نيكولاس كيدج: أعشق أدوار المطاردة والرعب

شبكة أخبار الإمارات ENN

محمد رضا
كل عائلة كوبولا كانت تحيط به عندما كان فتى يحلم بأن يصبح ممثلاً.
عمّه هو المخرج الكبير فرنسيس فورد كوبولا. جده هو الموسيقار كارمن كوبولا. عمته هي تاليا شاير (شقيقة فرنسيس فورد كوبولا). أولاد عمه هم المخرجة صوفيا كوبولا وشقيقها رومان كوبولا والمنتج جيان كارلو كوبولا.
رغم ذلك، فإن الممثل الموهوب والناجح نيكولاس كيدج لم يعتمد على أي من هؤلاء ليدخل الفن السابع. خطواته كانت مستقلة باستثناء أربعة أفلام في مطلع ومنتصف الثمانينات مثلّها لحساب عمّه فرنسيس فورد كوبولا، عندما كان نيكولاس لا يزال فتى صغيراً.
والنجاح لم يكن بعيداً عن بداياته تلك، فظهر في «مغادرة لاس فيجاس» وفي «رجل الطقس» و«متوحش في القلب» و«رجال أعواد الثقاب» وكلها حققها قبل أن يبلغ الثلاثين من العمر.
بعد ذلك كان عليه أن يبقى في إطار الأدوار الدرامية التي صفق لها النقاد طويلاً أو التحرر منها، بما يكفي لكي يصبح نجماً شعبياً أيضاً. وهو اختار الحل الثاني وفاجأ الجميع بنجاحه الإضافي، لأن مثل هذا التغيير عادة ما لا يعود على الممثل، الذي يقوم به، بالكثير.
انتقل من الدراما إلى أفلام التشويق والأكشن، وهو سعيد بذلك لأنه يعشقها، ولو أنه ما زال يظهر في أفلام ذات قيمة مختلفة، كما فعل في مطلع هذا العام، عندما شاهدناه في فيلم «سنودون»، الذي يقول عنه «طبعاً لم ألعب دور سنودون كما لابد، لكن أي عرض يصلني من المخرج أوليفر ستون، فإني لا أتأخر. هو أحد المخرجين المفضلين جداً عندي، وظهرت معه سابقاً، وسأظهر معه لاحقاً ما دام يرغب في ذلك».
التقيت به مطلع الشهر الماضي في لوس أنجلوس، وكان اللقاء الثالث بيننا ضمن إطار المؤتمرات الصحفية التي تقيمها «جمعية مراسلي هوليوود الأجانب» لأعضائها.
في البداية، سأذكر عبارة قلتها لي في لقائنا السابق سنة 2013. قلت إنك ترغب في المستقبل القريب في الراحة، والإقلال من الأفلام التي تمثلها. بعد أكثر من ثلاث سنوات، ما زلت تعمل كثيراً. هل عدلت عن رأيك؟
هل قلت ذلك بالفعل؟ لا أذكر. لكن إذا كنت قلته فلابد أنني كنت أعني ما أقول. لا أدري.
أعتقد أن ذلك الحديث ورد بعد أن أنهيت تمثيل أربعة أفلام في ذلك العام من بينها «أرض متجمّدة» و«ذا كرودز»…
صحيح. لكن العمل لم يتوقف. أعتقد أنني أفكر في التوقف عن العمل أو الإقلال منه كلما شعرت بأن العديد من الأدوار باتت متشابهة. خلال السنوات القليلة الماضية ظهرت في أفلام مطاردات، ولعبت دور القاتل ودور الرجل الذي يدافع عن الأبرياء، وعن نفسه أيضاً. وأيضاً كل دور تستطيع السينما تقديمه إلى المشاهدين في نوع أفلام التشويق. طبعاً لا ألوم الأفلام لكن ألوم نفسي إذا ما استمررت للآن أمثل الأدوار ذاتها.
ربما هذا ما يرغبه الجمهور منك؟
هذه نقطة مهمّة. كم ممثلاً تعرف غيّر النمط الذي يقوم بتمثيله، والذي أثار إعجاب الجمهور ونجح؟ أصعب المهام هو أن تقوم بتغيير نمط الشخصية التي نجحت فيها. الجمهور هو هكذا. لديه أرشيف يقول إن هذا الممثل أشاهده، لأنه يؤدي أدواراً كوميدية، وهذا أشاهده لأنه جيد في أفلام الغرام، وذلك أحبه في أدوار المطاردة والتشويق لأنه يجيدها. الجمهور يقبل على ما اعتبره نهائياً في باله، وهذا يجعل التغيير صعباً ليس فقط بالنسبة لي بل بالنسبة للكثيرين جداً من الممثلين.
منذ ذلك الحين وإلى اليوم حافظت على معدل ثلاثة إلى أربعة أفلام في السنة.
هناك كذلك سبب آخر ربما لا تعرفه. أنا أحب العمل. أحب التمثيل. هل تعتقد أن ممثلاً لا يحب التمثيل يستطيع الانتقال من فيلم إلى آخر من دون ملل؟ لا أعتقد.
هل أنت راضٍ عن أفلامك على نحو عام؟
أنا راضٍ عما أقوم به، لكن كيف سيرضى عنه الجمهور أو النقاد، فإن ذلك يخرج عن إمكانياتي الخاصة. أقصد أنني قد أمثل فيلماً جيداً جداً لكن النقاد لا يعتبرونه كذلك. هذا مجال لا أدخل فيه، لأن ما هو جيد أو رديء مسألة نسبية عندي. لكني أقول لك شيئاً: في نحو 40 سنة لم أظهر إلّا في ثلاثة أو أربعة أفلام كان يجب ألّا أمثلها. طبعاً لن أذكر أسماءها.
هل تعتبر نقاد السينما مخطئين في أحكامهم عندما يفضلون أفلاماً فنية على أفلام أكشن ومطاردات؟
لا ليسوا مخطئين في تفضيل أي شيء، إلّا أن لكل فيلم جمهوره الخاص وهناك نقاد تعجبهم الأفلام التي تقوم على التشويق. لكن معظمهم لا يعرف أشياء مهمة جداً لا يعرفها إلّا الممثل. لو سألوني لذكرتها.
مثل ماذا؟
مثل قيامي بتمثيل ثلاثة أفلام رعب متوالية هي «موسم السحرة» و«جوست رايدر: شبح الانتقام» و«القيادة بغضب». مثلتها لأنني أحب (ممثلي الرعب) كريستوفر لي، وفنسنت برايس. اعتبرت هذه الأفلام بمثابة رفع قبعة تحية لممثلين لعبا أفلام الرعب على الشاشة. عندي لا يهم إذا لم ينالا الأوسكار.
إذاً أنت معجب بما تقوم به حتى عندما يكتب النقاد أن هذه الأفلام سريعة ومستنزفة ولا جديد فيها.
بصراحة، ومن دون مواربة، نعم معجب بها. كلامهم عنها صحيح من وجهة نظرهم، لكنه ليس ملزماً.
بين ما مثلته أي أفلام تحبها أكثر من سواها؟
أنا لا أعرف كيف أكون حيادياً. كلها… (يضحك). أنا محظوظ جداً لأني اشتغلت مع أمهر الفنانين في هذه المهنة. أحب الأفلام التي تنجح والأفلام التي لا تنجح كذلك. أشعر بأن لكل فيلم الكثير مما سعدت به. وأنني تعلمت منها جميعاً. أكثر من ذلك أعرف تمام المعرفة أن الأفلام، حتى تلك الصغيرة أو التي لن ترى نور الأوسكار اشتغلها فنانون رائعون. الكثير من الجهد يُبذل في مثل هذه الأفلام.
أغلبية الأدوار التي تقوم بها هي لشخصيات معذّبة أو محبطة. لماذا؟
أعتقد أن السبب هنا راجع إلى أنني في الكثير من الأحيان أجد نفسي متفقاً مع الشخصية التي أقوم بها ومتعاطف مع ما تعانيه. أعتقد أنني أفهم شخصية الرجل المحبط الذي يريد تغيير ما هو عليه أو تغيير جزء صغير من العالم، ولا يستطيع. ليس لأنني هذه الشخصية فعلياً، لكن لأني أفهم دافعها ومسبباتها. أفهم أخطاءها أيضاً.
كيف قررت أن تصبح ممثلاً؟ هل لذلك علاقة بعمك فرنسيس فورد كوبولا؟
لا. كلانا وكل عائلة كوبولا تحب السينما. لذلك الأمر بالنسبة لي طبيعي جداً. طبعاً ساعدني وأنا صغير أن عمّي كان قد بدأ يصنع الأفلام لكن الرغبة في التمثيل كانت في داخلي حتى من قبل أن أشاهد أول أفلامه.
أظن أن أحد أفلامك الأولى كممثل كان في فيلم فرنسيس «رامبل فيش»، أليس كذلك؟
نعم أحدها. الثالث على ما أعتقد. كنت مثلت دورين صغيرين لكن فرنسيس وجد أن هناك فرصة في ذلك الفيلم لمنحي أحد الأدوار. لأنه كان يحتوي على عدد كبير من الممثلين الشبان، وكنت في السن المناسبة لأكون بينهم.
ثم مثلت تحت إدارة عمّك فيلمين آخرين ثم توقفت عن التمثيل معه. ما السبب؟
مثلت ثلاثة أفلام أخرى بعد «رامبل فيش» وليس فيلمين. لكن السبب هو أنه كان من الطبيعي أن أنفصل عن أعماله لكي أشق طريقي على نحو منفرد. سألتني إذا كان قيامي بالتمثيل له علاقة بعمي، وقلت لك ساعدني، إنه كان يعمل في السينما، إلّا أن أي ممثل ذكي وأي مخرج عبقري مثل فرنسيس سينصح قريبه بأن يبحث عن فرص أخرى ومخرجين آخرين سواه. وهذا ما فعلته حتى من قبل أن أمثل معه الأفلام الأخرى «كوتون كلوب» و«سو تتزوج». والأدوار الأكثر نجاحاً بالنسبة لي كانت تلك التي مثلتها من بعد مرحلة أعمالي مع عمي. هذا غريب بعض الشيء لكنه صحيح.
قيل إنك ساعدت جوني ديب في مطلع حياته الفنية في هوليوود. هل هذا صحيح؟
لا. هذا غير صحيح. ليس عندي فضل على مسيرة جوني ديب على الإطلاق. في 1983 أو1984 تقريباً تعرفنا إلى بعضنا البعض. جاء إلى هوليوود ليجرب حظه في كتابة موسيقى الأفلام وتعرفت إليه وكل ما كُتب عن أني ساعدته على أن يصبح ممثلاً ليس صحيحاً. الذي حدث هو أنني قلت له ذات مرّة «لماذا لا تفكر في التمثيل. يجب أن تصبح ممثلاً». قال لي «لا أعرف كيف أمثل». قلت له «بل تعرف لكنك لا تعرف أنك تعرف».
لكنك أرسلته على ما أعتقد لوكيل أعمالك.
نعم. لكنه من تلك اللحظة وصاعداً لم يعد لي أي دور في حياته. التقى وكيل أعمالي ولم أعرف ما دار إلّا فيما بعد، والرجل ارتقى الشهرة سريعاً جداً.
ذكرت أنك تحب كل الأفلام التي تمثلها، لكن إذا ما سألتني فإنك في بعض أفلامك، مثل «ويندو وكر» و«رجال أعواد الثقاب» و«سيد الحرب» كنت أفضل من أدوار أخرى لك. هذا ربما يعود إلى أنك تعرف قيمة النص الذي يصلك وتبني شخصيتك عليه. هل تعتقد أن هذا الاستنتاج صحيح؟
نعم لكن الممثل عليه قبل كل شيء أن يبني شخصيته على النص. حتى يفعل ذلك، عليه أن يعرف كيف يقرأه. ما يحدث عندما أقرأ سيناريو مثل «سيد الحرب» مثلاً هو أن الشخصية التي سأؤديها تبدأ بالتكوّين عندي مبكراً. ربما من الصفحة العاشرة أو الخامسة عشرة. لأن هذا ما يبني عليه كاتب السيناريو شخصية البطل بالتالي تبدأ في الوصول سريعاً. مع نهاية قراءتي للسيناريو أصبح على دراية كاملة بالشخصية التي سأقوم بها.
هل تحاول إضافة معلومات أخرى ربما من مصادر واقعية؟
أحياناً كما الحال في «سيد الحرب». أصبت في اختيارك لهذا الفيلم كمثال، لأنه يدور حول تاجر سلاح، وهو أمر يعني أن عليّ معرفة أشياء عن تصرفاتهم وآرائهم فيما يقومون به سواء استخدمت ذلك، أو لم تستخدمه. المهم أن يكون لدي فكرة.
أي من أفلامك المقبلة أنت أكثر حماساً له؟
هناك مشروع تأخر تنفيذه، لكنه الآن صار جاهزاً عنوانه «رقم 211». إنه عن عملية سرقة كبيرة. عندما قرأت المشروع قبل عامين، فكرت في إنتاجه لكنه لم يكن يحتاج لمنتج، بل كان يحتاج لممثل يقوم بالدور الرئيسي وتحمست له على الفور.

شاهد أيضاً