محاولة لمحو الفلسطينيين

رامونا وادي *

أعلن المجتمع الدولي مراراً، وتكراراً، أنه لن يقبل أي تغييرات في القضايا المتعلقة بفلسطين، والتي تم التوصّل إلى إجماع عالمي بشأنها. والقرار الذي اتخذته الولايات المتحدة من جانب واحد، للاعتراف بالقدس عاصمة ل«إسرائيل»، أحد الأمثلة على ذلك؛ وكذلك الموقف الحالي المتعلق ب«صفقة القرن» التي طرحَها دونالد ترامب، مقابل تسوية الدولتين، على الرغم من أن بعض قادة العالم تقبَّلوا فكرة إمكانية العمل مع الولايات المتحدة على «خطة السلام»، إذا تمّ تضمين نموذج الدولتين فيها.

وقد أعلنت وسائل الإعلام «الإسرائيلية» مؤخراً، أن تقرير حقوق الإنسان الصادر عن وزارة الخارجية الأمريكية في ما يخُصّ «إسرائيل»، والضفة الغربية وغزة المحتلتيْن، أشار إلى الفلسطينيين الذين يعيشون في القدس المحتلة باعتبارهم «سكاناً غير «إسرائيليين»». ووصفت صحيفة ««إسرائيل» هَيوم» هذا الادعاء من قِبل إدارة ترامب بأنه يزيل «اللغة المثيرة للجدل». وأوضح مسؤول أمريكي لم يذكر اسمه، القرار على النحو التالي: «الهدف من هذا التقرير هو زيادة الدقة إلى أكبر قدْر ممكن. وكان توخّي الدقة والالتزام بالحقائق، السّمة المميزة للسياسة الخارجية لهذه الإدارة».

والاستعمار دأبه تعكير المفاهيم، والإزالة، والمحو، وهو ما شرع في تحقيقه وعد بلفور، والمجتمع الدولي، وفي الآونة الأخيرة الولايات المتحدة، بالنيابة عن «إسرائيل».

والهدف من تقرير وزارة الخارجية الأمريكية، التوافق مع صفقة القرن، والخطوات التي اتخذها ترامب. وهو يعزز تفتيت الهوية الفلسطينية، التي ليست بدعة سياسية.

وقد عُبِثَ بالهويّة الفلسطينية أيضاً من قِبل المجتمع الدولي، وإسهامه في تفتيت فلسطين. واستُعيض عن اسم الجمع «فلسطينيين» بتعبير آخر، وعلى سبيل المثال، غالباً ما يُستعمل وصف «غَزِّيّين» عند الإشارة إلى الفلسطينيين الذين يعيشون في غزة، حتى على الرغم من أن معظمهم لاجئون من أماكن أخرى في فلسطين، لا من القطاع السّاحلي المحاصَر. واستعارة من الرواية الاستعمارية، عادة ما يُستعمل وصف («الإسرائيليين» العرب للإشارة إلى مواطني «إسرائيل» الفلسطينيين).

وأصبح مثل هذه التعبيرات جزءاً من الرواية السائدة حول فلسطين، وهي تُستعمل من دون تساؤل عن الآثار المترتبة عليها، إلى درجة أنها تسرّبت أيضاً إلى مفردات النشاط المؤيد لفلسطين. وإذا غاب التماسك داخل المجتمع الدولي، وفي أوساط الناشطين بشأن استخدام المصطلحات لتحديد وتوكيد الهوية الفلسطينية، فمن غير المحتمل أن تواجه الولايات المتحدة، و«إسرائيل» أيّ معارضة معقولة لجهودهما الرامية إلى القضاء على الفلسطينيين كشعب ذي خصائص واضحة.

ومن هنا، يتواصل محْو فلسطين، والفلسطينيين، بينما يتراجع هُزْء المجتمع الدولي السابق بترامب وخطابه الهاذر، إلى الخلفية.

* باحثة وصحفية مستقلة- موقع: «إنْفورْمْد كومِنْت»

شاهد أيضاً