كنفاني.. ذاكرة لم تنطفئ

شبكة أخبار الإمارات ENN

عثمان حسن

كان بسيطاً بساطة الضوء، واضحاً وضوح الشمس، وهو الذي قال يوماً «ليس بالضرورة أن تكون الأشياء العميقة معقدة، وليس بالضرورة أن تكون الأشياء البسيطة ساذجة».. ذلك هو غسان كنفاني الكاتب الفلسطيني والعربي الذي تصادف هذه الأيام ذكرى وفاته.
في ذكرى وفاة كنفاني، هل لا يزال للمقاومة الثقافية وهجها؟ من المؤكد أن ذاكرة كنفاني لم تنطفئ بعد، وأن مساحة حلمه في «الخزان»، و«رجال تحت الشمس» وغيرهما من الأعمال هي مساحة حرة، لم تفقد شحنتها الوجدانية بعد، وبوسع القارئ أن يستعرض التاريخ الثقافي والحضاري لأي أمة ليخلص إلى نتيجة حتمية ليست في مصلحة الغزاة بالطبع، لقد كان العربي شديد الاعتزاز بحضارته التي علمت الآخرين الكثير، رغم ما فيها من هنات ومنعرجات، غير أن العقل والوجدان الجمعي، ما فتئ ينسجم دائماً مع منطق التاريخ، بوصفه يجسد عظمة البشر، ودفاعهم عن كينونة وحق الفرد في وطن، ولغة، وحرية، وحلم منشور على كبرياء وشموخ البحر الأزرق.
من قتل كنفاني، لم يقتل حلمه بكل تأكيد، فقد ظل ناصعاً لأنه عاش حياته كاملة، مفعمة بكل لحظاتها الفاصلة في تاريخ قضيته، هذه العميقة حتى العظم، والجارحة كدمعتين تسيلان على محجر محترق.
هل يمكن اكتشاف كنفاني الآن؟ من قبل اكتشفه محمود درويش حين قال: «لدى قراءة كنفاني اليوم نكتشف، أولاً، ودائماً، أنه في عمق وعيه كان يدرك أن الثقافة أصل، من عدة أصول للسياسة، وأنه ما من مشروع سياسي من دون مشروع ثقافي».
وبعيداً عما كتب كنفاني من أعمال روائية وقصصية ومسرحية، لنا أن نتأمل مذكراته، هذه الطافحة بالرقة، ولنتوقف عند واحدة كتبها في يناير/كانون الثاني 1960، حيث يقول: «فكرت في كتابة قصتين، الأولى قصة إنسان مخذول، خذلته القيمة التي اعتقد أنها مقياس الحياة الوحيد، وإذا هي قيم لا تعتبر في عالم الحضارة المعاصر».
أي ألم، وأي خذلان يصفع إيمان إنسان بمثل هذه القيم؟ هو ما أدركه كنفاني في وقت مبكر حين قال «إنه لا يساوي شيئاً».
أما قصته الثانية، فتشبه الأولى، وهي عن مثقف فقد ذراعه في اعتداء غادر، وحين خرج من المستشفى، اكتشف أنه مرفوض من قبل الحياة التي لا تعترف بالضعف.
نعم، لقد وعى غسان مبكراً مثل هذه المعاناة، فكان كبيراً في كل ما كتب، وكان عظيماً، ومنتفضاً بكبرياء يقاوم الخذلان، وبطاقة إيجابية في كل ما تركه من أعمال.

ohasan005@yahoo.com

Read more

شاهد أيضاً