«هروب اضطراري» ينقل «الأكشن» المصري إلى القمة

شبكة أخبار الإمارات ENN

مارلين سلوم

كلما شاهدنا فيلم حركة، أو أكشن «صناعة عربية» صرف، شعرنا بأن خلطة بهارات الإثارة الحقيقية ناقصة، وأن الجانب الرومانسي له حصة كبيرة، والكوميديا تدخل على الخط لتلطيف الأجواء، وملء فراغ ما، فنستمتع بالمشاهدة وكفى.. إلى أن جاء فيلم «هروب اضطراري» ليقدم الأكشن كما يجب أن يكون، كأنه يقول لك «أنت تشهد ولادة أفلام الحركة الحقيقية في السينما العربية».
من الطبيعي أن يكون النجم أحمد السقا هو متصدر الحملة الترويجية والدعاية الإعلامية، لجذب الجمهور إلى فيلم من نوع الأكشن. فالسقا هو «توم كروز العرب»، والجمهور يحبه في هذه الأدوار، ويثق به، وبأنه يختار الجيد منها. وحين تدخل الصالة، تكتشف أن السقا بطل يقف بجوار مجموعة أخرى من الأبطال، حملوا الفيلم على أكتافهم، وتولوا مسؤولية نجاحه، فاستحقوا الإشادة والتصفيق. هو أدهم الذي يرتدي بذلة من الجلد وينتمي إلى فريق من سائقي الدراجات النارية. يتم القبض عليه بسبب جريمة قتل وقع ضحيتها رجل الأعمال يحيى (محمد فراج)، ويدعي أدهم أنه بريء.
اختار هذا النجم لنفسه طريقاً واضحاً منذ سنوات، سلكه في السينما وفي التلفزيون، فحقق نجاحاً وترك بصمة، بل حفر اسمه، ولا يمكن لأحد أن يمحوه مهما برز من بعده نجوم في العالم العربي في «الأكشن»، والتشويق. الفرق بينه وبين غيره ممن يقدمون هذه النوعية من الأعمال، أنه فنان يسخّر كل طاقاته وقدراته في خدمة موهبته، وفي خدمة الفن الحقيقي. يرفض التزييف، أو ادعاء التمثيل. صادق حتى في بلوغه حد الخطر، مع إصراره على تصوير كل المشاهد بنفسه، وهي مشاهد ليست مفبركة، ولا هي وليدة أجهزة إلكترونية وكمبيوتر، وتقنيات حديثة تجعل من العالم الافتراضي حقيقة على الشاشة. السقا يقفز ويجازف بحياته من أجل تقديم مشاهد تمس الجمهور، وصدقه هذا يفعل فعله فيصدّقه المشاهدون، ويؤمنون بنجوميته، وينتظرونه وينتصرون له في أي عمل يقدمه.
هذه المرة، يمكننا القول إن السقا وصل إلى قمة الأكشن، مع بلوغ السينما المصرية القمة في هذه الصناعة. التشويق في أوجّه كتابة وإخراجاً وأداء. القصة التي كتبها محمد سيد بشير محبوكة كما يجب أن تكون القصص البوليسية الممزوجة بالجريمة والتشويق، بلا عنف ودماء، وبلا مشاهد تنفّر المشاهدين وتقززهم.
محمد سيد بشير تقمص روح الكاتبة أجاثا كريستي، فكتب بأسلوبها الغامض، منذ البداية وحتى النهاية. جعلنا نشكك في كل شخصية، ونترقب المفاجآت في كل حركة، وخطوة. والمخرج أحمد خالد موسى زاد من إحساسنا هذا، وزاد من جرعة المفاجآت باعتماده على مجموعة من النجوم المعروفين والمحبوبين، ليفاجئنا كلما مرت بضع دقائق بظهور شخصية جديدة، نشك في أنها لم تأت عبثاً، أو لتمر مرور الكرام بمشهد صغير، أو لمحة خاطفة. نترقب عودتها فإذا بشخصية ونجم آخر يطل. هم ثمانية أبطال نراهم طوال الفيلم، بينما يتوالى عليهم 13 فناناً بأدوار لها تأثيرها في مسار القصة، علماً بأنها لا تطل إلا في مشهد واحد، أو مشهدين فقط. أضف إلى ال13 فناناً، النجم أحمد حلمي الذي لعب دور طليق ندى، تحدثوا عنه ولم نره إلا في لقطة صغيرة في آخر مشهد من الفيلم.
أحمد خالد موسى حديث الولادة فنياً، لا يتجاوز عمره العامين، ومع ذلك فقد أثبت أنه يملك من الموهبة الكثير، ووصل سريعاً إلى الشهرة والنجاح بفضل رؤيته المتميزة، واجتهاده وعدم الاستسهال والاعتماد على التقنيات. يمشي صعوداً وسريعاً منذ مسلسل «بعد البداية» عام 2015، إلى «الميزان» العام الماضي، و«الحصان الأسود» مع أحمد السقا في رمضان هذا العام. «هروب اضطراري» هو أول أفلامه، ويسجل به دخولاً ماسياً إلى الفن السابع. جعلنا نضحك أحياناً ونقلق كثيراً، ونستمتع منذ أول لقطة وحتى الختام المسك.
أمير كرارة لا يقل شأناً عن أحمد السقا في هذا الفيلم، بارع في التمثيل، تصدقه بسهولة، وتنجذب لدوره (مصطفى تاجر المخدرات) الذي يتم اتهامه أيضاً بالجريمة نفسها. هنا يؤكد أنه صار أحد أبناء السينما المصرية المتفوقين، خصوصاً في أفلام الإثارة. قدم مسلسلات بوليسية فيها الغموض والجريمة، آخرها كان «الكلبش» في رمضان الماضي، ويطل في السينما نجماً قوياً بحرفية أحمد السقا نفسها.
يلفتك في «هروب اضطراري» نجم ثالث، هو فتحي عبد الوهاب المتألق بدور ضابط المباحث عصام الذي يجعلك تكرهه، وتشمئز منه، ومن طريقته في الكلام، ومضغ الطعام، والسخرية ممن يحقق معهم، خصوصاً من زميله الضابط أيمن غالي الذي يؤديه أحمد العوضي.
مع أدهم ومصطفى، تتم مطاردة ندى (غادة عادل)، وإلقاء القبض عليها، وهي موظفة اتصالات في إحدى الشركات، وأم لطفلة صغيرة. كذلك يوسف (مصطفى خاطر) الشاب البسيط المطلوب القبض عليه. يساق المتهمون الأربعة إلى السجن، لكنهم سريعاً يهربون لتبدأ رحلتهم مع البحث عن الحقيقة، وهم يؤكدون أنهم أبرياء، ولا يعرفون بعضهم بعضاً، فكيف يرتكبون الجريمة نفسها، ويقتلون شخصاً يجهلونه؟
القصة تزداد غموضاً وتعقيداً كلما تطورت أحداثها، وهو ما يجعل المشاهد مشدوداً طوال مدة عرض الفيلم، متسمراً منتظراً المفاجآت، محاولاً التكهن، باحثاً مع المتهمين ورجال المباحث والأمن، ومع ملك غالي (دينا الشربيني)، حبيبة أدهم، وشقيقة الضابط أيمن التي تحاول مساعدتهم في الكشف عن القاتل الحقيقي. وتقودنا الخيوط إلى محمود زهران (أحمد زاهر) الذي أدلى بشهادته وورط الأربعة في الجريمة. ومن هنا تبدأ عملية كشف الأسرار حتى تظهر الحقيقة.
مع كل خيط جديد، تظهر شخصية لها علاقة بالجريمة، وما يحدث للمتهمين الأربعة من قريب أو بعيد. روجينا (جارة القتيل وفي الوقت نفسه على علاقة بالمتهم يوسف)، محمود الجندي (محمد والد يوسف)، محمد عادل هو وكيل النيابة، باسم سمرة (جمال)، ونبيل عيسى (طاهر)، وإيمان العاصي (مريم)، ومحمد شاهين (عماد)، هم أصدقاء القتيل يحيى. عزت أبو عوف (مسؤول في المباحث)، بيومي فؤاد (عطية الذي يساعد المتهمين على الهروب)، أحمد وفيق (شاهد)، أحمد فهمي (شاهد) ومحمد نشأت (رجل أمن).
هؤلاء الشباب ومعهم المؤلف والمخرج، هم مجموعة حرفيين قرروا أن ينقلوا سينما الأكشن العربية إلى المستوى العالمي. هذا ما كنا نتمناه منذ زمن، كما نتمنى أن يبقى الباب مفتوحاً للتقدم والتطور أكثر، والوصول بأعمالنا هذه إلى العروض الخارجية، وأن تتم ترجمتها لتصل إلى الشرق والغرب، كما تأتينا أفلام الحركة من السينما الهندية، والأمريكية، وتلقى رواجاً كبيراً في أسواقنا.

نضوج وصناعة حقيقية

ما الذي تغير في السينما؟ أهم تغيير هو النضوج في «فكرة الأكشن»، فصارت صناعة حقيقية تعتمد على حبكة درامية بوليسية فيها جريمة وتشويق بلا استخفاف أو استعجال، فيها صنّاع يدركون أن الإثارة لا تعني مفرقعات وتفجيرات ورصاص وقتل فقط، ولا تعني براعة في الماكياج والاستعانة بأشهر ماكيير «عالمي» أو متخصصين في مشاهد التفجيرات والمطاردات عالميين أيضاً، بقدر ما هي حرفية في الكتابة أولاً، والحبكة المنطقية التي تسرد قصصاً أقرب إلى التصديق وإلى الواقع من الخيال، والهدف منها ليس افتعال أحداث بهدف استعراض عضلات البطل وقدراته الخارقة في القفز والمغامرة، بل إمتاع المشاهدين بقصة منطقية يجبر فيها البطل أو الأبطال على المجازفة بأرواحهم ليبقوا أحياء.

انتعاش بعد موجة هبوط

بعد مرور شهر من بداية عرضه في الصالات المصرية، استطاع «هروب اضطراري» أن يحقق «أعلى رقم في تاريخ السينما المصرية» خلال هذه المدة من العرض؛ حيث تخطى حاجز ال46 مليون جنيه مصري. النجاح لا يعود بالإيجاب على صناع الفيلم من المنتجة ندى السبكي إلى فريق العمل من مخرج وكاتب وممثلين؛ بل على السينما المصرية التي عادت إلى الانتعاش والتقدم خطوات إلى الأمام، بعدما عانت موجة أفلام هابطة، والتركيز على إنتاج كم هائل من الأفلام على حساب النوع والجودة. أعمال نشرت الفساد في الذوق العام، بينما الجيد منها كان قليلاً يعد على أصابع اليد.
«هروب اضطراري»، جذب الجمهور بقوة، ليعطينا الأمل في نهضة سينمائية مع مؤلفين ومخرجين شباب وجدد، بإمكانهم تقديم أفكار مختلفة يجسدها على الشاشة نجوم المرحلة الراهنة وهم كثر.

marlynsalloum@gmail.com

شاهد أيضاً