الجمعة، ١٨ نوفمبر ٢٠٢٢ – ١١:١٧ ص
.. من علي سالم.
العين في 18 نوفمبر/ وام/ يعد “الطين” من أكثر مواد البناء استخداما منذ القرون الماضية حتى يومنا الحالي حيث يعيش ويعمل 3 مليارات شخص تقريبا منتشرين في ست قارات حول العالم في مباني طينية ولطالما استخدمت هذه المادة في البناء في معظم بلدان العالم.
واستخدمت المباني الطينية عبر التاريخ كبيوت سكنية وقلاع ومبان حكومية وهناك مدن بأكملها مبنية من الطين ومن الشعوب التي استخدمتها الفراعنة المصريين والأباطرة الرومان وملوك المايا وغيرهم إضافة إلى سور الصين العظيم الذي بدأ تشييده في القرن الخامس قبل الميلاد وتم بناؤه بالطين المضغوط على امتداد آلاف الكيلومترات وهناك قصر الحمراء في إسبانيا وهو عبارة عن حصن تم تشييده في القرن الثالث عشر بعد الميلاد، ويعتبر نموذجا آخر للأبنية الشهيرة المصنوعة من الطين المضغوط، كما تم بناء مدينة بأكملها وهي”تشان تشان” في البيرو خلال الحقبة ما قبل الكولومبية ما بين الأعوام 1150 و 1450 ميلاديا، باستخدام الطوب الطيني.
ويرجع تنوع العمارة الطينية لظروف مناخية متعددة وعوامل اجتماعية وثقافية وتاريخ غني بممارسات معمارية طينية معتمدة في مختلف بقاع العالم وخير دليل على متانة هذه المادة وقدرتها على الصمود هو العدد الهائل من الأبنية الترابية التاريخية التي لا تزال قائمة حتى يومنا هذا.
وقال طارق جمعة البلوشي مسؤول خدمة الزوار بقلعة الجاهلي في دائرة الثقافة والسياحة في أبوظبي إن هناك تشكيلة من الأبنية الطينية المنتشرة حول العالم والتي تظهر التنوع الرائع الذي تتسم به العمارة الطينية التقليدية ففي دولة الإمارات عثر في منطقة هيلي في مدينة العين على مجموعة من أقدم المباني الطينية التي يعود تاريخها إلى العصر البرونزي حيث عثر فيها على ما يعتقد أنها مستوطنات لها هياكل دائرية الشكل تعود لفترة أم النار (2500-2000 ق.م) .
وأوضح أن ما يميز العصر الحديدي في العين هو الازدهار الذي شهدته النشاطات الزراعية والصناعية، وتوسع رقعة المنطقة السكنية، وقد وجدت بيوت طينية في بعض القرى الصغيرة في منطقة هيلي والرميلة، في حين قدمت الحفريات التي أجريت مؤخرا تحت مركز القطارة للفنون دليلا دامغا على وجود نشاطات زراعية وصناعية تعود للعصر الحديدي كما كشفت التنقيبات الأثرية التي أجريت في العين خلال السنوات الأخيرة عن عدد كبير من المباني الطينية التي يعود تاريخها إلى الفترة الإسلامية المبكرة.
و قال إن المشهد المعماري في العين في الفترة من 1800-1650 ميلادية هيمن عليه أسلوب بناء البيوت البرجية الشكل، حيث كان يتم بناء برج من ثلاث طبقات في إحدى زاويا الفناء و كان يحاط بسور كبير، وتقدم هذه الفترة أول دليل أثري يشير إلى زراعة النخيل في العين ونشوء الواحات الموجودة حاليا .. مشيرا إلى أن واحات العين شهدت خلال النصف الأول من القرن التاسع عشر بروز توجه كبير لبناء القلاع وأبراج المراقبة حيث بنيت هذه المباني باستخدام المواد المتوفرة في البيئة المحلية كالتراب وسعف النخيل، و يعود بناء برج المراقبة في قلعة الجاهلي إلى تلك الحقبة الزمنية وقد استفادت أساليب العمارة التقليدية في العين من الخصائص الحرارية التي تتميز بها الجدران الطينية السميكة بفتحاتها الصغيرة المحدودة للإضاءة والتهوية، فضلا عن الأرضيات والجدران الطينية، وجرى الاعتماد على جذوع أشجار النخيل وغيرها من الأشجار المحلية في الأسقف والعتبات كما استخدم الطين المحروق (الصاروج) المقاوم للماء، عند الضرورة.
وبين طارق البلوشي أن المباني الطينية في مدينة العين تتجاوز حوالي 100 مبنى متعدد الاستخدامات وأن مادة الطين المستخدمة في البناء يتم استخراجها قديما من تربة واحات ومزارع العين وأوديتها وإضافة بعض المواد الطبيعية مثل القش “التبن” إضافة إلى بعض القواقع البحرية الموجودة في أودية العين هذه المواد مجتمعة تساعد في الحفاظ على ديمومة مادة الطين وتمنحه كثافة معينة و خاصية امتصاص المياه في حالة الأمطار .. مشيرا إلى أن الطين يعتبر عازلا طبيعيا فهو في الشتاء دافئ و في الصيف بارد.
وذكر أن رواج عمليات البناء بالطين أخد في الانحسار مع منتصف القرن العشرين بسبب تطور مواد البناء الصناعية مثل الحديد والصلب والإسمنت وظل الاهتمام بأساليب البناء بالطين ضعيفا حتى نهاية القرن العشرين حيث أن الوعي المتزايد بقضايا العمارة المستدامة خلال الأربعين سنة الماضية أدى إلى إعادة إحياء الاهتمام بتقنيات البناء بالطين وأصبح البناء الطيني خيارا اقتصاديا ومستداما مهما بالنسبة للمجتمع الدولي الأخذ في التوسع والتنامي وأصبح كذلك تعبيرا للهوية الخاصة بالثقافات المعمارية.
وأشار البلوشي إلى أن دائرة الثقافة والسياحة في أبوظبي تحرص على الحفاظ على التراث الثقافي المحلي الذي تزخر به الإمارة خاصة العمارة الطينية من خلال إحياء الاهتمام بتقنيات البناء بالطين أثناء عملية الترميم التي تقوم بها للحفاظ على المباني الطينية في مدينة العين كقلعة الجاهلي حيث تم الاعتماد على مواد تقليدية إلى جانب التقنيات الحديثة المبتكرة للتحكم في المناخ الداخلي، حيث تعمل شبكة أنابيب المياه المبردة الممتدة على طول جميع أسطح الجدران على تبريد المبنى ليحتفظ بدرجة حرارة أقل بكثير من حرارة مدينة العين التي قد تصل إلى 50 درجة مئوية في فصل الصيف، وهذه التقنية تعمل على ضمان استخدام المبنى على مدار السنة وهو ما يسهم في إبقائه في حالة جيدة.. لافتا إلى أن هذه الجهود المبذولة في الحفاظ على هذا المبنى وتطويرها تؤكد على أهمية المباني الطينية في التراث المعماري في الدولة.
وأكد أنه تم إعادة استخدام نحو 90% من المادة الطينية الأصلية لقلعة الجاهلي و تم ترميم قوالب طينية تاريخية يرجع بعضها إلى القرن التاسع عشر، بينما تم نقع الملاط والجص واستخدامهما كمواد بناء .. مشيرا إلى أن استخدام هذه الخصائص الصديقة للبيئة والقابلة لإعادة التدوير للمواد المستخدمة تقليديا في مباني العين التراثية ساهمت في حصول الدائرة على جائزة تيرا 2016 العالمية المرموقة في المؤتمر العالمي الثاني عشر للهندسة المعمارية الطينية.
دينا عمر