في خضم الحرب الباردة، احتضنت مدينة جنيف السويسرية سنة 1954 مؤتمرا لتحديد مستقبل مناطق المستعمرة الفرنسية بالهند الصينية وشبه الجزيرة الكورية، التي عاشت طيلة أكثر من 3 سنوات على وقع حرب طاحنة، أسفرت عن سقوط ملايين القتلى.
وأثناء هذا المؤتمر، تسابق المعسكران الشرقي والغربي لضمان مصالحهما بالمنطقة. وبينما ناقش دبلوماسيون أميركيون وسوفيت وكوريون، شماليون وجنوبيون، وصينيون الأزمة الكورية، اتجه آخرون من فرنسا وفيتنام والصين الشعبية والولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا والاتحاد السوفيتي للتفاوض حول مستقبل الهند الصينية الفرنسية.
فيتنام على طاولة المفاوضات
ما بين يومي 26 نيسان/أبريل و20 تموز/يوليو 1954، أقبل ممثلون عن القوى العالمية الكبرى على مدينة جنيف السويسرية لمناقشة العديد من المسائل العالقة بآسيا. وإضافة للحرب الكورية، مثل القتال الدامي بين قوات الاحتلال الفرنسي والقوميين الفيتناميين، بقيادة الشيوعي هو تشي منه (Ho Chi Minh)، أحد أهم المسائل التي وضعت على طاولة المفاوضات. إلى ذلك، أرهقت قضية هذه المنطقة السلطات الفرنسية التي عانت من التبعات السياسية والاقتصادية.
صورة لهو تشي منه
صورة لهو تشي منه رفقة عدد من جنود ألمانيا الشرقية
صورة لماو تسي تونغ
صورة لجنود من فيتنام الشمالية
جانت من أحد اجتماعات مؤتمر جنيف 1954
فمع إنهاء الاستعمار الأجنبي بآسيا عقب الحرب العالمية الثانية، منحت فرنسا الاستقلال لكل من كمبوديا ولاوس واتجهت في المقابل للبقاء بفيتنام، التي انتفضت منذ العام 1946 ضد تواصل وجود القوات الفرنسية على أراضيها.
وأثناء هذه الفترة، دعمت الولايات المتحدة الأميركية فرنسا ضد قوات هو تشي منه لمواجهة إمكانية توسع التيار الشيوعي بآسيا في حال انتصار الأخير وهيمنته على فيتنام. ومع هزيمة الفرنسيين بمعركة ديان بيان فو (Dien Bien Phu) ورفض الأميركيين لطلب فرنسي بالتدخل بشكل مباشر بفيتنام، اتجهت فرنسا لوضع مسألة فيتنام على أجندة مؤتمر جنيف.
دعم أميركي
وقد انطلقت المحادثات حول مسألة فيتنام عقب خسارة الفرنسيين لقاعدة ديان بيان فو، تزامناً مع مقتل نحو ألفين من قواتهم ووقوع 10 آلاف آخرين في الأسر. وخلال شهر تموز/يوليو 1954، اعتمد اتفاق جنيف رسميا. ومع فشله في إصدار قرارات حول الحرب الكورية، نجح مؤتمر جنيف في تحديد مستقبل منطقة الهند الصينية، حيث وافقت فرنسا على سحب جميع قواتها من شمال فيتنام. أيضا، وافق المجتمعون على تقسيم فيتنام، عند مستوى خط عرض 17 شمالا، لدولتين شمالية وجنوبية والتحضير لانتخابات، بعد عامين، لتحديد رئيس للبلاد وتوحيدها.
بجنيف، وقّع هو تشي منه، مكرها، على الاتفاقية مؤكداً على سرقة ثمار النصر منه. أيضا، رفضت الحكومة بجنوب فيتنام، المدعومة من فرنسا، بنود اتفاقية جنيف واعتبرتها مشينة. ومن جهة أخرى، رفض الأميركيون ما صدر عن مؤتمر جنيف واعتبروه فضيحة وكارثة شيوعية بالمنطقة تزامناً مع تيقنهم بفوز هو تشي منه بالانتخابات التي ستعقد بعد عامين.
وأمام هذا الوضع، اتجه الأميركيون لدعم ظهور حكومة مناهضة للشيوعيين بجنوب فيتنام. ومع حصول نغو دينه ديم على الرئاسة، وافق الأميركيون على دعم فيتنام الجنوبية عسكريا واقتصاديا، تزامنا مع رفض الأخيرة لفكرة الانتخابات عام 1956 وبداية الاضطرابات التي أسفرت عن اندلاع حرب فيتنام.