في عرض لتجربته في توثيق التاريخ الشفهي وذاكرة المكان في الامارات : عبدالله عبدالرحمن يكشف عن خصوصية الصلة الوفية مع المعمرين

شبكة أخبار الإمارات ENN

اي ان ان / عبدالرحمن نقي البستكي / ابوظبي : استضاف اتحاد كتاب وادباء الامارات في ابوظبي الكاتب والاعلامي الاماراتي عبدالله عبدالرحمن في امسة ادبية بعنوان ” تجربته في توثيق التاريخ الشفهي وذاكرة المكان في الامارات ” في قاعة الاتحاد في المسرح الوطني وقدم للكاتب نجله محمد عبدالله عبدالرحمن بحضور الاديب حبيب يوسف الصايغ امين عام الاتحاد العام للكتاب والادباء العرب رئيس الاتحاد الاماراتي والشاعر سالم بوجمهور القبيسي رئيس فرع الاتحاد بابوظبي وجمع من المهتمين والمثقفين.
وقال عبدالله عبدالرحمن : إن تجربتي في توثيق التراث والثقافة الشعبية وذاكرة المكان وثمارها المنشورة في سلسلة كتبي ( الإمارات في ذاكرة أبنائها) واصدارات ومخطوطات أخرى – بجانب الإنتاج الإذاعي والتليفزيوني والوثائقي ، هي في الأصل صحفية كان قد انطلقت في السابع من يوليو عام 1984 حيث بدأت صفحات (فنجان قهوة) تطلّ على قارئها بشكل أسبوعي متواصل على مدى 4 سنوات تقريبا وعبر صحيفة (الاتحاد) الإماراتية حيث كنت أعمل فيها نائبا لمدير التحرير ، وكانت هذه الصفحات متنقلة بين أرجاء مناطق كل الإمارات، تخوض عباب البحر وتعبر السلاسل الجبلية،وتخوض بحر الرمال ، مروراً بالمدينة والقرية دون كلل أو ملل، متجاوزة كل الصعاب والعقبات والمتاعب والمشاق والمواقف بتفاصيلها المثيرة والمتنوعة التي لا مجال لتحديدها هنا.
وتابع : ثم بدأت أنشر سلسلة أخرى بعنوان موسوعة الوطن في أوائل التسعينات ، ولم تتوقف الإهتمامات التوثيقية تلك ليبقى التراث هو ” المتصل ” الحي الذى ينحدر مع الأجيال من الماضى إلى الحاضر ويتجه صوب المستقبل فى تدفق مستمر، فهو كما يتفق على تعريفه الباحثون هو تركة الأجيال الماضية ، وهو يتنوع فى عناصره المادية والمعنوية والحضارية لدرجة يصعب حصر أنواعه وأشكاله ، فمنه ما يتصل بالعلم والمعرفة ، ومنه ما يتصل بالمعتقدات والفن والأخلاق والصناعات والحرف، ويدخل فى التراث كل ما يكتسبه المجتمع من سلوكيات وخبرات وأفكار متراكمة عبر العصور ، وهى تنتقل من جيل إلى جيل عن طريق اللغة والتقليد والمحاكاة والتعليم والتعلم .
وعن خصوصية الصلة الوفية مع المعمرين اوضح انها كانت متمثلة في حصيلة ما يتم توثيقه من مواد التاريخ الشفهي لمجتمع الإمارات وتراثه الشعبي هي بمثابة إعادة للإعتبار الإنساني والإجتماعي والثقافي والفكري والنفسي والوجداني لهذه الفئة من صناع التاريخ والتراث العريق لماضي حركة الحياة على أرض الإمارات برا وبحرا ، تلك التي كادت المتغيرات على كافة المستويات أن تحيل غالبيتها تقريبا إلى الهامش والنسيان – حضورا وإنتاجية وأدوارا وحيوية – وبرحيلها خسرنا ثروة الذاكرة والثقافة الشعبية الحيوية الزاخرة ، وعلى كل حال فإن ذاكرة الكنوزالبشرية الحية ستبقى خير تعبيرعن قيمة وحصاد هذه الصلة التي كانت ومازالت واجبة الوفاء بآبائنا وأجدادنا ، وهي ترسم لنا صورة (بانورامية) مثيرة عبر شريط الذكريات الممتد على مدى العمر والذاكرة للرواة من بين (الستين والمائة سنة) ومنذ (أواخرالقرن التاسع عشر وصولا إلى أواخر القرن العشرين) على الأقل .
واضاف عبدالله عبدالرحمن : إننا في مجالسة الأحباء من الأجداد والآباء ذكورا وإناثا متفرقين بين الفئات والشرائح الإجتماعية ، على الإهتمامات والخبرات والتجارب والسيرة والمأثورات والذكريات .. نغوص معا بشوق ومحبة وحميمية وحنين إلى أعماق الماضي المتصل بحبل الذاكرة ومسيرة رحلة حياة الإنسان في مجتمع الإمارات القديم على كل المستويات ومختلف الفعاليات والحراك والظروف المعيشية وتقلباتها ومتغيراتها وتراثها المادي والمعنوي برا وبحرا عبرالسنوات والمحطات والمراحل الزمنية المتتالية خلال أكثر من مائة سنة ماضية ترصد ملامحها الذاكرة بوضوح وتفصيل حينا أوبإشارات وإضاءات متقطعة أحيانا أخرى وعلى الباحثين مسئولية التغطية والتكملة .
وتابع : وفي مجالس الذكريات والرحلة الحيوية الحافلة والنابضة بالحياة مع سيل الذكريات.. يمكننا أن نجوب الإمارات شبرا شبرا ونعيش في الصحراء مع البادية بين الحل والترحال وفق متغيرات المواسم السنوية ، ونتسلق الجبال ونجوب الأودية و ” الوعوب” و”الحيور” الزراعية ، ونغوص في أعماق “هيرات” اللؤلؤ ونعيش رحلتنا الصيفية البحرية السنوية بعيدين عن عوائلنا المنتشرة بين واحات النخيل و”مقايظ” الإمارت العليلة لشهور أربع، ومن ثروات الخليج العربي السمكية نتغذى أشهى أنواع الصيد الوفير ، ونفرد الأشرعة في البحار والمحيطات نحو الهند والسند وسواحل شرق افريقيا ونجوب المؤانئ القريبة والبعيدة للنقل البحري والتجارة الخارجية وعلى رأسها انتاجنا المحلي الوفير من اللؤلؤ الطبيعي ومنتجاتنا البيئية الأخرى ، وتستقر بنا الرحلات في المدن الساحلية وعلى الأخوار وفي المصايف والواحات والبراحات ، وندخل البيوت ومجالس الكرم والضيافة والكتاتيب والمدارس الأولى شبه النظامية وحلقات العلم في المساجد ومجالس العلماء والقضاة والحكام والأعيان والعامة والمكتبات الشخصية ونجول في “العرصات” والأسواق الشعبية ونصل إلى الحرفيين وصناعاتهم ، ونشارك في المناسبات ونمارس العادات والتقاليد الشعبية المأثورة للبادية والحضر ونسمع اللهجات والشعر والحكاية الشعبية والقصص والروايات المتوارثة ، ونتذوق الأكلات الشعبية ونشرب لبن “الخلفات” والأبقار ونتغذى صناعات الأمهات والجدات اللبنية ، والعسل الطبيعي ونأكل لحوم صيد البر والبحروثروات المراعي من الإبل والماشية والخرفان ، ونرتشف فناجين قهوة الحياة (المرة) في الغالب والتي قنادها التمر.. سواء كنا على ظهور المحامل البحرية أو المطايا أوالحمير أومشيا وتسلقا على الأقدام ، أومجتمعين في عريش الصيف والخيم الشتوية أو تحت ظلال الأشجار أو في بيوت الحجارة والصخورالجبلية أو في مخازن الجص والطين تلفحنا النسمات العليلة عبرفتحات براجيل الهواء .. وبين هذا وذاك عالم من التراث والمأثورات ، ولكن (ياما حلى الفنجان في رأس متلال.. في مجلس مافيه نفس ثقيلة – هذا ولد عم وهذا ولد خال – وهذا صديق مالقينا مثيله).
وقال : يبقى السئوال الأخير حول أهم مخرجات توثيق التراث والحفاظ على الكنوز البشرية الحية للتأكيد على أن الذكريات حافلة بما لم ولايخطر بالبال من العجائب والغرائب والحقائق والوقائع ، ولكن الأهم هو الإنسان – الطفل والمرأة والرجل – الفرد والأسرة والمجتمع بين الحرص والجدية والتعاون والتكافل والمسئولية المشتركة على التربية والتدريب لبناء الشخصية السوية والصفات الملتزمة في عرف المجتمع وعاداته وتقاليده ، وبين التشبث بالحياة والصراع من أجل البقاء وتنوع المهارات والكفاءات والخبرات المهنية والإنتاجية والتشوق والسعي للتعلم والمغامرة والبحث عن الجديد والتحري عن الحلال والحرام والنافع والضار والتنافس الشريف والقدرة على التكيف والصبر والحلم والقوة والشدة واستثمار الطاقات والقدرات البدنية والحواس والملكات الفكرية والتوازن النفسي وقبل هذا وذاك قوة الإيمان واليقين والتوكل على الله وإلإلتزام بالصلوات والعبادات والمشاعر الدينية قدر المستطاع والعلم إضافة إلى عناصر وصفات ومخرجات أخرى سوف يرصدها الباحثون عن صفات إنسان الإمارات في سياق رحلته مع الذاكرة الشعبية .
وعن اصداره ( ذاكرة المكان في الإمارات) قال : اتخذت هذه الرحلات دعوات القائد المؤسس الشيخ زايد طيب الله ثراه شعارا لها ، وهي دعوات موثقة بمختارات من أقواله المأثورة للأبناء بالإرتحال الإستكشافي والمعرفي في ربوع الوطن ، واستهدفت هذه الرحلات المسحية الميدانية البحثية المصورة التي انطلقت في أوائل التسعينات من القرن الماضي – توثيق ذاكرة المكان في الامارات ، وشملت مختارات من مواقع دبيب الحياة في ربوع الدولة الرحبة بين البر والبحر والجبل لتروي وترصد حكايات الحنين والحب عن الأرض والإنسان والزمان في القرى والمناطق النائية والجزر البحرية وفي مراكز الإستقرار والإنتشار السكاني للبادية والحضر بين الماضي البعيد والقريب وبدايات متغيرات الحاضر الزاهر والزاخر. وبحكم خبرتنا الصحفية الميدانية والبحثية التوثيقية فإن مواد هذه الرحلات التي غطت أكثر من 90 موقعا نموذجيا غنية من النواحي الجغرافية والتضريسية والبيئية والحياة الفطرية النباتية والحيوانية إضافة إلى الجوانب الآثارية والتاريخية والتراثية والثقافية الشعبية ومعلومات أخرى ثرية ومثيرة تمثل أرضية انطلاق للأبحاث والدراسات المتخصصة مع الأخذ في الإعتبار القيمة الإعلامية والتوثيقية والوطنية والثقافية لمثل هذا المشروع وحصيلته الميدانية من المواد واللقطات الفوتوغرافية البديعة . وقد كتبت النصوص باسلوب أدب الرحلات جمعا بين الكلمة الموثقة بالرواية الشفهية والمصادر المرجعية كلما توفرت والتحقق والمعاينة والإنطباعات والوصف وبين المختارات الوفيرة من الصور الملونة لمعالم وعناصر الحياة الطبيعية والأصالة والمعاصرة في مادة كل قرية أو منطقة أو موقع . وبجانب هذه الرحلات فإن الكتاب ستتضمن صفحات آثارية وتاريخية تقدم للقارئ بإسلوب صحفي مبسط تغطيات وأبحاث ملخصة ومركزة كخلفيات من التاريخ الحضاري المبكروالحديث لذاكرة المكان وآثارالإنسان ورحلة الحياة على هذه الأرض عبرالزمان ، جدير بالإشارة إلى أن أبوظبي ستكون حاضرة ضمن مواد هذا الكتاب بشكل بارز خاصة المنطقة الغربية ، وأغلب مواد هذا المشروع نشرت في أوائل التسعينيات من القرن الماضي على صفحات الإتحاد الإسبوعي بعنوان ( موسوعة الوطن) وبعضها في صفحات من (دفاتر الوطن)- إضافة إلى صفحات رمضانية متخصصة وأخرى في جريدة الخليج بعنوان ( الخليج تبحر في أعماق الوطن ) وكذلك في جريدة البيان بعنوان ( إضاءات من التاريخ الإسلامي في الإمارات) وغيرها.
وعن نتائج العمل انه يستفاد من حصيلة هذه الرحلات في إصدار سلسلة أجزاء من كتب (( ذاكرة المكان في الإمارات )) وجمعا بين الكلمة الموثقة بالروايات الشفهية والمصادر والبحث المرجعي المتاح وخلاصة الزيارات الموقعية المباشرة والمعاينة والوصف والانطباعات المكتوبة وبين المختارات الوفيرة من الصور الملونة لمعالم وعناصر الحياة وشخصية المكان وخصوصيات الموقع أو المنطقة المختارة للرحلة جغرافيا وتضريسيا وحياة فطرية ثم تاريخيا واثاريا وتراثيا وصولا إلى المتغيرات والتطورات التنموية المعاصرة , وذلك بتجسيد معطيات الأصعدة المعيشية والحضارية المختلفة في كل موقع ومادة فان متوسط حجم الموضوع الواحد يقدر له بين 25 – 30 صفحة مطبوعة وإذا ما اقترحنا 25 موقعا مختارا جمعا بين الكلمة والصورة كمادة مناسبة للكتاب الواحد فان حجم الإصدار الواحد لسلسة أجزاء (ذاكرة المكان في الإمارات ) المقترحة ستصل إلى قرابة (750 صفحة ) جاهزة للطباعة والنشر ، وتوفر نتائج العمل البحث الميداني والمسح الوثائقي مواد معلوماتية ثرية عن مناطق الإمارات المختلفة المترامية الأطراف والتي تصلها هذه الرحلات .. يمكن فرزها وتكشيفها وتصنيفها وحفظها الكترونيا كمرجع وكقاعدة بيانات معلوماتية تخدم كثير من أغراض البحوث المستقبلية ، وتوفير أرشيف من الصور التراثية والبيئية و الاثارية والحضارية القديمة والحديثة من الميدان عن مختلف المعالم والمناطق التي تصلها رحلات المشروع برا وبحرا وجوا مع الشروحات (كلام الصور ) .
(ذاكرة البحر)
وعن اصداره (ذاكرة البحر) ونصوصها قال : هي سلسلة حلقات صحفية نشرها الباحث على حلقات في مجلة الظفرة الظبيانية وقد اختيرت لتفوز بجائزة الصحافة التخصصية ضمن جائزة الصحافة العربية لعام 2012، كما أن مجلة تراث الظبيانية أيضا قد سبق لها نشر حلقات أخرى من هذه السلسة قبل عدة سنوات ، إضافة إلى مايتوفر لدى الباحث من مواد مناسبة لتطوير هذا المشروع . وتعتمد مواد هذه السلسلة على جهود الجمع والبحث الميداني والمرجعي التي توثق لكم هائل من المعلومات والصور حصيلة رحلات الباحث إلى مغاصات اللؤلؤ حول جزر أبوظبي ومرافقته لرحلات الغوص الحديثة واللقاءات الغنية بالذكريات مع الغواويص والطواويش بالإضافة للأبحاث المتعلقة بعالم الغوص وتجارة اللؤلؤ والتراث الأدبي والثقافي المرتبط بهذا العالم مما يشكل في حد ذاته كتابا مستقلا ، والتجربة حافلة بالمزيد مما سنحاول عرضها بإيجاز في المحاضرة إن شاء الله .

شاهد أيضاً