يعتبر مرض ثنائي القطب من الأمراض النفسية أو العقلية الخطيرة والمزمنة، التي تتسم بحدوث تغيرات حادة في المزاج، فهي تتأرجح بين حالات الهوس بالابتهاج الشديد وبين الاكتئاب الحاد، ولذلك سمي اضطراب ثنائي القطب، أي يصل إلى قمة الحالتين، ويطلق عليه أيضا الهوس الاكتئابي.
ويوجد حالات من الأشخاص المصابين بمرض ثنائي القطب الذين يعانون من الحزن والإحباط وضعف النشاط وهي نوبة الاكتئاب، وفي أحيان أخرى يشعرون بسعادة غامرة وطاقة عالية عن المعتاد وهي نوبة الهوس السعيدة، والبعض يمكن أن يصابوا بحالة من المزاج المختلط معا فهم يعانون من الاكتئاب والهوس الابتهاجي في نفس الوقت.
يصيب هذا المرض الأشخاص في مرحلة الشباب، ويعاني هؤلاء المصابون من صعوبات في أداء وظائفهم وأنشطتهم اليومية سواء في العمل أو الجانب التعليمي، وغالبا ما يفقدون العلاقات الاجتماعية بسرعة.
ويمكن التغلب على هذا المرض من خلال السيطرة على أعراضه من خلال تطبيق برامج العلاج واتباع النصائح والإرشادات الطبية، على الرغم من أنه اضطراب معقد ومزمن، وله العديد من التداعيات الخطيرة.
ونتناول في هذا الموضوع تفاصيل مرض ثنائي القطب، والعوامل والأسباب التي تؤدي إلى الإصابة به، وكذلك بيان الأعراض وأساليب وطرق الوقاية والعلاج الممكنة والحديثة.
التفكير في الانتحار
تمثل حالة التطرف في المزاج ما بين السرور والسعادة المفرطة والطاقة الوفيرة إلى درجة الحزن والكآبة والاكتئاب الشديد وانعدام الطاقة تقلبا عنيفا لا يمكن قبوله أو التعايش معه، مما يؤدي إلى حدوث مشاكل جسيمة في العلاقات الاجتماعية، وأيضا تطول الوظيفة والمهنة لتصل إلى درجة الفصل من العمل وإنهاء المسيرة المهنية. ويفكر الشخص المريض بالهوس الاكتئابي في الانتحار، وتسيطر عليه أحيانا هذه الميول الانتحارية في حالة إهمال العلاج وتفاقم الحالة المرضية، وهذا النقيض الحاد في المشاعر لا يحدث لدى الأشخاص الأصحاء، وغالبا ما تسبب مشكلة خلل في النوم وأيضا اضطرابات في قدرات التركيز.
يسبب مرض ثنائي القطب التشتت وعدم القدرة على التركيز في المؤسسات التعليمية وكذلك في العمل، وبعض المصابين يقومون بمحاولات إيذاء النفس، وغالبا ما يصيب الشخص في نهاية فترة المراهقة وبداية سن الرشد، ويجب التعايش مع هذا المرض لأنه يستمر مع الشخص مدى الحياة.
الوراثة والتشريح
ولم يتوصل العلماء والمختصون إلى الأسباب الحقيقية للإصابة بهذا المرض حتى الآن، فهي ما زالت غير معروفة ولكن يرجح بعض العوامل التي يمكن أن يكون لها دخل في هذه الحالة، ومنها العوامل الوراثية رغم عدم التأكد من هذا العامل، وأيضا ليس بالضرورة أن يصاب شخص من عائلة بها أحد المرضى بهذه المشكلة.
ويسعى الأطباء إلى كشف بعض العوامل الأخرى المهمة والتي ستكشف الكثير حول هذا المرض، وهي البنية التشريحية والوظيفيّة للدماغ والتي يعكف الباحثون على دراستها من أجل تطوير أنواع من العلاجات الجديدة والأفضل من الحالية. كما تسعى هذه الطريقة أيضا لمحاولة التنبؤ بالأشخاص الذين سوف يتعرضون للإصابة بمرض الهوس الاكتئابي قبل الإصابة به، وكذلك لبذل الجهد في منع الإصابة بهذا المرض في المستقبل.
ثلاثة أنواع رئيسية
يوجد ثلاثة أنواع رئيسية من مرض ثنائي القطب، وكلها تتسم بتغيرات ملحوظة في المزاج، ومعدلات الطاقة والنشاط، والنوع الأول يعرف بنوبات الهوس التي تمتد إلى حوالي 8 أيام على الأقل، وأحيانا تظهر أعراض الهوس التي تتطلب الرعاية الصحية والتواجد السريع في المستشفى. ويعاني الشخص المصاب بهذا النوع من نوبات الاكتئاب التي تستمر لفترة 15 يوما على الأقل، كما يمكن حدوث نوبات مختلطة من الاكتئاب والهوس في نفس الوقت في هذا النوع.
يتسم النوع الثاني من مرض ثنائي القطب بحدوث نوبات من الاكتئاب والهوس الخفيفة والتي لا تكون مؤذية بدرجة كبيرة.
والنوع الثالث من مرض ثنائي القطب ويسمى المزاج الدوري ومن خصائصه ظهور أعراض الهوس الخفيف والاكتئاب، والتي تستمر لمدة 25 شهرا على الأقل في حالة البالغين، وحوالي 12 شهرا في حالة الأطفال والمراهقين.
ويوجد أنواع أخرى من اضطراب ثنائي القطب، وهي التي لا تخضع للأعراض في الثلاثة أنواع السابقة، ويكون لها أعراض مختلفة تخرج عن المواصفات المذكورة.
مشاعر متناقضة
يجب الذهاب إلى الطبيب للحصول على المساعدة فور التعرف على وجود مشكلة يعاني منها الشخص، من أجل تقديم النصائح الطبية المبكرة والسريعة التي لها دور كبير في العلاج الفعال والتخفيف من أضراره.
ويمكن التعرف على مرض ثنائي القطب من خلال ظهور بعض العلامات والأعراض، ومنها ظهور حالة الاكتئاب وعدم الاستقرار والسعادة والتهيج وزيادة الفرح بدرجة غير طبيعية، وأيضا حدوث تغييرات في الوزن والشهية نحو الطعام.
التحدث بسرعة ملحوظة والانتقال بين موضوعات مختلفة، وفقدان حالة التركيز وضعف الطاقة أو زيادتها بصورة كبيرة، وحدوث اضطرابات في النوم وإهمال في الرعاية الشخصية، وتصدع العلاقات الاجتماعية وانصراف الكثيرين من حول المصاب، كما يمكن ملاحظة نشاط وزيادة المساهمة الاجتماعية بصورة كبيرة عن الحد الطبيعي، مع الشعور الدائم بالذنب وفقدان الأمل في الحياة.
فقدان القيمة
يتسرب إلى المريض شعور بفقدان القيمة الذاتية أو تضخم الذات بصورة غير معقولة، وينتابه بعض السلوكيات المتهورة والبذخ وصرف أموال ضخمة، وتسيطر عليه أفكار ومعتقدات غير سوية، كما تسيطر عليه أفكار الموت، ويمكن أن يقوم بمحاولات للانتحار، ويتملكه شعور بالقلق ويصبح سريع الغضب، ويكون مشتت الأفكار وأحيانا تضيع منه الأفكار بسرعة، وينتابه إحساس بالمقدرة على عمل أشياء كثيرة في وقت واحد، ويقوم بسلوكيات محفوفة بالمخاطر. ويشعر بالحزن الشديد أو اليأس ويبكي، ويفقد الاستمتاع بأي شيء مع نسيان الكثير من الأشياء، وأحيانا يشعر بالقوة التي تجعله متهورا، وهذا الارتفاع في البهجة والانخفاض لدرجة الاكتئاب يسبب للمريض حالة من عدم الاستقرار.
وتؤدي هذه الحالة المضطربة من السلوكيات والمشاعر إلى التأثير على حياة الشخص بصورة سلبية قوية، حيث يحدث له خلل في عملية التحصيل الدراسي ويفقد التركيز ويصاب بالتشتت وينعكس كل ذلك على العملية التعليمية بالسلب.
كما تسبب هذه الحالة المرضية حدوث مشاكل مستمرة مع الأسرة والعائلة والأصدقاء، ويمكن أن يصبح سلوكه خطر على صحته وحياته في بعض الأحيان.
كما يتملكه شعور بفقدان الثقة في نفسه ويسيطر ذلك على حياته، وإذا استمر الشخص دون علاج فترة طويلة، فيمكن أن يزيد ذلك من احتمالات حدوث السلوكيات الأكثر ضررا والمؤذية لهذا المصاب.
مضادات الاكتئاب
يهدف علاج مرض ثنائي القطب إلى تخفيف الأعراض والسيطرة عليها، فمن المعروف أن هذا المرض مزمن ولا يمكن الشفاء منه، كما يحقق للمصاب حالة التعايش مع المرض في حياة طبيعية. وتستخدم الأدوية في علاج هذا المرض، من خلال تناول مضادات الاكتئاب وكذلك مضادات الذهان ومثبتات المزاج ومضادات القلق، وبعض هذه الأدوية يتم الاستعانة بها مدى الحياة، حتى في الفترات الطبيعية التي يشعر فيها الشخص بتحسن طبيعي، حتى تحدث انتكاسة للمصاب ويعود المرض أشد من السابق.
وتوصف الأدوية المثبتة للمزاج في حالة إذا كان الشخص لديه تاريخ مرضي لأكثر من نوبة، مما يقي الشخص من الإصابة بنوبات أخرى، ويحدد الطبيب مدى الاستمرار في تعاطي هذه الأدوية، فجزء يستمر لمدة سنة وأخرى تصل إلى عامين، وبعضها مدى الحياة.
ويقدم الطبيب المتابع للحالة بعض النصائح عن الأعراض الجانبية التي تسببها بعض هذه الأدوية، وكيفية التعامل معها، ودائما ما يوازن الطبيب بين الآثار الجانبية وبين هذا المرض.
ويوجد العلاج النفسي بجانب الأدوية حيث يوفر الدعم والنصائح والتوجيهات الضرورية لمن يعانون من هذا المرض ولأسرهم، ومنها العلاج السلوكي المعرفي والدور الذي تقوم به الأسرة والتثقيف النفسي.
ويمكن استخدام العلاج بالتخليج الكهربائي وهذا النوع يستخدم مع الأشخاص الذين لا ينفع معهم الأدوية والطرق السابقة في العلاج، وكذلك مع الحوامل ومن لديه نية الانتحار بقوة.
نسبة كبيرة
تشير دراسة حديثة إلى أن مرض ثنائي القطب يصيب الأشخاص بين عمر 20 إلى 30 عاما، وهو قليل الحدوث قبل الوصول إلى سن النضوج، ويتحول إلى حالة شائعة عند الوصول إلى فترة البلوغ.
وتكشف الدراسة أن مرض الهوس الاكتئابي يصيب حوالي ما يقرب من 1% من الأشخاص حول العالم، وهي نسبة كبيرة نسبيا، كما يتأخر معرفة الحالة المرضية للمصاب في سن المراهقة، نتيجة أن التقلبات المزاجية هي جزء من السلوكيات المزاجية المضطربة في هذه المرحلة العمرية.
وتوضح الدراسة أنه رغم صعوبة التعرف على الأسباب إلا أن هناك بعد الترجيحات، مثل الإصابة بأزمات نفسية قوية وأيضا التعرض للأمراض العضوية القاسية، فيمكن أن يساعد ذلك على تحفيز حدوث نوبة الهوس الاكتئابي.
وتكشف الدراسة أن مرض ثنائي القطب أصاب العديد من المبدعين على مستوى العالم، ومنهم بعض الفنانين المشهورين وكذلك عدد من العلماء الذين تعايشوا مع هذا المرض.
ويتخلل هذه الفترات المتناقضة بين السعادة الغامرة والانخفاض الشديد، حالة من الفترات الطبيعية العادية والتي يمكن أن تستمر من أسابيع إلى عدة شهور، ثم يعود المصاب للحالة المرضية.