أكد خبراء ومتخصصون في مجالي الصحة والتكنولوجيا، شاركوا في ندوة علمية موسعة، نظمها مركز تريندز للبحوث والاستشارات، أن الذكاء الاصطناعي أصبح يؤدي دوراً محورياً في مجال الرعاية الصحية بمختلف جوانبها، ولكن هذا الدور لا يؤشر إلى استبدال الأطباء بالروبوتات، بل ستكون عاملاً مساعداً لا غنى عنه بالقطاع الطبي في المستقبل القريب، موضحين أن تقنيات الذكاء الاصطناعي باتت تُستخدم فعلياً في تشخيص الأمراض وتحليل الأورام والأشعة، مما يجعلها جزءاً قائماً في منظومة الرعاية الصحية، وليست مجرد نقاشات مستقبلية خيالية.
وأشاروا إلى أهمية نشر الوعي حول التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي بين المجتمعات العربية، لضمان فهم أعمق واستفادة أوسع من هذه التقنيات، إذ إنها تقلل الكلفة العلاجية، وتسهم في إدارة الموارد البشرية بكفاءة عالية، وترفع الكفاءة والإنتاجية، وتحسن بيئة البحث والابتكار، متطرقين إلى مجموعة من التحديات التي تواجه استخدامات الذكاء الاصطناعي في المجال الصحي، منها، ضمان الخصوصية والأمان، والبنية التحتية التكنولوجية العالية، وعملية التنظيم والقوانين والسياسات التي تحكم استخدام هذه التقنيات.
وجاءت الندوة، التي أدارتها مريم الجنيبي، الباحثة في «تريندز»، تحت عنوان «دور الذكاء الاصطناعي في تحسين جودة الرعاية الصحية.. الآفاق المستخلصة من نتائج استطلاع الرأي»، وعقدها «تريندز» بالتعاون مع عدد من الشركاء الاستراتيجيين منهم، هيئة الصحة – دبي، ومكتبة الإسكندرية، ومركز الحسين للسرطان بالأردن، وشركة محرم وشركاه للسياسات العامة والاتصال الاستراتيجي.
تقنيات متقدمة
وقالت مريم الجنيبي، مديرة الندوة والباحثة في «تريندز»، إن العالم شهد في الأعوام الأخيرة تطورات هائلة في مجال الذكاء الاصطناعي، وانتشرت تطبيقاته في مختلف المجالات، ولكن يظل القطاع الصحي من أكثر القطاعات التي يمكن أن تستفيد من هذه التقنيات المتقدمة، مبينة أن «تريندز» واكب تطورات الذكاء الاصطناعي باستطلاع يقيس آراء النخبة حول «دور الذكاء الاصطناعي في تحسين الرعاية الصحية»، مضيفة أن الندوة تناقش مع خبراء في مجالي الصحة والتكنولوجيا، نتائج هذا الاستطلاع، وكيفية استخدام التقنيات الحديثة لتطوير المجال الصحي.
واستهل مناقشات الندوة، سلطان ماجد، نائب رئيس قطاع «تريندز دبي»، ومدير إدارة الباروميتر العالمي، بكلمة رئيسية، قال فيها، إن الذكاء الاصطناعي أصبح محور اهتمام كبير في السنوات الأخيرة، حيث تشير الإحصاءات إلى أن 39% من الأشخاص لديهم اهتمام عام بدور الذكاء الاصطناعي في تحسين الرعاية الصحية، ومع ذلك، فإن أكثر من نصفهم يعتقدون أنه من غير الضروري استخدام الذكاء الاصطناعي في هذا المجال الحيوي.
وأوضح، أن جميع هذه الأرقام مبنية على استطلاع نخبوي أجراه «تريندز»، وجاءت هذه الندوة لسبر أغوار الذكاء الاصطناعي، وفهم دوره الفعلي في تحسين خدمات الرعاية الصحية، حيث ينصب النقاش حول الفوائد والتحديات المرتبطة بتطبيق تقنيات الذكاء الاصطناعي في هذا القطاع الحيوي.
تدريب موجه ومستدام
بدورها، أكدت الدكتورة سهام المريّض، أستاذة علم الأوبئة والصحة العامة في الجامعة الأمريكية بالقاهرة، أن نتائج استطلاع الرأي الذي أجراه «تريندز»، كشفت عن أن 4% من المشاركين يعملون في القطاع الصحي، و5% لديهم معرفة بالتعليم الصحي، ولكن كان من المدهش أن 10% فقط من المشاركين على دراية بتقنيات الذكاء الاصطناعي في المجال الصحي، وأدرك 14% فقط أهمية الهجمات الإلكترونية، رغم أنها التحدي الأكبر في هذا المجال.
وأشارت المريّض إلى أن استراتيجيات التدريب والتأهيل للعاملين في المجال الصحي للتعامل مع تقنيات الذكاء الاصطناعي يجب أن تعتمد على ورش العمل والبرامج التدريبية الموجهة والمستدامة، لنستطيع من خلالها تعزيز قدرات أطقم الرعاية الصحية للتفاعل مع الأنظمة المبتكرة، كما نحتاج في الوطن العربي إلى اعتماد منهجية التعليم التكاملي، بحيث يتم دمج الذكاء الاصطناعي في العملية التعليمية.
الروبوت عامل أساسي
من جانبه، ذكر الدكتور إياد سلطان، مسؤول مكتب الذكاء الاصطناعي والابتكارات المعلوماتية في مركز الحسين للسرطان – الأردن، أن نتائج استطلاع رأي «تريندز» حول «دور الذكاء الاصطناعي في تحسين الرعاية الصحية»، كانت صادمة بالنسبة له، لأن أكثر من 70% من المستطلعة آراؤهم شباب ولا تزيد أعمارهم على 45 عاماً، ولكنهم غير مطلعين على تقنيات الذكاء الاصطناعي.
وأوضح سلطان أنه لا يمكن إخفاء دور الذكاء الاصطناعي في تشخيص الأمراض وتحليل الفحوصات والأشعة والتقارير، فهو أساسي وسيتسلل شيئاً فشيئاً إلى الممارسة الطبية بشكل عام، ولكن هذا لا يعني استبدال الأطباء بالروبوتات، بل سيكون عاملاً أساسياً لا غنى عنه بالقطاع الطبي في المستقبل القريب، كما سيسهم في تحسين حياة الأطباء والمرضى.
مخاوف الهجمات الإلكترونية
أما الدكتور أحمد سمير، رئيس قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في مكتبة الإسكندرية، فعزى تردد الجمهور من تبني تقنيات الذكاء الاصطناعي إلى مخاوفهم من الهجمات الإلكترونية التي قد تسرب معلومات شخصية عن المرضى، ولكن بعض المخاوف الأخرى قد تكون متأثرة بما تعرضه وسائل الإعلام وما تتضمنه أفلام الخيال العلمي، التي تصور الذكاء الاصطناعي كقوة تغزو العالم وتحل محل العقل البشري.
ويرى أن واقع الذكاء الاصطناعي مختلف تماماً عن هذه التصورات، حيث تستخدم تقنياته في المجالات الطبية لتحليل البيانات الكبيرة بدقة وسرعة تفوق القدرات البشرية، وهذه التقنيات تُستخدم فعلياً في تحليل الأورام والأشعة وغيرها، مما يجعلها جزءاً من الرعاية الصحية الحالية، وليست مجرد نقاشات مستقبلية خيالية.
نشر الوعي التكنولوجي
من جهتها، أكدت الدكتورة سمر صبيح، نائبة الرئيس لقطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في شركة محرم وشركاه للسياسات العامة والاتصال الاستراتيجي، أن استطلاع الرأي الذي أجراه «تريندز» حول «دور الذكاء الاصطناعي في تحسين الرعاية الصحية»، يحيلنا إلى أهمية نشر الوعي حول التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي بين المجتمعات العربية، لضمان فهم أعمق واستفادة أوسع من هذه التقنيات.
وذكرت، أن العالم بحاجة إلى سياسات واستراتيجيات محددة لاستخدامات الذكاء الاصطناعي في الأجهزة والمجالات الطبية، مع مراعاة عامل الثقة والجوانب الأخلاقية والأمنية، وذلك لضمان نجاح وتكامل الذكاء الاصطناعي في الحياة اليومية، ولتعزيز الثقة والقبول المجتمعي لها.
فرص وتحديات
وفي السياق ذاته، أوضح الدكتور حامد يحيى، استشاري البحوث والدراسات وتحليل البيانات في هيئة الصحة – دبي، أن هناك فرصاً واعدة سيوفرها الذكاء الاصطناعي في مجال الرعاية الصحية، ومنها، زيادة قدرة تشخيص الأمراض، وتقليل الكلفة العلاجية، وإدارة الموارد البشرية بكفاءة عالية، وإدارة الموارد التقنية، وتخفيف العبء عن مقدمي الرعاية الأولية، إلى جانب زيادة الكفاءة والإنتاجية، وتحسين بيئة البحث والابتكار، والتنبؤ بالاتجاهات الصحية المستقبلية، وتحليل البيانات الضخمة، وتعزيز التعليم والتدريب والتقييم.
وحول التحديات التي تواجه استخدامات الذكاء الاصطناعي في المجال الصحي، أكد يحيى أنها تتنوع بين «الخصوصية، وإيجاد بنية تحتية تكنولوجية عالية، وتوفر استثمارات مالية كبيرة، والتكامل والمواءمة بين ما هو موجود من تكنولوجيا صحية وتقنيات الذكاء الاصطناعي، وعملية التنظيم والقوانين والسياسات التي تحكم استخدام هذه التقنيات».