ندوة لـ«تريندز»: أوروبا والشرق الأوسط وشمال أفريقيا بحاجة لحلول مبتكرة لمواجهة التحديات والصراعات القائمة والمحتملة

شبكة أخبار الإمارات ENN

أكد خبراء وباحثون ومتخصصون أن دول الاتحاد الأوروبي ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تواجه تحديات مشتركة وتهديدات غير تقليدية، مما يتطلب نماذج متعددة الأطراف للتعامل معها، تقوم على التعاون الإقليمي وبناء الثقة، إلى جانب تعزيز الحوار البناء والشراكة الاستراتيجية للنهوض بالسلام وتحقيق الأمن والازدهار العالمي والإقليمي، وذلك في ظل التداعيات السياسية والاستراتيجية لعالم سريع التطور.

وأشاروا إلى أن دول المنطقتين بحاجة إلى التحرك المشترك لمواجهة ظاهرتي التطرف والإرهاب، وتعزيز التعاون الاقتصادي المشترك، والوصول إلى حلول مبتكرة وفاعلة للصراعات القائمة والمحتملة، وتأسيس شراكات استراتيجية في البحث والتطوير، مما يعزز فرص التنمية المستدامة، ويقلل الفجوة التقنية.

جاء ذلك ضمن ندوة «فرنسا والاتحاد الأوروبي ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.. أفكار جديدة للعلاقات الدولية في النظام العالمي المقبل»، التي عقدها مركز تريندز للبحوث والاستشارات في قاعة الشرف الدولية بالقصر الكبير في باريس، على هامش مشاركته الثانية في معرض باريس الدولي للكتاب، وقدمت للندوة روضة المرزوقي، الباحثة، ومديرة إدارة التوزيع والمعارض في «تريندز»، وأدار النقاش زايد الظاهري، الباحث وأخصائي المعارض في «تريندز».

تحديات مشتركة

واستهل الندوة الدكتور محمد عبدالله العلي، الرئيس التنفيذي لمركز تريندز للبحوث والاستشارات، حيث قال في كلمته الترحيبية، إن التحديات المشتركة التي تواجه المنطقتين الأوروبية والشرق أوسطية لم تكن بهذا الكم من التداخل والتعقيد والخطورة مثلما هي الحال اليوم، مضيفاً أن الصراعات العسكرية المباشرة عادت بقوة لتهدد أسس الاستقرار والأمن في المنطقتين، بالتزامن مع تفاقم التهديدات غير التقليدية، مثل الهجرة غير النظامية، والإرهاب الدولي، وغيرهما.

وذكر أن هذه التحديات تأتي في ظل بيئة دولية غير مواتية، يسودها التنافس والصراع، مع اتجاه القوى الكبرى إلى إعلاء مصالحها، وتطبيق سياسات حمائية وجمركية أشعلت حرباً تجارية غير معروف بَعدُ حدود تأثيرها على السياسات التنموية والعلاقات الاقتصادية الدولية، وفي ظل سباق عالمي مستعر في مجال التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي.

تجاوز الأطر الكلاسيكية

وأكد الدكتور محمد العلي أن هذه التحديات المشتركة تُبرز الحاجةَ إلى التفكير في أبعاد غير تقليدية للعلاقات بين أوروبا ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بما يتجاوز الأطر السياسية والأمنية الكلاسيكية، وبما يحفظ مصالح الجانبين في الأمن والازدهار والسلام، في مستقبل يكتنفه عدم اليقين.

وبين أن مستقبل العلاقات بين الاتحاد الأوروبي ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا سيتحدد بناءً على مدى القدرة على إعادة تعريف هذه العلاقات، كتحالف استراتيجي متعدد الأبعاد، ومثل هذا التحول سيعزز الاستقرار ويعيد صياغة العلاقة بين المنطقتين كشراكة متكافئة في نظام عالمي جديد.

تنويع الشركاء الاستراتيجيين

من جانبه، أكد نيكولاس ميشيلون، المؤسس ورئيس تحرير «آسيا باور ووتش»، أن الفرص والأولويات في عصر الذكاء الاصطناعي متعددة ومتنوعة أمام دول أوروبا ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ضارباً مثالاً بالرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والتي كانت تستهدف الصين، ولكنها اضرت بالعالم أجمع، فالرسوم ليست مبرر اقتصادياً، ولكنها بمنزلة منبه للعالم، خاصة دول الاتحاد الأوروبي بأن هناك بدائل أخرى متاحة غير الولايات المتحدة الأمريكية، وينبغي على أوروبا اتباع نهج تنويع الشركاء الاستراتيجيين أسوة بدول الخليج العربية.

وذكر أن هناك العديد من المؤشرات الإيجابية في الاتجاه الصحيح، ومنها نهاية مرحلة التعريفات الجمركية على السيارات الكهربائية الصينية في الاتحاد الأوروبي، وتفعيل اتفاقية التجارة الحرة الجديدة بين الاتحاد الأوروبي ودولة الإمارات، والانفتاح الفرنسي على السعودية ومصر، خاصة في مجالات الصناعات الدفاعية، والبنى التحتية، وانتقال طاقة الهيدروجين، والتكنولوجيا العميقة، والذكاء الاصطناعي، إلى جانب اعتراف فرنسا بسيادة المغرب على الصحراء المغربية.

وأضاف أن هناك المزيد الذي يجب القيام به وبسرعة، حيث يجب إزالة الحواجز التجارية بين أوروبا ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وفي الوقت نفسه يجب على الاتحاد الأوروبي أن يستعيد جاذبيته كوجهة للاستثمار من خلال توفير البيئة التنظيمية، والسياسة المالية، وتعزيز الوضوح السياسي.

عوامل أوروبية داخلية

من جهتها، تحدثت آن غاديل، زميلة باحثة في المؤسسة المتوسطية للدراسات الاستراتيجية «FMES»، واستشارية متخصصة في الشؤون الجيوسياسية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، عن العوامل الأوروبية الداخلية ودور فرنسا في تشكيل السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مبينة أن الانقسامات وسيطرة السياسة الداخلية في دول الاتحاد الأوروبي تُعيقان ترسيخ رؤية استراتيجية طويلة الأمد للاتحاد الأوروبي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

وأضافت أن الاتحاد الأوروبي تقدم وتعمق في مواجهة الصدمات، ولعل الصدمة الحالية التي يمر بها الاتحاد الأوروبي تُمهد الطريق لشراكة متجددة وأكثر ثقة مع جواره الجنوبي، موضحة أن مصطلح «السيادة الاستراتيجية» يُعد علامة فرنسية مميزة، وقد يكون مصدر إلهام لتعزيز التعاون مع منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

انعكاسات استراتيجية

أما عبدالعزيز الشحي، الباحث الرئيسي، ونائب رئيس قطاع البحوث في «تريندز»، فاستعرض بعض المحركات الرئيسية والانعكاسات الاستراتيجية التي تحدد مستقبل العلاقات بين الاتحاد الأوروبي ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، موضحاً أن المنطقتين ليستا جارتين باختيارهما، بل شريكتان بحكم الضرورة، ولطالما كان البحر الأبيض المتوسط ملتقى للإمبراطوريات والأفكار، والآن ملتقى للتحديات المشتركة.

وأشار الشحي إلى أن علاقة الاتحاد الأوروبي ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لا تقتصر على الدبلوماسية فحسب؛ بل تشمل الرخاء المشترك في عصر تغير المناخ والتحديات الجيوسياسية والتحول التكنولوجي، كما يُهدد عدم الاستقرار الجيوسياسي والتصعيد العسكري في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بعرقلة التقدم، فعندما تُعطل صواريخ «جماعة الحوثي» حركة الشحن في البحر الأحمر، تُواجه المصانع وخطوط التجارة الأوروبية تأخيرات، ولا يُمكن اعتبار هذه التحديات صراعات خاصة، ولكنها تطال العالم أجمع ويجب تعزيز العمل المشترك لحلها والتغلب على آثارها.

«محاربة الإرهاب»

وفي سياق متصل، يواصل مركز تريندز للبحوث والاستشارات جولته البحثية في العاصمة الفرنسية باريس، حيث سيعقد مؤتمراً تحت عنوان «محاربة الإرهاب في حقبة الذكاء الاصطناعي»، بمشاركة نخبة من البرلمانيين والخبراء الدوليين في فرنسا وأوروبا، وذلك في مقر مجلس الشيوخ الفرنسي بقصر لوكسمبورغ. كما تستمر مشاركة «تريندز» في معرض باريس الدولي للكتاب، حيث يستقطب الجناح عدداً كبيراً من الزوار، الذين ثمنوا إصدارات وبحوث ودراسات المركز، خاصة التي تناقش وتحلل أفكار وأيديولوجيات الجماعات المتطرفة والتنظيمات الإرهابية.

شاهد أيضاً