«فوبيا الهاتف».. مرض يعوق التواصل

صار الهاتف بكل أشكاله وأنواعه إحدى علامات العصر في هذه الأيام، سواء كان هاتفاً أرضياً أو محمولاً، ثابتاً أو متنقلاً، فإن التعامل معه يعتبر عملية سهلة، حتى إن الأطفال دون سن المدرسة يقومون بالرد على الهاتف، وربما نجحوا في استخدامه للاتصال أحياناً.
ويعاني بعضهم أحد أنواع الخوف المرضي، والذي يطلق عليه رهاب الاتصال الهاتفي أو رهاب المكالمات الهاتفية، أو فوبيا الهاتف، وهذه الحالة لا تسبب معاناة أو مشاكل في التعامل وجهاً لوجه، لكن المشكلة من التعامل عبر الهاتف.
تؤدي هذه الحالة إلى خوف المصاب أو إحجامه عن إجراء أي اتصال هاتفي أو استقبال المكالمات، وهو الأمر الذي يجعله يلجأ إلى أحد أفراد الأسرة أو الأصدقاء للرد، أو حتى للقيام بالاتصال. ويتحجج المصاب بأي سبب، أو يعترف بأنه لا يحب استخدام الهاتف، ويمكن أن يلجأ في أحيان كثيرة للإسراف في استخدام خدمات المجيب الآلي.
ونتناول في هذا الموضوع مشكلة فوبيا الاتصالات الهاتفية بالتفاصيل، مع كشف العوامل والأسباب التي تؤدي إلى ذلك، وبيان الأعراض التي تظهر على المصاب، وتقديم طرق العلاج الممكنة والحديثة.
الاتصال أو الاستقبال
يعد هذا النوع من الخوف أحد أنواع القلق الاجتماعي أو الفوبيا الاجتماعية، وهو من الأنواع غير القابلة للتناسي مثل أغلب الرهابات النوعية، وذلك لأهمية الاتصال الهاتفي في الحياة المعاصرة، ولأن الهاتف أصبح ضرورة، ويفتقد رهاب المكالمات الهاتفية إلى الدراسات والأبحاث الطبية الكافية.
وينتاب المصاب برهاب الاتصال الهاتفي إحساساً غير مريح عند سماعه صوت الهاتف وهو يرن، وربما شعر بالرهبة، أو اعتقد أنه غير مؤهل للرد على المكالمة التليفونية.
ويتعلق هذا النوع من الخوف المرضي بحالتين أو موقفين، الأول وهو إجراء اتصال هاتفي، والثاني وهو استقبال الاتصال الهاتفي.
اختلاف الحالات
يبذل المصاب في الحالة الأولى جهداً ضخماً في التحضير والتدريب على ما سيقول، وذلك بعد أن يفشل في جعل أي شخص آخر يقوم بالاتصال. ويمكن أن يكون إجراء المكالمة في حد ذاته مشكلة كبيرة، بصرف النظر عن الطرف الآخر، ويمكن أن ترتبط المشكلة عند آخرين بأشخاص معينين.
ويختلف مدى الاضطراب من مصاب لآخر بالنسبة للحالة الثانية، وهي استقبال الاتصال الهاتفي، وربما كان الاختلاف أيضاً من وقت لآخر، فربما كان الخوف نتيجة اتصال أشخاص دون آخرين مثل رئيس العمل.
ويمكن أن يكون فقط مع الاتصالات مجهولة المصدر، أو أن يكون الخوف من الرسائل الصوتية التي يتركها المتصلون عندما لا يجدون رداً على مكالماتهم.
الخبرات السيئة
تعتبر الخبرات المعرفية السلوكية السيئة أحد أبرز الأسباب وراء الإصابة بالرهاب النوعي حول موضوع بعينه، وهو الأمر الذي يلاحظ في حالة المصابين برهاب الاتصال الهاتفي.
ولا تتوافر معلومات علمية تعتمد على دراسات نفسية، وإنما هي قصص المرضى التي يرونها، والتحليلات التي طورها المعالجون.
وتختلف الأسباب من حالة لأخرى، غير أن أكثر الأسباب تكراراً، وبالذات في حالة قيام المصاب بإجراء الاتصال هي الخوف من الرفض، أو التعرض للسخرية، أو سوء التفاهم أو الفهم.
ويتحفظ المصاب لما يقال له، أو خوفاً من النسيان لما يجب أن يقوله، ويخشى كذلك من التقييم الخاطىء، وأيضاً من أن يكون وقت الاتصال غير مناسب، ويخاف المصاب من أن يتورط في محادثة مزعجة، أو حتى خوفاً من التأتأة.
خوف تدريجي
يشير الباحثون إلى عدد من الخبرات السيئة وراء الإصابة بهذا النوع من الخوف المرضي، وذلك عند استقبال المكالمات الهاتفية، ومثال ذلك سماع نبأ غير سار كموت شخص مقرب أو عزيز، أو تعرضه لمكروه، وربما تسبب هذا الاتصال في خوف المصاب من مواجهة ذات الموقف مرة أخرى، وبالتالي فهو يتلافى الرد على أي مكالمات هاتفية.
ويتولد شعور الخوف لدى البعض بشكل تدريجي، نتيجة تعرضهم لاستقبال مكالمات من أرقام مجهولة، ثم اكتشاف أنها معاكسات، وهو الأمر الذي يولد حذراً من الرد على أي مكالمة من رقم مجهول، وينتشر هذا الموقف بين الفتيات بشكل خاص، حيث في العادة يتجنبن الاصطدام مع أحد.
مواقف حرجة
يرجع بعضهم خبراتهم السيئة مع الرد على المكالمات إلى التعرض للمواقف المحرجة، وذلك على سبيل المثال عند تكرار الاتصال وعدم امتلاك متلقي المكالمة إجابة عن سؤال المتصل.
ويرجع بعض المصابين برهاب المكالمات الهاتفية الأمر إلى ملاحقات العمل، والتي تتمثل في اتصالات رئيس العمل أو المدير لطلب مهمة إضافية، أو تعديل أمر مطلوب، أو التعرض لتأنيب على أمر خاص بالعمل، أو حتى عند الرد على أحد العملاء أو الزبائن الذي يسأل عن أمر ما، أو يلوم المصاب على قصور في الخدمة.
وتؤدي كل هذه التجارب إلى أن يصاب مريض الفوبيا بعقدة من الرد على الهاتف بصورة عامة، وليس اتصالات العمل فقط.
حالة هلع
يمكن رصد عدد من الأعراض التي تظهر على الشخص المصاب برهاب الاتصال التلفوني، ومنها ترك المصاب الهاتف يرن دون رد، وذلك بغض النظر عن المتصل.
ويعاني المصاب بسبب هذا الاتصال حالة هلع، وصراع داخلي يدور حول الرد أو عدم الرد على الهاتف، والذي ينتهي بتوقف الرنين، حيث يشعر بالراحة، والتي تزول عندما يفكر أنه مضطر لإعادة الاتصال.
ويفضل المصاب بهذا الرهاب الرسائل النصية على الرد على الهاتف، أو معاودة الاتصال، وذلك أنها أسهل وأقل حرجاً، وينتظر بعض الوقت قبل إعادة الاتصال، وذلك عندما تكون الرسالة النصية غير كافية، وينتظر بالرغم من ذلك أطول فترة قبل الاتصال.
ويلجأ مصاب رهاب الاتصال الهاتفي إلى نفس الأعذار في مرة، ومن ذلك أن الهاتف لم يكن معه، أو أنه كان في الشاحن، أو أنه لم ير الاتصال.
ويمتلك المصاب قائمة مكالمات واردة أطول بكثير من الصادرة، وربما في بعض الحالات لا توجد قائمة مكالمات واردة، ويشكو دائماً الأصدقاء والدائرة المقربة منه من عدم إجابته على الهاتف، ويجعل الهاتف دائماً على الوضع الصامت، وذلك لأنه يساعده على تجاهل المكالمات، وبالتالي يجد عذراً لعدم الرد.
إعادة الهيكلة المعرفية
يلجأ الشخص المصاب برهاب الاتصال الهاتفي للعلاج، وذلك عندما يصل الأمر معه إلى حد الإعاقة عن إنجاز الكثير من الأعمال، أو زيادة اعتماده على الآخرين في إجراء المكالمات أو استقبالها، وكذلك رغبة منهم في التخلص من هذا الاضطراب المعوق لعملية التواصل عبر الهاتف. ويحتاج المصاب في هذه الحالة إلى بعض تطبيقات العلاج المعرفي السلوكي، ومنها إعادة الهيكلة المعرفية، حيث يتركز العمل على تحدي القناعات الخاطئة أو الافتراضات التي تكمن وراء الأعراض المرضية.
ويتم استبدالها بقناعات أخرى واقعية، ومثال ذلك عند توافر قناعة لدى المصاب بأن اتصاله فيه إزعاج للطرف الآخر، ويتضح هذا في رده على الاتصال بأنه يراه اهتماماً من المتصل ويشكره عليه، فتتغير كثير من التصورات والاعتقادات الخاطئة التي كانت تسيطر على فكر وعقل المصاب بهذه المشكلة، ويبدأ في التجاوب مع المعرفة الجديدة بشيء من الإيجابية.
التدريب على التعرض
يعد التدريب على التعرض مفيداً أيضاً، وهو عملية تدريجية تعتمد على السلوك الصعب فالأصعب، وهو ما يسمى بهرمية التعرض.
ويمكن في حالة رهاب الاتصال الهاتفي، وبخاصة إجراء الاتصال، تصور الشكل الهرمي للعلاج بأنه يبدأ بالاتصال برقم معروف أنه سيطلب فقط تسجيل رسالة، مثل بعض أرقام الخدمات.
ويلي ذلك الاتصال بأحد أفراد العائلة أو الأصدقاء المقربين، وذلك كبديل عن الاتصال بشخص غريب، وتكون الخطوة التالية بالاتصال بأحد متاجر توصيل طلبات المنازل وتوجيه سؤال بسيط، وليكن عن موعد انتهاء فترات العمل مثلاً.
ويكرر نفس الاتصال لكن مع شخص غريب، ثم محاولة الاتصال بشخص غريب والحديث معه في موضوع معقد نوعاً ما، ويتم تكرار هذه الاتصالات أمام شخص آخر، ثم أمام مجموعة من الناس.

نصائح
يقدّم بعض الخبراء في مجال التواصل الاجتماعي عدداً من النصائح الضرورية التي تفيد مريض فوبيا المكالمات التليفونية، ومن هذه الإرشادات إجراء مكالمة قصيرة كل يوم مع أناس يكون الشخص المريض على معرفة مسبقة بهم، ويرتاح إليهم.
ويبدأ بزيادة عدد المكالمات ومدتها بشكل تدريجي، وينصح بالابتسام عند التقاط سماعة الهاتف أو عند القيام بالاتصال التليفوني، وبالرغم من أن هذا الأمر يعد غريباً، إلا أن الفكرة من ورائه هي جلب الاسترخاء، وهي النصحية الثالثة عند القيام بالتعامل مع الهاتف، حيث يؤدي الاسترخاء عند التفكير في الهاتف إلى إزالة أي ارتباط بين الهاتف والقلق.
وينصح بإجراء المكالمة الهاتفية عند الشعور بقمة الثقة في النفس، وكذلك في أفضل الحالات النفسية، وعند القيام بمكالمة ضرورية، فعلى المصاب دراسة كل ما يحتاجه من معلومات تخصه في البداية، حتى لا تهتز ثقته في نفسه أو تنتابه حالة من التلعثم.

شاهد أيضاً