هل «الهايكو» غريب؟

شبكة أخبار الإمارات ENN

علاء الدين محمود
مثل شعر «الهايكو» في تفرده الجمالي حالة صوتيةً ونغماً يبتعد عن الخطاب السياسي داخل النص، فهو لا يحشد متون القصيد بالثورات، ولا يعبئها بالهتاف، ولا يقدم رسالة سياسية أو اجتماعية، وإنما ينصرف نحو الحالة الشعرية مباشرة، محتشداً بالصوت والصور، فتلك هي وسيلته للشعور بالطبيعة ورصد الوقائع الحياتية اليومية، أي أن نص الهايكو يستمد صورة الأشياء وأصواتها ومشهديتها ليعبر عنها، وبذلك فإن نص الهايكو مفتوح للجميع، يستساغ بسهولة، كما ينفتح على العديد من الرؤى والتأويلات.
لا يبدو غريباً ذلك الانبهار عربياً وعالمياً بشعر «الهايكو»، فقد مر بمراحل كبيرة حتى صار في قمة تطور الشعر الياباني، حيث أخذ من فلسفات الشرق التأملية القديمة، خاصة «الزن» والفلسفة البوذية، فصار ذا تأثير عظيم في المشهد الأدبي والشعري العالمي، وأخذ به كثير من شعراء العالم واهتموا به، ونسجوا أشعاراً لهم على منواله، فالهايكو يتمتع بخاصية السهولة والمرونة.
واليوم نجد أن العالم كله يعرف الهايكو، ذلك أن هذا الإبداع الشعري استطاع أن ينساب في كل الثقافات العالمية لكونه ينفتح على آفاق إنسانية وتأملية ويهتم بالطبيعة.
في العالم العربي احتفى الكثيرون بقصيدة الهايكو، وأقيمت العشرات من الأندية والجمعيات التي تروّج له، رغم الجلبة الكبيرة التي أثيرت من قبل بعض الذين أبدوا دهشة من سريان الهايكو في الأوساط الشعرية العربية، سريان النار في الهشيم. إلا أن الطبيعي جداً أن يتأثر الشعراء العرب بالهايكو، فالطبيعة الثقافية والحضارية التي أنتجت هذا النوع من الشعر تبدو قريبة من الثقافة والتراث العربي، فالهايكو يأخذ من الفضاء التأملي والروحي، والغرائبيات والأساطير، وكذا الثقافة العربية التي تغوص عميقاً في الروحانيات، ولئن كان الهايكو هو التقاط اللحظة، فهو الالتقاط ذو البعد الروحي والفلسفي، هو محاولة الإحاطة الخارقة بالصورة والمشهد، ويبدو ذلك الأمر مناسباً جداً في هذا العصر الذي تمر فيه الأشياء سريعة كومضات عابرة، فتجربة الهايكو لا تصلح أن تكون يابانية فقط، هي عابرة للجغرافيا وللثقافات، تتقولب وفقاً لثقافة كل بيئة فتطبعها بطابعها بحسب التراث الروحي والمادي معاً لتلك الجغرافيا.
إن تاريخ الأدب العربي لم يكن يخلو من هذا النوع من الشعر، وربما يعيدنا هذا الحديث إلى أشعار المتصوفة، والفلاسفة العرب، والصور البيانية المتخيلة في نصوصهم التي تحتشد فيها الرؤى، والمواقف الفلسفية والفكرية، التي يتشظى فيها الزمان والمكان، ولطالما احتفى الشعر العربي بالصور واللغة والأخيلة والفكرة الكامنة وراء الصور، أي المعنى، لذلك لا تبدو قصيدة الهايكو عربياً غريبة الوجه واللسان، ولعل الثراء الذي تتمتع به اللغة العربية يضيف إلى قصيدة الهايكو ألقاً وجمالاً.

alaamhud33@gmail.com

Read more

شاهد أيضاً