في ظل الانتشار المتزايد للألعاب الإلكترونية في حياة الأطفال، برزت لعبة Scary Teacher 3D كونها أحد التطبيقات الأكثر تحميلاً في السنوات الأخيرة، خاصة بين الفئة العمرية من 8 إلى 15 سنة، وتقدم اللعبة نفسها في إطار فكاهي مليء بالمقالب، لكنها في جوهرها تقوم على تنفيذ سلسلة من «المهام الانتقامية» من معلمة شريرة داخل منزلها، ورغم أن البعض قد يراها مجرد تسلية افتراضية، يحذر تربويون واختصاصيون نفسيون من تأثيراتها السلبية العميقة في سلوكيات الأطفال وقيمهم التعليمية والاجتماعية، وتحريضهم على عمل مقالب انتقامية في المعلمين
Scary Teacher هي لعبة ثلاثية الأبعاد، تدور فكرتها حول تلميذ يسعى للانتقام من معلمته السابقة التي أساءت إليه، من خلال التسلل إلى منزلها وتنفيذ مجموعة من المقالب المؤذية، مثل تخريب أثاث المنزل، أو تفجير أشياء، أو سكب السوائل اللزجة، وتجسد اللعبة المعلمة شخصية ضخمة ذات ملامح مخيفة، تتحدث بصوت غليظ، وتصدر صرخات غاضبة عند اكتشاف المقالب.
ورغم أن الرسومات كرتونية، فإن تفاصيل اللعبة تعتمد على عناصر من الرعب الكوميدي، ومنها الموسيقى المقلقة ومشاهد المطاردة، ما يجعل التجربة شديدة الحماس لدى الأطفال، ولكنها محفوفة بالأخطار النفسية والسلوكية.
تدمير صورة المعلم
وحذرت الاختصاصية التربوية والنفسية ميساء عبدالله من التأثيرات السلوكية طويلة المدى لمثل هذه الألعاب، مؤكدة أن الطفل في مراحل عمرية مبكرة لا يميز بين الواقع والافتراض
وما يترتب عليه أن المحتوى العدواني في Scary Teacher يمكن أن يتحول إلى سلوك يومي مع الأقران والمعلمين.
وأشارت إلى أن تجسيد المعلم في صورة مرعبة وعدوانية يشكل خطراً على العلاقة بين الطالب والمعلم، إذ يعيد تشكيل صورة المعلم في ذهن الطفل خصماً أو عدواً، بدلاً من كونه قدوة ومصدراً للمعرفة.
وقالت: إن من أخطر ما في اللعبة أنها تقدم المتعة المرتبطة بإلحاق الأذى بالآخر، ما يضعف من قيم التعاطف والاحترام لدى الأطفال.
وترى فاطمة الظنحاني، اختصاصية نفسية، أن اللعبة تتجاوز حدود الترفيه البريء، لتسهم في ترسيخ سلوكيات استهزائية وتنمرية مغلفة بطابع فكاهي، وقالت: إن كثيراً من الأطفال باتوا يعبرون عن مشاعر الغضب أو الإحباط من معلميهم بتقليد مشاهد من اللعبة، مثل إطلاق النكات على المدرسين أو رسم وجوه كرتونية لهم على دفاترهم.
وأكدت أن تكرار هذا النوع من المحتوى قد يؤدي إلى انخفاض في تقدير الطفل للسلطة التعليمية، وأن الطفل الذي يستمتع بإذلال شخصية افتراضية قد لا يدرك حدود المزاح في الواقع، ما يؤدي إلى مواقف مؤذية مع زملائه أو معلميه
وحذرت الظنحاني من أن اللعبة قد تثير القلق لدى بعض الأطفال، خاصة مع الأصوات المفاجئة والمطاردات، وهو ما قد يسبب لهم الكوابيس أو مشاعر التوتر الليلي، مؤكدة ضرورة ملاحظة الأهل لأي تغيرات نفسية بعد استخدام اللعبة.
صورة مشوهة للمعلم
وأكدت التربوية ياسمين زهرة أن أكثر ما يثير القلق في اللعبة هو تقديم شخصية المعلم في هيئة مخلوق شرير ومضحك في آن. وقالت: إن هذا النموذج يرسخ في ذهن الطالب أن المعلم هو العقبة التي يجب تجاوزها، أو الشخصية التي تستحق المقالب والسخرية، وليس الشخص الذي يرافقه في رحلة التعلم.
وترى ياسمين زهرة أن الأطفال الذين يلعبون Scary Teacher بانتظام قد يطورون نظرة هجومية نحو البيئة المدرسية، ويرفضون الالتزام أو احترام النظام، لأن اللعبة تجعل من كسر القواعد مدعاة للفخر والمغامرة.
وتضيف: إن هذه النظرة قد لا تظهر على الفور، لكنها تتشكل تدريجياً في لاوعي الطفل، وتؤثر في سلوكه العام بالمدرسة.
وشددت على أن الألعاب التعليمية يجب أن تحفز الفضول والتعاون، لا العنف والانتقام، مشيرة إلى أهمية أن تتحول الرقابة على الألعاب من رد فعل إلى ثقافة دائمة داخل الأسرة.
تأثيرات لغوية وسلوكية
ولفتت التربوية رانيا محمد إلى أن اللعبة تحتوي على مفردات وسيناريوهات قد تُقلد من قبل الأطفال في حديثهم اليومي، سواء باللغة العربية أو الإنجليزية، ما يسهم في إدخال مفردات عنيفة أو ساخرة إلى قاموسهم اللغوي.
وأكدت أن بعض الأطفال باتوا يستخدمون عبارات من اللعبة عند الحديث عن معلميهم، مثل المدرسة الشريرة أو ننتقم منها، وهذه المصطلحات، وإن بدت في إطار المزاح، تعكس خللاً في العلاقة التربوية، وتستوجب تدخلاً عاجلاً من المعلمين وأولياء الأمور.
وترى المتحدثة أن المشكلة لا تكمن فقط في Scary Teacher، بل في سلسلة من الألعاب التي تقدم البطل في صورة المتمرد المنتصر، فيما تُجسد السلطة في صورة العدو، ما يستدعي مراجعة شاملة لمحتوى التطبيقات الأكثر شيوعاً بين الطلبة.
وقالت الدكتورة مروة علي مهيأ، رئيس قسم المواد الوزارية في مدرسة أكسفورد: «بعيداً عن المحتوى التربوي، فإن Scary Teacher تُعرض بشكل مجاني عبر المتاجر الإلكترونية، ولكنها مليئة بالإعلانات التجارية والمشتريات داخل التطبيق وهذه الإعلانات قد تحتوي على ألعاب عنف أو محتوى لا يتناسب والفئة العمرية المستهدفة، بل قد تؤدي إلى تحميل ألعاب أخرى دون علم الوالدين، كما أن المشتريات داخل اللعبة قد تدفع الطفل للضغط على أيقونات الدفع دون وعي بقيمة المال، وهو ما تسبب، بحسب تقارير إعلامية، في شكاوى من أولياء أمور حول فواتير مرتفعة بسبب نقرات طفولية غير مدروسة.
وأشارت إلى أن الطلاب الذين يدمنون مثل هذه الألعاب، يظهر عليهم لاحقاً الميل إلى العنف في الحوارات، أو عدم الانضباط، أو حتى السخرية من المعلمين خلال الحصص الدراسية.
وترى أن الأطفال بطبيعتهم يبحثون عن قصص الأبطال والمغامرات، لكن الخطورة تكمن في جعل البطل هو من يعتدي أو يخرب أو يسخر من الآخرين، لذا فإن تقديم ألعاب بديلة، تحفز الإبداع وتزرع قيم التعاون والتسامح، هو البديل الحقيقي الذي يمكن أن يوازن هذا التيار المتصاعد من الألعاب السلبية.
وتوصي بدمج الألعاب الإلكترونية التربوية ضمن الخطط الدراسية، بحيث لا يظل الطفل فريسة لما يُعرض في المتاجر الإلكترونية فقط، بل يجد بيئة تعليمية رقمية صحية وآمنة.
الوعي الأسري
ويرى التربوي الدكتور أيمن النقيب أن الرقابة التقنية على ما يتعرض له الأبناء من محتوى إلكتروني، مهما بلغت دقتها، لا تكفي وحدها لضمان حمايتهم.
فالممنوع قد يتحول في نظر الطفل إلى تحدٍّ مغرٍ، في حين أن المحتوى الذي يخضع للنقاش والفهم، يصبح أكثر قابلية للقبول والالتزام.
وأكد النقيب أن بناء الثقة بين الوالدين وأبنائهم، وفتح حوار مفتوح وصريح حول ما يشاهدونه أو يلعبونه، هو الأساس لتوجيه اهتماماتهم بالاتجاه الصحيح.
فالنقاش المستمر يكشف دوافع الطفل ويفتح أمامه فرصاً لاختيار بدائل مفيدة، بدل الانجراف وراء محتوى سلبي قد يؤثر في سلوكه أو قيمه.
البيان