هل تتحالف موسكو مع واشنطن وتل أبيب عسكرياً ضد طهران بسوريا؟

رغم اتساع نطاق الخلافات الروسية- الإيرانية في سوريا، إلا أنه من غير المتوقع أن تُقدم روسيا على التعاون العسكري مع الولايات المتحدة ضد إيران، خاصة وأن الأولى لا تزال تعتبر واشنطن مصدر التهديد الأول لنفوذها بسوريا، كما أن رصيد عدم الثقة لدى روسيا مع خصومها، وعلى رأسهم الولايات المتحدة، لا يرجح حدوث ذلك، فضلاً عن أن موسكو لم تستنفد بعد أوراق الضغط غير العسكرية التي تملكها ضد طهران لدفعها إلى التماهي مع أهدافها في سوريا، إلى جانب أن رؤيتها في التعامل مع الحضور الأجنبي في سوريا تتمثل في الحرص على أن يكون خروج القوات الأجنبية، وفي مقدمتها القوات الأمريكية، من سوريا جماعياً.

تحركات لافتة:

أشارت تقارير عديدة نشرت في الفترة الأخيرة إلى تحركات عسكرية أمريكية- روسية في شرق سوريا، توازت مع الغارات الإسرائيلية على المواقع الإيرانية، بهدف قطع الممر البري الاستراتيجي بين طهران وبيروت مروراً ببغداد ودمشق، والذي تستخدمه إيران لنقل ذخيرة وسلاح إلى حلفائها، خاصة إلى حزب الله اللبناني.

ورغم ذلك، يبدو أن فرضية التعاون العسكري الأمريكي- الروسي ضد الحضور العسكري الإيراني في الساحة السورية محل شك، وأن احتمال قبول موسكو التحالف مع واشنطن تحديداً لتحقيق هذا الهدف مستبعد، وذلك بغض النظر عن حقيقة وجود تباينات كبيرة بين الجانبين الإيراني والروسي في الوقت الحالي.

وفي هذا السياق، زعم المرصد السوري لحقوق الإنسان، في تقرير له في 13 مايو الجاري، أن هناك تحركات عسكرية على الأرض تهدف إلى قطع طريق طهران- بيروت، تقوم بها قوات روسية وقوات من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، وتدعمها الهجمات التي تشنها إسرائيل، وأشار إلى أن العمل يجري على محورين رئيسيين هما:

1- شن عمليات عسكرية ضد طهران في البادية: كشف المرصد أن “قوات سوريا الديمقراطية” وصلت إلى توافق مع “قوات مغاوير الثورة” و”قوات النخبة” على شن عمليات عسكرية ضد القوات الإيرانية والميليشيات الموالية لها، مع التقدم تحت إطار محاربة تنظيم “داعش” في البادية.

2- تدخل موسكو لإقناع طهران بالخروج من البادية: أشار المرصد إلى أن النتائج التي سوف تنتهي إليها العملية العسكرية سوف تعتمد في المقام الأول على مدى نجاح أو فشل روسيا في إقناع إيران بسحب قواتها من البادية، على أن يتم وضع قوات موالية لروسيا محل القوات الإيرانية، بحيث تكون هذه القوات عشائرية ومن مقاتلي المصالحة والتسوية.

عقبات عديدة:

لكن ثمة عقبات عديدة قد تحول دون تنفيذ مثل هذا السيناريو ويتمثل أبرزها في:

1- الخلافات الأمريكية-الروسية: رغم الحرص الروسي على بقاء التنسيق مع الولايات المتحدة في سوريا، إلا أن التقييم الروسي بشأن الوجود العسكري الأمريكي في سوريا لا يزال يعتبره مصدر تهديد للمصالح الروسية وأن ذلك يستوجب مواجهة هذا التهديد بشتى السبل الممكنة. والجدير بالذكر أنه بجانب الاحتكاكات العسكرية الروسية للولايات المتحدة في سوريا والتي كانت آخر مظاهرها محاولة الجيش الروسي مزاحمة الجيش الأمريكي شمال شرق سوريا وهى مناطق النفوذ التقليدية لواشنطن في سوريا، وجهت موسكو اتهامات لواشنطن بالتقصير في حماية مناطق السيطرة الأمريكية شمال شرق سوريا من فيروس “كورونا”.

2- عدم الثقة في نوايا الخصوم: لا تبدي موسكو ثقة في نوايا الأطراف المنخرطة في الأزمة السورية خاصةً واشنطن التي تراها موسكو مراوغة في جميع تحركاتها في سوريا، كما أن موسكو تُدرك أن حسابات واشنطن وحلفائها في الساحة السورية تتسم بالارتباك، وأنه من غير المقبول أن تتورط في حسابات مرتبكة، خاصةً وأنها الفاعل الأول في الساحة السورية.

3- امتلاك أوراق ضغط غير عسكرية ضد طهران: يبدو من خلال متابعة مُجمل تفاعلات روسيا مع إيران في سوريا، باعتبارهما، بجانب تركيا، الدول المؤسسة لما يُعرف بمسارى سوتشي والأستانة لتسوية الأزمة السورية، أن هناك تراجعاً ملحوظاً في درجة التنسيق والثقة بين موسكو وطهران، حيث لم تعد الأولى ترغب في أن يظل للثانية ما لها من تأثير في المعادلة السورية، ويتضح ذلك من تزايد حجم التباينات بين الطرفين في سوريا. ويكمن الدافع الرئيسي لهذه التباينات في وجود تنافس اقتصادي بينهما، خاصةً بعدما كشفت مؤشرات عدة خلال الفترة الأخيرة عن انزعاج روسي متصاعد من النفوذ الاقتصادي الإيراني الذي بدأ يظهر على نطاق واسع في سوريا. ومع ذلك، فإن موسكو تُدرك أن لديها أوراق ضغط غير عسكرية على طهران ومداخل مختلفة لم تُستنفد بعد، لدفعها إلى عدم عرقلة أهدافها في سوريا.

4- الرغبة في إخراج جميع القوات الأجنبية: حرصت موسكو، على مدار عمر الأزمة السورية، على الدعوة لإخراج جميع القوات الأجنبية من سوريا، وفي مقدمتها القوات الأمريكية، وتصف بيانات وزارة الخارجية الروسية دائماً القوات الأمريكية في سوريا بأنها “قوة احتلال غير شرعية” كونها لم تأت بدعوة من الحكومة السورية مثلما هو الحال بالنسبة للقوات الروسية.

5- عدم التخلي عن الحلفاء: تعتبر روسيا وإيران الحليفتين الرئيسيتين للنظام السوري، ولهما دور مشترك في التطورات الميدانية التي شهدها الصراع، وبالتالي من غير المنطقي أن تُقدم موسكو على التحالف العسكري مع أشد خصومها في سوريا، وهى واشنطن، ضد أبرز حلفاءها، وهى طهران، حيث تُدرك الأولى أن ذلك لا يتوافق مع السياسة التي تتبناها والتي تقوم على عدم التخلي عن الحلفاء.

وفي النهاية، يمكن القول إن تصاعد حدة الخلافات الروسية- الإيرانية في سوريا لا يعني أن موسكو قد تقدم على التعاون العسكري مع واشنطن ضد طهران، حيث أنها في الغالب ستستعيض عن ذلك باتباع الآليات الحالية لممارسة ضغوط علي الأخيرة، لضمان عدم تهديد نفوذها في سوريا الذي استنزفت موارد كثيرة على مدى عمر الأزمة من أجل تعزيزه.

 مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة

شاهد أيضاً