«جوني إنجلش».. ضربة موفقة في مرمى الكوميديا والجاسوسية

شبكة أخبار الإمارات ENN

مارلين سلوم

يغيب سنوات ويعود ليجد الجمهور بانتظاره، ومن مختلف الأعمار يُقبلون على أفلامه بالشغف نفسه، وبالرغبة نفسها في الاستسلام للضحك. عنوان فيلمه الجديد مناسب جداً له، «جوني إنجلش يسدد ضربة جديدة»، وهو بالفعل يسدد ضربة صائبة وجديدة في سلسلة «جوني إنجلش» البريطانية الشهيرة، وفي مسيرة النجم روان أتكينسون، البالغ من العمر 63 عاماً، والمحتفظ بروحه، وملامحه، وبراعته في إضحاك الجمهور من القلب، وبلا تكلّف.
إنه الفيلم الثالث من السلسلة الكوميدية «جوني إنجلش» التي انطلقت لأول مرة عام 2003، ثم جاء الجزء الثاني بعد ثماني سنوات أي عام 2011، وفي كل مرة كان يحقق العمل نجاحاً كبيراً، وأرباحاً تجعل من روان أتكينسون نجماً كوميدياً راسخ القدمين، لا أحد يستطيع منافسته في ملعبه، سواء في السينما، أو في التلفزيون من خلال سلسلته الكوميدية الشهيرة «مستر بين».
المؤلف ويليام دايفس حمل «جوني إنجليش» من عالمه التقليدي وأساليب الجاسوسية التي عفا عليها الزمن، إلى العالم الافتراضي والتقنيات الشديدة التطور والتي تعتمد على الذكاء الاصطناعي، ليمزج بين النقيضين في توليفة ناجحة، جعلت من الفيلم نموذجاً للكوميديا الجميلة. وكالعادة، تعتمد هذه النوعية من الكوميديا على ملامح البطل، والسخرية، والذكاء «الفطري» الذي يتحول إلى موقف محرج، أو تصرف غبي. والرهان على هذا التناقض منح الفيلم جرعة إضافية من الكوميديا المحببة، ونجح في جعل الجمهور يضحك عالياً أثناء وبعد المشاهدة.
«إنجلش» الذي تقاعد من عمله كجاسوس في جهاز الاستخبارات البريطانية، يدرّس الجغرافيا في مدرسة إعدادية، إنما هدفه الأساسي من التعليم هو اكتشاف عملاء جدد، فيقوم بتدريس طلابه أساليب الجاسوسية، وقواعدها، من دون علم الإدارة بذلك. في هذه الأثناء تواجه رئيسة الوزراء (إيما طومسون) أزمة مهمة، حيث تمكنت القرصنة الإلكترونية من التسلل إلى نظام الحكومة، وشلّت حركة السير، كما تحكمت في محطات القطار والنقل العام.. وذلك قبل أسبوع من استضافة بريطانيا قمة «ج 12». المشكلة الأكبر أن القرصنة تمكنت من كشف هوية كل عملاء المخابرات البريطانية، وبالتالي لم يعد بالإمكان الاستعانة بهم من أجل ملاحقة الرأس المدبر لهذه العملية. لذا يتم اللجوء إلى العملاء المتقاعدين، والذين لم يتم إدراج ملفاتهم إلكترونياً، وبالطبع، يتم استدعاء «إنجلش» من ضمن تلك المجموعة القليلة.
المخرج دايفيد كير استعان بالنجوم الرائعين تشارلز دانس، ومايكل جامبون، وإدوارد فوكس، ليؤدوا أدوار المتقاعدين في مشهد صغير ولكنه ثري من الناحية الكوميدية. الحظ يحالف جوني كالعادة، وبسبب خطأ ارتكبه، يتم اختياره لتولي هذه المهمة.
كير لعب بذكاء على إبراز تقدم بطله أتكينسون والشخصية التي يؤديها جوني إنجلش في السن، فركز على ملامحه، وعلى أسلوبه التقليدي القديم. كما شكّل الفارق العمري بينه وبين الجاسوسة الروسية أوفيليا (أولجا كوريلنكو)، وجايسون (جايك لاسي) الثري والعقل المدبر للقرصنة الإلكترونية، نقطة إضافية تبعث على الضحك، وتثير الكثير من التساؤلات في نفوس المشاهدين، حول مصير «إنجلش»، وكيف سيتمكن من التغلب على الصعاب، وحل الأزمة الإلكترونية بوسائل بدائية؟
عرف المؤلف كيف يستغل البعد الزمني والتطور التقني، ليبني عليه المواقف المضحكة والساخرة، مبتعداً عن التهريج والإيحاءات. حيث وضع العميل التقليدي في مواجهة التكنولوجيا، فتولّدت الكوميديا بشكل عفوي ومنطقي، خصوصاً في مشهد وضع إنجلش نظارة العالم الافتراضي على عينيه، وبدل أن يخوض التجربة وهو واقف في مكانه، تحرك وخرج من الغرفة المخصصة لمشاهدة العالم الافتراضي والتفاعل معه، إلى الشارع، من دون أن يشعر بما يدور حوله. هذا المزج بين العالمين الافتراضي والواقعي، قدمه المؤلف والمخرج ببراعة وتميّز شديدين، فكان أعلى مشاهد الفيلم إتقاناً، وإضحاكاً للجمهور. ومن النقاط التي لم تغب عن بال صناع الفيلم، استغلال أسلوب بطلهم التقليدي في الابتعاد عمداً عن التكنولوجيا والتقنيات الحديثة كنوع من التضليل للقرصان الذكي، مثل حرص إنجلش على حمل هاتف قديم بلا إنترنت كي لا يستطيع القرصان تعقبه، وقيادته سيارة قديمة حتى لا يلفت الأنظار.
مهما تحدثنا عن تفاصيل فلن نستطيع منح الفيلم حقه في إيصال النكتة إلى المشاهد، والتي تعتمد على الموقف لا على الكلام. ولن نحرق متعة المشاهدة، لأن الفيلم ناجح، ويستحق إقبال الجمهور عليه في الصالات. إنما نتوقف عند أداء النجم روان أتكينسون الذي لم يبهت، ولم يتغير؛ ما زال يملك سحراً، وهو قادر على إضحاك الجمهور، وإقناعه؛ يعرف كيف يجبل الغباء بالذكاء بحنكة وحرفية عالية، بعيداً عن التصنع، أو ادعاء العته والاستغباء. ولا يمكنك إلا أن تراه «مستر بين» الكوميدي الرائع في سلسلته التلفزيونية الصامتة.
أداء إيما طومسون متشنج بعض الشيء، لم تكن إضافة للعمل، ولم تترك بصمة مميزة. في حين شكلت عودة النجم بن ميلر إلى دور «بو» المحقق المساعد لجوني، وبعد غياب طويل منذ ظهوره في الجزء الأول عام 2003، فرقاً واضحاً، ويعتبر ثنائياً ناجحاً مع أتكينسون، علماً بأنه لازمه في سلسلته التلفزيونية الكوميدية «مستر بين». ومن المتألقين أيضاً، أولجا كوريلنكو التي تملك خبرة في أدوار الجاسوسية منذ عملها بجانب جيمس بوند (دانيال كريج) في فيلم «كوانتوم أوف سولايس»، وشاركت هذا العام بثمانية أفلام من بينها «جوني إنجلش».
لا يمكن الآن الحديث عن أرباح أو خسائر، لأن الفيلم (إنتاج بريطاني فرنسي أمريكي)، انطلق عرضه عالمياً قبل أن يعرض في موطنه بريطانيا في الخامس من أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، ويليه العرض في أمريكا في 26 منه.

«بينك بانثر» و007 وتحالف بريطاني روسي

تعمّد الفيلم عقد تحالف بين الاستخبارات البريطانية والروسية في مواجهة الملياردير الخبير في الإنترنت، ليسدد ضربة إلى أمريكا، في ظل الحرب الفنية الدائمة بين أفلام الجاسوسية البريطانية وتلك الأمريكية. ومعروف أن «جوني إنجلش» هو النسخة الكوميدية أو المحاكاة الساخرة لسلسة أفلام جيمس بوند «العميل 007» البريطاني، بينما يحمل جوني لقب «العميل إم 17». وهو أيضاً يشبه في ملامحه ورسم شخصيته المحقق البريطاني الأقدم «المفتش كلوسو» والذي جسده ببراعة بيتر سيلرز في السلسلة الكوميدية «بينك بانثر»، قبل أن تتحول إلى أفلام سينمائية مع أبطال مختلفين من بينهم روجير مور. واللافت أن الفيلم الثالث لجوني إنغلش حمل نفس عنوان الفيلم الثالث لبينك بانثر «بينك بانثر سترايكس أغين» أي «بينك بانثر يسدد ضربة جديدة» وعرض في السينما عام 1976، (الفيلم الثالث الذي يحمل مباشرة اسم بينك بانثر، والخامس في مجموعة الأفلام التي أنتجت له).
ويبدو أن البريطانيين يحبون الجمع ما بين الجاسوسية والكوميديا؛ حيث ظهرت أيضاً سلسلة جديدة تحت اسم «كينغزمان»، شاهدنا منها فيلمي «كينغزمان: الخدمة السرية» 2014، و«كينغزمان: الدائرة الذهبية» 2017. بينما شاهدنا هذا العام الفيلم الكوميدي «الجاسوس الذي خدعني».

marlynsalloum@gmail.com

شاهد أيضاً