تتطلب التحقيقات المرتبطة بمكافحة غسل الأموال مستويات عالية من الدقة والكفاءة إلى جانب القدرة على التكيف مع المتغيرات في نظم الامتثال المالي التي تشهد بدورها تطوراً مستمراً. وبرز الذكاء الاصطناعي التوليدي كأداة تحويلية تعمل على تبسيط العمليات المعقّدة، وتعزيز قدرات العاملين في مجال التحقيقات المتصلة بمكافحة غسل الأموال. وتتولى مبادرة ساس المتخصصة التي تحمل اسم (SAS D[n]A Factory في الشرق الأوسط)، مهمة تطوير حلول مبتكرة لمساعدة المؤسسات المالية على الارتقاء بجهود مكافحة غسل الأموال إلى مستويات جديدة. وتستكشف حالات الاستخدام أربعة مجالات محورية يُمكن لتقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي أن تُحدث ثورة في عمليات مكافحة غسل الأموال، وهي: تحليل الحالات والتوصيات، وقدرات الاستعلام في قاعدة البيانات، ونظام الاستعلام عن اللوائح التنظيمية، وتحليل المستندات.
تبسيط تحليل الحالات والتوصيات
من بين أكثر المهام التي تستغرق وقتاً طويلاً في التحقيقات المتصلة بالجرائم المالية العمليات المتعلقة بصياغة السرديات التفصيلية حول تلك القضايا، ويتوافق مع متطلبات الجهات التنظيمية. ويمكن الاعتماد على الذكاء الاصطناعي التوليدي لأتمتة هذه العملية، حيث يقوم بتحليل بيانات المعاملات وملفات تعريف العملاء وغيرها من المعلومات الأساسية الأخرى لإنتاج مُلخصات واضحة وشاملة تتوافق مع المعايير التنظيمية.
وبالإضافة إلى الأتمتة، تُقدّم تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي توصيات ذكية للخطوات التالية، مثل رفض النتائج الإيجابية الخاطئة أو تصعيد الحالات. ومن شأن هذا النهج أن يُوفّر على المحققين الوقت الذي يقضونه في التوثيق اليدوي، وبهذه الطريقة يسمح لهم بالتركيز على اتخاذ القرارات الاستراتيجية. وفي الوقت نفسه، تتلقى الجهات التنظيمية تقارير دقيقة وعالية الجودة، وهذا يعني الحدّ من احتمالية إعادة التقارير التنظيمية للمراجعة أو التصحيح بسبب وجود أخطاء أو تناقضات، أو نقص في المعلومات، والمساعدة على بناء علاقات أقوى.
استعلامات اللغة الطبيعية: الوصول الفوري إلى البيانات
تقدم الحالة الثانية واجهة تشبه واجهة برنامج المحادثة الآلية، وتعمل على تبسيط تفاعلات قاعدة البيانات. ويُمكن لمحققي مكافحة غسل الأموال طرح أسئلة عادية باستخدام اللغة الطبيعية، مثل “ما هو إجمالي الإيرادات السنوية للعميل؟” أو “كم عدد التنبيهات التي تم إرسالها لهذا العميل خلال الأشهر الثلاثة الماضية؟”
وبناءً على تلك الأسئلة، تقوم برامج الذكاء الاصطناعي باسترجاع البيانات وتجميعها بكفاءة من نظام مكافحة غسل الأموال، كما تُقدّم إجابات موجزة وقابلة للقراءة من قبل الموظفين المسؤولين عن إدارة وتشغيل تلك البرامج. وتتيح هذه البرامج المساعدة المدعومة بالذكاء الاصطناعي للمحققين اتخاذ قرارات أسرع مدعومة بالبيانات، الأمر الذي يُسهم في تحسين أوقات الاستجابة في التحقيقات الحرجة.
الذكاء الاصطناعي يتعامل مع تعقيدات اللوائح التنظيمية
يُمثّل التعامل مع التعقيدات المتزايدة للأنظمة المالية تحدياً كبيراً لفرق الامتثال. ويعتمد نظام الاستعلام عن اللوائح التنظيمية على الذكاء الاصطناعي التوليدي لتبسيط الوصول إلى المعلومات القانونية المعقدة. ويُمكن للمحققين الاستعلام مباشرة عن القوانين واللوائح المحددة، وذلك من خلال تجميع اللوائح من مصادر متعددة، مثل الملفات بنسق PDF، والمواقع الإلكترونية، والبوابات الإلكترونية وجداول البيانات، وتكون جميعها في قاعدة بيانات مركزية.
ويقوم الذكاء الاصطناعي بترجمة اللغة القانونية المعقدة إلى إرشادات واضحة، مما يتيح للمحققين العثور بسرعة على السياسات والإجراءات ذات الصلة. ويُسهم ذلك في تقليل الوقت المستغرق في مراجعة المستندات التنظيمية المكثفة، مع ضمان الامتثال للقوانين المحلية والدولية.
التحليل الذكي للمستندات: كشف المخاطر
غالباً ما تحتوي البيانات غير المهيكلة داخل المستندات المرفقة بحالات مكافحة غسل الأموال على معلومات بالغة الأهمية. ويعتمد الذكاء الاصطناعي التوليدي على تقنية التعرف الضوئي على الأحرف، فضلاً عن نماذج ذكاء اصطناعي متخصصة لمسح هذه المستندات وتحليلها، مما يساعد في اكتشاف أي الحالات الشاذة أو التناقضات.
وفي حالة ادعاء عميل ما بأن الوديعة النقدية الكبيرة التي قام بتحويلها إلى حسابه ناتجة عن بيع عقار على سبيل المثال، يُمكن لتقنية الذكاء الاصطناعي مقارنة قيمة المعاملة بتفاصيل العقد، للتحقق من صحّتها. كما يمكن الاعتماد على التقنية ذاتها لفحص البيانات المالية للشركات بحثاً عن أي تناقضات، مما يساعد في رصد المؤشرات التحذيرية المحتملة لإجراء تحقيقات أعمق.
التأثير على عمليات مكافحة غسل الأموال
يعمل الذكاء الاصطناعي التوليدي على تعزيز كفاءة تحقيقات مكافحة غسل الأموال ورفع مستوى دقّتها بشكل كبير. وفي حالة المؤسسات المالية الكبيرة التي تقوم بإصدار آلاف التنبيهات شهرياً، يُمكن توظيف هذه الأدوات التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي، من أجل تبسيط سير العمل، وتقليل الجهد اليدوي. وعلى سبيل المثال، يقوم أحد البنوك السعودية الكبرى بمعالجة ما يقرب من 50 ألف تنبيه شهرياً، مما يؤدي إلى 2,750 تحقيقاً و130 تقريراً تنظيمياً. ومن خلال أتمتة إعداد الروايات واستخراج البيانات، يتمكن المحققون من توفير الوقت والموارد الثمينة، يُضاف إلى ذلك تحقيق تحسن ملحوظ جودة التقارير واتساقها بشكل كبير. وعلاوة على ذلك، يؤدي توافر الروايات الموثقة جيداً والمدعومة بالذكاء الاصطناعي إلى تعزيز العلاقات التنظيمية، مما يقلل من حالات رفض التقارير، كما يُعزز سمعة المؤسسات المالية من حيث امتثالها للنظم ذات الصلة.
مستقبل مكافحة غسل الأموال باستخدام الذكاء الاصطناعي
من شأن الذكاء الاصطناعي التوليدي أن يُحدث تحولاً جوهرياً في تحقيقات مكافحة غسل الأموال، وبالتالي تمكين فرق الامتثال من التعامل مع البيانات المعقدة بكفاءة ودقّة أكبر. وترفع هذه الأدوات المدعومة بالذكاء الاصطناعي من جودة التحقيقات في الجرائم المالية، بدءاً من تبسيط إعداد الروايات للحالات، إلى تسهيل الامتثال التنظيمي وصولاً إلى تعزيز تحليل المستندات. وعلاوة على ذلك، فإن هذه الأدوات لا توفر الوقت فحسب، بل تعزز أيضاً القدرات التحليلية للمحققين. وبالتوازي مع تطور اللوائح التنظيمية وزيادة تعقيد الجرائم المالية، سيصبح الاعتماد على الذكاء الاصطناعي التوليدي أمراً ضرورياً للبقاء في طليعة جهود مكافحة غسل الأموال والاحتيال المالي.