترول، وهو ما يساعد على حدوث هذه التقلبات.
والإجهاد يؤدي إلى تقلب المزاج، لأن الهرمونات المسؤولة عن الإجهاد لها دور في حدوث هذه التغييرات المزاجية، ومنها هرمونات التوتر والقلق التي تغير كيمياء الدماغ.

الأدوية والنصائح

يجب الذهاب إلى الطبيب المختص عندما يشعر الشخص بأن التقلبات المزاجية تؤثر على الأنشطة اليومية وعلى علاقات الشخص بالآخرين، وسوف يحدد الأسباب التي أدت إلى هذه المشكلة، ثم يبدأ خطة علاج المسبب للتخلص من التقلبات المزاجية.
ويصف الطبيب بعض أدوية الاكتئاب والقلق للمساعدة في إفراز هرمون الإندروفين بكميات كافية وهو الهرمون الذي يساعد على جلب حالة السعادة والاستقرار المزاجي، وله دور في تحسين النوم، والعلاج المعرفي المجتمعي أيضا.
ينصح الطبيب ببعض الأساليب البسيطة التي تساهم في التخلص من هذه المشكلة ، ومنها الحفاظ على ممارسة التمارين الرياضية مثل المشي السريع، والاستماع إلى الموسيقى التي تجلب الأمل والتفاؤل وتقلل من التقلبات المزاجية.
ويحسن تناول الشاي الأخضر أو الأسود من حالة المزاج، ويفيد في التخلص من هذه التقلبات، ويساهم في منع التغييرات المفاجئة التي تصيب المزاج، وأيضا القرفة من الأعشاب المفيدة في هذه الحالة، لأنها تخلص الجسم من شدة التوتر وتحافظ على القدرات العقلية وتقضي على تقلبات المزاج.

تأثير الهرمونات

تشير دراسة حديثة إلى أن 34% من الرجال في سن 73 عاماً يعانون نقصا في هرمون التستوستيرون، وهو الهرمون الذي يؤدي إلى حدوث حالة من التقلبات المزاجية المختلفة، مع اضطرابات في النوم وومضات ساخنة.
تسبب الاضطرابات الهرمونية حدوث تقلبات المزاج، ولذلك يصنف المراهقين على أنهم متقلبي المزاج، وتظل الهرمونات عند الذكور في حالة مستقرة حتى بلوغ عمر الثلاثين، ثم تبدأ الهرمونات في التناقص ما يسبب حدوث تقلبات في المزاج.
وتوضح الدراسة أن السيدات يتعرضن إلى مشكلة التقلبات المزاجية الشديدة أثناء فترة انقطاع الطمث، نتيجة التغيرات الهرمونية التي تطرأ على الجسم، حيث يؤثر هرمون الأستروجين على إنتاج السيروتونين الذي ينظم حالة المزاج، إضافة أن نقص الأستروجين له دخل في التقلبات المزاجية.
وأيضا تصاب السيدات بالتقلبات المزاجية في أوقات معينة مثل الفترة التي تسبق الدورة الشهرية، وكذلك أثناء فترة الحمل، والتي يقل فيها معدل الأستروجين، وفي الأوقات التي تقل فيها ثقة المرأة بنفسها ولا تستطيع أداء وظائفها، يصيبها حالة من التقلبات المزاجية الحادة.
وكشفت دراسة سابقة أن الوجبات التي تعتمد على نظام عالي من الدهون يمكن أن تؤدي إلى حدوث مشاكل مستمرة في الأمعاء، وتقود إلى ظهور أعراض الاكتئاب، ومنها تقلبات المزاج الشديدة.

شاهد أيضاً