«تعشقت نور الله».. إنشادٌ بديعٌ في تقوى الخالق

شبكة أخبار الإمارات ENN

الشارقة:محمدو لحبيب
ولد الشيخ علي عقل سنة 1894م، وحين فقد بصره في صباه، أسلمه والده للقرآن الكريم، فاشتغل به وحفظه كاملاً، ثم التحق بالأزهر الشريف ليتعلم القراءات القرآنية فأجادها، فكان القرآن نوراً أضاء بصيرته فعوّضه عن غياب بصره، وأشرقت داخل نفسه الأنوار الربانية، فعشق نور الله واتّبعه وأسلم نفسه له، وجاهد نفسه حتى استقامت على الحق، وجسد كل ذلك في أشعاره التي كان يلقيها في مجالس الذكر، ثم تقلبت به مجالس الذكر والإنشاد حتى صار علماً في ذلك المضمار، توفي سنة 1948 بعد أن ترك ديوانا شعريا يضم ترانيمه الصوفية ومدائحه النبوية هو ديوان «الإلهام».
من أشهر أشعاره الموجودة في ذاك الديوان قصيدة «تعشقت نور الله»، والتي يجسد فيها سبيل مجاهدة النفس والارتقاء بها حتى تتشرب نور الله وتأنس به.
يقول علي عقل في القصيدة:
قتلت هوى نفسي، فعشت بلا نفس
وجافيت أنسي فانحدرت إلى الأنس
وكأنه يرسم الطريق إلى نور الله ومحبته بقتل هوى النفس أولاً ثم مجافاة الأنس بغير كلام الله المنزل في القرآن العظيم. ثم يمضي عقل ليؤكد نفس المعنى ويجلوه أكثر حين يقول في بيت آخر من القصيدة نفسها:
وعشت زماني لست أحفل بالورى
وكيف، وقلبي هام في مشهد القدس
فلا مكان فــــي قلبه لأي مخلوق، ولا خــــوف ولا طمع إلاّ من الله وفــــي الله، فحيـــن يتعلق العبـــــد بمولاه جل جلاله لا يحـــفل بمــن هو دونه.
ويستفيض الشيخ في ذلك السياق فيقول:
ولم أخش من بأس ولم أخش طاغيا
ومن يخش ذات الله لم ير من بأس
وهل غير ذات الله للنفس مطلب
حرام سوى الرحمن يدخل في نفسي
ثم يتحدث بعد ذلك عما أوصله إلى هذا الطريق المستقيم، وهو القرآن الكريم الذي اتخذه منذ صباه نوراً وهداية وتاجاً للنفس يزينها ويصونها من الزيغ والضلال ومن كل ما يندس فيهما مما يمرض النفس ويسلمها للهوى فيقول:
وتوجت بالقــــرآن نفســي عقـــيدة
أصون به نفسي عن الزيغ والدس
ويبين تجرد روحه لله وللسير في طريقه كغاية سامية ومطلب يتم به الهدى:
وما اتخذت روحي سوى الله غاية
فتم الهدى للروح والقلب والحـس
وهو يفخر بذكر الله حين يتفاخر الناس بالثراء وأغراض الدنيا المادية، وحين يطلب الناس الضياء في الشمس، فهو يطلب رضا الله ويجعل آيات كتابه الحكيم نوراً وضياء له، وحين يتجه الناس إلى الغرس ابتغاء حصاد عاجل ومحدود، يتجه هو كما يعبر عن ذلك في هذه القصيدة إلى تقوى الله ويعتمدها كغرس عميق لا ينتهي حصاده الكثير، فيقول:
وإن رفع المــثرون عجــبا رؤوسهــم
رفعت بذكر الله فوق الورى رأسي
وإن جعلوا الشمس اهتداء ليومهم
جعلـــت رضـــا ربي وآيتــه شمســي
وإن غرســــوا زرعـــا لنيل حصـــاده
فتقوى إله العرش بين الورى غرسي
وللبرهان على حالة عشق نور الله التي توحدت فيها نفسه وروحه وقلبه وصارت بصيرته التي ترافقه في حياته، يستند على سورة البقرة وتحديداً على آية الكرسي منها:
تعشقــــت نــور الله وهو بصـــيرتــي
وقد وضح البرهان من آية الكرســي
يسترسل الشاعر في شرح قوة محبته لله وارتباطها باليقين الذي يجب على كل مسلم في عبادته لله، والذي هو إيمان كامل بعالم الغيب والشهادة، واستغراق مع ذلك الإيمان صباحاً ومساءً وفي كل الأوقات التي يعيشها المرء، ويعبر عن ذلك قائلاً:
أحـــبك يـــا ربــي محـــبة مــــوقـــن
ومن قوة الإيمان أصبح أو أمسي
ومن المعروف أن المؤمن إذا قويت صلته بالله وأنس به عن كل خلقه وعن الدنيا بمغرياتها، بات شوقه كبيراً للقاء الله، والشيخ علي عقل يعبر عن تلك الحالة في هذه القصيدة فيبدع في التعبير حين يقول:

لقـاؤك يا رحمـــن عـــيـدي وعـــدتـي
ونورك غيثي وهو لي في الورى أنسي
وهو يرجو بعد ذلك أن تكون محبته لله خالية من الرياء والكذب وصولاً إلى مرتبة الصدق مع الله، والتي هي من أعظم مراتب العبادة ويقول:
وكـــل رجـــائـــي أن أحـــبك صـــادقا
إذ الصدق في الوجدان مرتبة القدس
يسدي الشاعر نصائح ثمينة لكل من أراد أن ينهل من معين المحبة الإلهية السامية، فيطالبه بالتوكل على الله والتسليم له وتطهير النفس الرجس والتفويض الكامل لله.


Read more

شاهد أيضاً