السينما تغتال براءة المراهقين

شبكة أخبار الإمارات ENN

مارلين سلوم

السينما إبداع وابتكار، أحلام تسبق الواقع لتحمل المشاهد إلى عوالم مختلفة، بعضها يعرفه ويعيشه، وبعضها الآخر يخرج كلياً عن المألوف ويستبق الواقع إلى العالم الافتراضي. نعم، السينما سبقت كافة الوسائل التكنولوجية الحديثة في حمل الناس إلى العالم الافتراضي، وإلى المخلوقات العجيبة والكائنات الفضائية، وإلى الفضاء والمريخ قبل أن تطأ قدم الإنسان أرضه. والسينما هي التي تحث الإنسان باستمرار على الابتكار، فقدمت له الإنسان الآلي والسيارة- الطائرة، والطائرة بدون طيار، والسيارة ذاتية القيادة وغيرها.. ثم سارع إلى تنفيذها في الواقع. وهي أيضاً التي صارت تسرق الكثير من الأحلام الجميلة، ومع تطورها جنحت بشكل مبالغ فيه نحو العنف، فقضت على البراءة لدى المراهقين والأطفال.
وجه مشوه، مخلوق بعين واحدة وسط الرأس، هذا بلا أنف، وآخر بلا فم، وأقزام عباقرة وعمالقة أغبياء.. منذ بداياتها، والسينما هي صناعة الحلم، والسباقة إلى الابتكار وتحويل المستحيل إلى ممكن. تفبرك الأحداث، عينها على المستقبل لتجعل منه حاضراً، وبفعل سحرها وجاذبيتها، تجعل الجمهور يصدق بأنه يعيش الحالة ويشعر بها ويحلق فوق أجنحتها عالياً.
خيال الكتّاب والمخرجين سبق منذ بدايات الصناعة السينمائية، المخترعين إلى اختراق عوالم كثيرة، مثل الفضاء، الابتكار العلمي، الذكاء الاصطناعي، وغيرها.. حتى نستطيع القول إن صنّاع السينما هم نواة الابتكار والتطور في بعض المجالات التقنية والعلمية. وهم نواة تقلبات المجتمعات. وهنا يتكرر السؤال الدائم: هل تعكس السينما أحوال المجتمعات والناس، فتكون كالمرآة بل كالمجهر الذي يكشف التفاصيل والحقائق بعمقها وأبعادها؟ أم أن المجتمعات هي التي تتأثر بالأفلام، فتصير أحلام السينمائيين حقائق ملموسة في الشوارع والمدن، ويتحدث الناس لغة الأفلام التي يشاهدونها، ويتشبهون بالنجوم والأبطال الذين يتعلقون بهم؟
ما تنتجه هوليوود يجعلنا نتوقف عند ظاهرة مهمة وخطيرة، ولعلها كفيلة بالرد على كافة التساؤلات، وهي ظاهرة «اغتيال البراءة في السينما». فكل ما تقدمه للمراهقين والأطفال، يندرج تحت تصنيف «عنف وجريمة وخيال علمي». صحيح أنهم ينوهون بالفئات العمرية المسموح لها بالمشاهدة، لكن القصص بحد ذاتها لم تعد بريئة، ولا طفولية بسيطة. يكفي أنهم يسمحون بمشاهدة تلك الأفلام للأطفال شرط ألا تتضمن أي مشهد لقتل صريح وتنكيل بالجثة أو تعذيب ودماء. المعارك والاقتتال بالأيدي والأسلحة والانتحار ورمي الأشخاص من مكان مرتفع والضرب.. كلها مسموحة بلا أي مشاكل. وكأن الإحساس بالعنف وبوقوع الجريمة لا يكفي لمنعه في أفلام الصغار والشباب!
بالماضي، ظهرت دراسات كثيرة تحذر من خطورة تأثير بعض الشخصيات الخرافية والخارقة في الأطفال، خصوصاً «سبايدرمان» و«سوبرمان»، حيث دفع بعض الصغار حياتهم بسبب محاولتهم تقليد البطلين الخارقين. لكن السينما تتكلم ولا تسمع، تسير باتجاهات الإبهار القوي والربح المادي المضمون، بغض النظر عن الأضرار التي قد تقع على الجمهور.
ليت الأمور وقفت عند حدود الكرتون والشخصيات الوهمية، بل ذهبت السينما إلى تقديم نوعية جديدة، القتل فيها هو القانون السائد، أبطالها مجموعة من المراهقين الراضخين لأنظمة تتحكم بهم وتأمرهم بممارسة العنف والاضطهاد والقتل، وهم مسيرون لا مخيرون.. وفي كل مرة تقتضي المهمة أن «تقتل لتعيش»، حتى ولو اضطررت إلى قتل أخيك أو أختك، أو أعز الأصدقاء.
«توايلايت»، «هانغر غايمز»، «مايز رانر» (المتاهة)، «إن تايم» (في الوقت المناسب)، «دايفرجنت» (المتحولون)، «حراس المجرّة».. وغيرها من الأفلام التي كتبت خصيصاً للمراهقين، تعتمد على أبطال يستطيعون التأثير في هذه الفئة العمرية والأصغر منها أيضاً. أفلام بعضها تحول إلى سلسلة من الأعمال الجاذبة للشباب، لأنها تثير فيهم الحماسة وترفع نسبة الأدرينالين في الجسم أثناء المشاهدة، وتأخذهم إلى عالم التحدي والرهان عبر أحداث متتالية من التشويق والمفاجآت.. القصص بلا شك لا تخلو من الرومانسية، لكن المحرك الأساسي والهدف منها هو القتل من أجل البقاء على قيد الحياة.
لا أحد بريء في هذه الأفلام، ولا أحد عفوي ولا حياة سليمة تسير على إيقاع الهدوء النفسي والطمأنينة والسكينة. كل هذه المصطلحات غير موجودة، والأمان مفقود، والخيانة تسود وتنتشر، والكل عليه أن يبقى متيقظاً وعلى أهبة الاستعداد للقتال في أي وقت. تلك الحروب الافتراضية، تخلق مجتمعات مهووسة بفكرة القتل، كلام الشباب فيها وتصرفاتهم وأفكارهم تتطابق وأجواء تلك الأنظمة السوداء التي تتحكم بعالم المستقبل وفق الأفلام، وكأنها تهيئ شبابنا ليكون على هذه الشاكلة، ويسير منذ اليوم نحو مستقبل سوداوي مظلم، بلا رحمة ولا طيبة ولا براءة.
قبل عشرة أعوام، ظهرت رواية «هانغر غايمز» أو «ألعاب الجوع» للكاتبة سوزان كولنز. وفي نفس العام 2008، ظهر أول فيلم من سلسلة «توايلايت» (الشفق) عن رواية ستيفاني مايرز، كتبته سينمائياً ميليسا روزنبرغ، وأخرجته كاثرين هاردويك، بطولة كريستن ستيوارت وروبرت باتنسون. ولعل هذا الفيلم وهذه الرواية هي الأقل عنفاً بين الأعمال التي لحقتها، ولا سيما «ألعاب الجوع» الذي تحول إلى سلسلة أفلام عرض الجزء الأول عام 2012 للمخرج غاري روس، وبطولة جينيفر لورنس وليام هامسويرث.
لا بد أن يتأثر المراهقون والصغار بهؤلاء النجوم، ويقتنعون بأن ما يفعلونه صائب، ويتعاطفون معهم. خذ مثلاً الجزء الأخير من «المتاهة» والذي شاهدناه في الصالات قبل أسابيع بعنوان «علاج الموت»، عن رواية جيمس دشنر، إخراج ويس بول وبطولة ديلان أوبراين المكلف بالبحث عن علاج لمرض خطر يؤدي إلى الموت. والوصول إلى العلاج يكلف الكثير من القتال والحروب، وقتل أعز الأصدقاء من أجل استمرار الحياة. الجمهور يتعاطف مع الأبطال، يصل إلى حد البكاء، وفي النهاية يخرج وفي عقله مجموعة صور مخزنة وتتفاعل تلقائياً مع مشاعره، لتشكل نهجاً معيناً للحياة، يمتزج فيه العنف مع الحب، القتل مع البقاء على قيد الحياة، وأن كل الوسائل مباحة في سبيل الدفاع عن النفس ومواجهة الآخرين.
عالم منقسم بين أعداء وأصدقاء، مجموعات تتحدى مجموعات، استنفار دائم، وحروب لا تنتهي، بل يكون ختامها انتصاراً مؤقتاً، إلى حين الانطلاق مع مغامرات جديدة وحروب متجددة.
من الأفلام التي تستغربها، والتي تساهم في تحويل الحياة إلى عملية حسابية جافة، والبشر مجموعة أرقام وكائنات مسيّرة بهدف القضاء على بعضها البعض، فيلم «إن تايم» أي «في الوقت المناسب»، تأليف وإخراج أندرو نيكول، بطولة جاستن تمبرلايك وأماندا سيفريد. فيلم شاهدناه عام 2011، قائم على فكرة أن تقتل الآخرين لتأخذ الأرقام المتبقية من أعمارهم كي تعيش أطول فترة ممكنة. الأرقام تظهر على ذراع كل إنسان، ومتى وصلت إلى الصفر يموت فوراً. القتلى يتساقطون بشكل غير منطقي، الإنسان يشبه الآلة، العالم ضبابي وظلامي وبارد، والكل يتسابق لسرقة حياة الآخر. لماذا يسعى الإنسان للقتل طالما أنه يعيش بلا هدف، وحياته لا معنى لها طالما أنها مجموعة أرقام ليس أكثر؟
أندرو نيكول قدم أيضاً عام 2013 فيلم «ذا هوست» أو «الضيف»، تختلط أوراق الجريمة بالرعب والمغامرة، لتقدم عملاً موجهاً للمراهقين، والهدف نفسه، القتال من أجل البقاء وسط عالم من الوحوش والأشرار.
مع مرور عشرة أعوام على «توايلايت» وتوجه هوليوود نحو أفلام العنف للمراهقين، هل ترسم السينما الحديثة صوراً للمستقبل الآتي بكل هذا العنف، والجرائم والوحشية، فيصبح الإنسان مجرد محارب هدفه فقط القتل ليعيش؟ وكل فرد يريد القضاء على الآخرين من أجل أن يبقى هو؟ السينما هي صناعة الأحلام، لكنها أحياناً تكون صناعة الكوابيس، والمحرض الأول على العنف، والدليل واضح مع تأثر الشباب اليوم بالألفاظ النابية والشتائم التي يتبادلونها بلا أي رادع أو خجل، وموجة القتل التي تنتشر بين المراهقين في أمريكا. فهل نعرف كيف نتصدى ونواجه التيار قبل أن يجرف الشباب أكثر فأكثر؟

مدن الرماد والعظام والزجاج

من أفلام المراهقين، سلسلة صدرت كرواية ثم تحولت إلى أفلام بداية من عام 2013 تحت اسم «أدوات القتل»، وتفرعت منها أجزاء بأسماء «مدينة العظام»، و«مدينة الرماد» و«مدينة الزجاج».. كتبتها كاسندرا كلير، وحولتها سينمائياً جيسيكا بوستيجو. أخرج «مدينة العظام» هارالد زوارت، بطولة ليلي كولينز وجامي كامبل باور. جرعات من الرعب والقتل، والهدف استخدام الجريمة للبقاء على قيد الحياة!.

marlynsalloum@gmail.com

شاهد أيضاً