قصة نجاح عالمية مبهرة وملهمة لما يعتبر اليوم أكبر حراك إنساني وطني على مستوى العالم، يشارك فيه مجتمع الإمارات بأكمله كبيره وصغيره، أفراده ومؤسساته، جهاته الحكومية وشركاته الخاصة وجمعياته الأهلية والخيرية، في مشهد يقدم أروع نموذج للعطاء في سبيل المساهمة في دعم شعوب الأرض للتغلب على تحدياتها الأكثر إلحاحاً بدءاً من الجوع، وبما لا يقف عند تحديات التعليم والصحة.
هذا الحراك الاستثنائي رسخته سلسلة النجاحات التي حققتها الحملات الرمضانية التي اعتاد على إطلاقها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، خلال الشهر الفضيل، متوجاً سموه هذه النجاحات خلال العام الحالي بإطلاق حملة “وقف الأب”، بهدف تكريم الآباء في دولة الإمارات من خلال إنشاء صندوق وقفي مستدام بقيمة مليار درهم، يخصص ريعه لتوفير العلاج والرعاية الصحية للفقراء والمحتاجين وغير القادرين.
القصة بدأت عام 2020، بحملة “10 ملايين وجبة”، لتشهد تطورات نوعية غير مسبوقة في ظل ما حظيت به من تفاعل كبير وتجاوب شامل من مجتمع الإمارات، فجاءت هذه التطورات بالتوسع حجماً عبر حملة “100 مليون وجبة” في عام 2021، ثم حملة “مليار وجبة” في عام 2022 ، بعدها شهدت سلسلة الحملات نقلة نوعية، بالتحول نحو الوقف من خلال حملة “وقف المليار وجبة” في العام 2023، مستهدفة تأمين شبكة مستدامة لمواجهة تحديات الجوع في الدول والمناطق الأقل حظاً، ثم جاءت حملة “وقف الأم” في تحول نوعي ومبتكر، مستهدفاً في المقام الأول تكريم الأمهات، وفي المقام الثاني أن يأتي هذا التكريم عبر المساهمة باسم الأم في إنشاء صندوق وقفي بقيمة مليار درهم لتوفير التعليم لملايين الأفراد حول العالم، وهو من القطاعات المهمة في تمكين المجتمعات والنهوض بها.
اليوم، تستكمل هذه الحملات، سلسلة نجاحاتها وتطورها النوعي، بإطلاق حملة “وقف الأب” والتي تستهدف، هذا العام، قطاعاً حيوياً جديداً يعاني تحديات عالمية كبيرة وهو قطاع الرعاية الصحية، حيث شهدت الحملة قبل أن تبدأ تجاوباً فاق النجاحات السابقة، فما الذي ترسخه هذه الحملة الجديدة في مسيرة الحملات الرمضانية؟ وكيف تطورت هذه الحملات وصولاً إلى هذه المكانة المتفردة؟.
ترسيخ القيم
في صدارة أهدافها العليا، تضاعف حملة “وقف الأب”، الدور المهم لسلسلة الحملات في ترسيخ القيم والسمات الأساسية التي يتميز بها مجتمع الإمارات، ومع انطلاقها تماشياً مع إعلان صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، تخصيص عام 2025 ليكون “عام المجتمع” في دولة الإمارات تحت شعار “يداً بيد”، تعمل حملة “وقف الأب”، من خلال استهدافها تكريم الآباء، على المساهمة في تعزيز التماسك المجتمعي، وإعلاء دور الأب في تحقيق هذا التماسك من خلال ما يمثله من ركيزة قوية لاستقرار الأسرة، وكونه القدوة والسند ومصدر القوة والحكمة والأمان في حياتنا جميعاً. وثاني القيم والسمات الإماراتية التي تواصل الحملة تعزيزها هي قيمة العطاء التي أصبحت منظومة راسخة وثقافة مجتمعية شاملة وهوية تعرف بها الإمارات عالمياً كعاصمة للإنسانية، حيث نجحت سلسلة الحملات في جعل الإمارات، كما يقول صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم في تأكيده على أهدافها: “لنكون من أكثر الشعوب عطاءً وتراحماً وتعاطفاً مع معاناة غيرنا”.
قيم التكاتف المجتمعي
وضمن أهدافها المهمة أيضاً، تواصل حملة “وقف الأب” التأكيد على أهمية قيم التكاتف المجتمعي ومحبة الخير للجميع وتقديم نموذج لما يمكن أن تصنعه هذه القيم من فارق في تحقيق الإنجازات ومواجهة التحديات، وإضافة إلى ما تخدمه الحملة من تعزيز هذه القيم في مجتمع الإمارات، فإنها تبث من خلال نجاحاتها رسالة إلى العالم أجمع بأهمية هذا التكاتف في معالجة التحديات الملحة التي تواجه البشرية، وقدرة العالم على التغلب عليها، بالتضامن بين دوله وشعوبه.
وبتركيز حملة “وقف الأب” هذا العام، على الرعاية الصحية، فإنها تسلط الضوء على أهمية هذا القطاع في تمكين الإنسان وحماية حياته وتحقيق استقراره، حيث يعتبر الإنسان هو أولوية جميع المشاريع والمبادرات التنموية، كما أن تمكينه هو تمكين للمجتمعات ككل في تحقيق تطلعاتها وتنميتها وازدهارها. وتبث الحملة رسالة عالمية ملهمة بشأن الاهتمام بهذا القطاع الحيوي الذي يعتبر في صدارة أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة لعام 2030، في وقت بدأ العالم يشهد تباطؤاً في تحقيق الإنجاز ضمن هذا الهدف، مع تراجع قدرة الكثير من المجتمعات على توفير الرعاية الصحية لعشرات الملايين من الأشخاص، كما تقدم الحملة دليلاً آخر على الدور العالمي المؤثر والمهم الذي تلعبه الإمارات في دعم المجالات الأكثر ملامسة لاحتياجات المجتمعات.
وفي إطار الرؤية المبتكرة لسلسلة الحملات الرمضانية، تقدم حملة “وقف الأب”، حلولاً مستدامة لمواجهة التحديات في هذا القطاع من خلال الوقف واستثماره لضمان استمرار الدعم المقدم للرعاية الصحية للفئات والمجتمعات الأقل حظاً، حيث تواصل هذه الحملة التأكيد على دور الوقف كرافد يكفل التدفق الدائم للموارد وتكثيرها عبر الاستثمار لدعم معالجة التحديات المختلفة التي تؤثر مباشرة على جودة حياة الناس واستقرارهم.
حملة “وقف الأم”
وتستكمل حملة “وقف الأب” التطورات النوعية المتواصلة التي رسختها الحملات السابقة، حيث شكلت حملة “وقف الأم” خلال العام الماضي 2024 انطلاقة نوعية جديدة في سلسلة الحملات، سواء من خلال استهدافها المساهمة في ترسيخ القيم المجتمعية عبر تكريم الأمهات، أو من خلال تحقيق هذا الهدف عبر إنشاء صندوق وقفي بقيمة مليار درهم لضمان تدفق الدعم المستدام لقطاع حيوي بتوفير التعليم لملايين الأفراد حول العالم، لترفع سلسلة الحملات الرمضانية بذلك سقف أهدافها في تلمسها لاحتياجات المجتمعات الأقل حظاً حول العالم، من خلال تجاوز المنظور التقليدي المرتبط بالحاجات الأساسية المتمثلة في المأكل والملبس والمسكن والدواء، ليشمل التعليم باعتباره عنصراً أساسياً لا يقل أهمية عن تلك العناصر، كما سجلت حملة “وقف الأم” قفزة جديدة في حجم التفاعل المجتمعي محققة نجاحات فاقت مستهدفاتها من حيث حجم المساهمات المالية وعدد المستفيدين منها حول العالم، حيث بلغت المساهمات فيها أكثر من 1.4 مليار درهم.
حملات إطعام الطعام
وجاء التحول النوعي في حملة “وقف الأم” بعد النجاحات منقطعة النظير التي حققتها سلسلة حملات إطعام الطعام التي تم إطلاقها خلال شهر رمضان الفضيل خلال الأعوام السابقة، والتي شارك فيها مختلف أطياف المجتمع وجاءت نتائجها متخطية المستهدف لها، بداية بحملة 10 ملايين وجبة، التي أطلقت في رمضان 2020 كأول وأكبر حراك مجتمعي تضامني لتوفير الدعم الغذائي للمتضررين داخل الدولة من تداعيات أزمة وباء فيروس كورونا المستجد كوفيد-19، وسجلت مساهمات فاقت 15.3 مليون وجبة، أتت من الأفراد، مواطنين ومقيمين من أكثر من 115 جنسية، ومؤسسات القطاعين الحكومي والخاص.
وشكلت حملة 10 ملايين وجبة نموذجاً عالمياً لسرعة الاستجابة لجائحة “كوفيد – 19” وأحدثت حراكاً وطنياً شاملاً وتضامناً مجتمعياً متكاملاً لتوفير الدعم الغذائي العاجل للمتضررين من تداعيات الأزمة الصحية العالمية، وحازت الحملة في فكرتها وتصميمها وتنفيذها تقدير جوائز دولية مرموقة متخصصة في تكريم المبادرات الأكثر تأثيراً حول العالم، حيث حصدت الحملة 6 جوائز من “كريستا العالمية” و5 جوائز من “شورتي للنفع الاجتماعي”.
وتعد حملة 100 مليون وجبة، التي تم إطلاقها في شهر رمضان 2021، امتداداً لحملة 10 ملايين وجبة، وشهدت انتقالاً من نطاق المحلية إلى العالمية، حيث أرسلت دعوة مفتوحة للأفراد والمؤسسات والشركات داخل دولة الإمارات وخارجها للمساهمة في توفير الدعم الغذائي للفئات الأقل دخلاً في عشرات المجتمعات حول العالم.
ونجحت حملة 100 مليون وجبة في مضاعفة عدد الوجبات التي وزعتها لتصل إلى ما يعادل 220 مليون وجبة تم توزيعها على 30 دولة حول العالم في 4 قارات، من خلال تبرعات 385 ألف متبرع من 51 جنسية، إلى جانب عدد كبير من المؤسسات والشركات.
وشكلت حملة “مليار وجبة”، التي أطلقت في رمضان 2022، أكبر مبادرة من نوعها في المنطقة في المجال الإنساني والخيري، لتوفير الدعم الغذائي للفئات الأقل حظاً من الأفراد والأسر والنساء والأطفال، وذلك في إطار نهج شمولية العمل الإنساني الذي تتبعه دولة الإمارات بتقديم المساعدة والعون لمن هم بحاجة لهما في كافة المجتمعات، وكانت بمثابة مليار رسالة أمل من الإمارات إلى العالم.
وحققت حملة “مليار وجبة” أهدافها خلال أقل من شهر من خلال تبرعات 320.868 متبرعاً ساهموا في توفير الدعم الغذائي في 50 دولة، إلى جانب تدفق المساهمات من الأفراد والشركات ومؤسسات القطاعين الحكومي والخاص ورجال الأعمال ورواد العمل الخيري والإنساني في الإمارات.
وتعتبر حملة “وقف المليار وجبة”، التي تم إطلاقها في رمضان 2023، نقطة تحول كبرى في مسيرة الحملات الرمضانية بانتقالها نحو إنشاء الوقف لإيجاد حلول مستدامة للتصدي للجوع وأسبابه واحتواء تداعياته، وتنفيذ برامج ومشاريع ومبادرات موجّهة، ضمن خطط منهجية ومستهدفات محددة لمكافحة الجوع ومساندة الفئات الأكثر هشاشة في العالم.
وقد شهدت حملة “وقف المليار وجبة”، إقبالاً مجتمعياً واسعاً، وتسابقاً على فعل الخير للمساهمة في توفير الغذاء للفئات الأقل حظاً حول العالم، بما يعبّر عن القيم النبيلة الراسخة في مجتمع الإمارات، حيث نجحت الحملة في جمع مليار و75 مليون درهم مع نهاية شهر رمضان الماضي، كما استقبلت أراض عقارية، وأسهم شركات، ومبالغ نقدية، من الشركات والأفراد، واشتراكات بمبالغ يومية من آلاف الأفراد في المجتمع.