محمد ولد محمد سالم
جميل أن يُزين هذا الشهر الكريم، شهر القرآن، بإبداعات فنية راقية في مجال خط، ذلك هو ما يفعله في كل عام ملتقى رمضان لخط القرآن الذي تنظمه وزارة الثقافة وتنمية المعرفة، ويعكف فيه ثلاثون خطاطاً مختارون في مسابقة سنوية على نسخ المصحف الشريف بحيث يتولى كل خطاط جزءاً، ليخرج الملتقى في نهايته بمصحف تام كل سنة، وبخط منمق جميل على أعلى معايير الجمال الخطية.
القرآن كتاب مقدس وتزيينه عبادة يؤجر عليها فاعلها، لذلك تفنّن المسلمون في خطه عبر العصور، واختاروا له على الدوام أحسن الأوراق والأحبار وأجمل إبداعات المزخرفين والمذهبين، وقد كان لهذا الاهتمام دور حاسم في نشأة فن الخط العربي، وتطوره، واتساع أنواع الخطوط، والفنون المرتبطة به كالتذهيب والزخرفة، وما تفعله وزارة الثقافة وتنمية المجتمع لا شك أنه يصب في هذا النهج العريق من الاحتفاء بالقرآن وتزيينه، الذي سار عليه المسلمون.
اجتماع ثلاثين خطاطاً مختارين من كل العالم الإسلامي في ملتقى واحد هو إغناء للخط العربي، وإغناء لتجربة أصحابها، وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن هؤلاء الخطاطين يدخلون إلى كل دورة عبر مسابقة، فذلك يعني أن النسب في تكرار المشاركة قد تكون ضئيلة، وأن كل دورة تختلف عن غيرها في أوجه ومشارب المشاركين فيها.
إن المشاركة في الملتقى تجربة جديدة للخطاط، وإضافة أخرى لممارساته ورؤاه، كما أن وجود هؤلاء الخطاطين، ومن بينهم أسماء عالمية في مجال الخط هو فرصة نادرة للخطاط الإماراتي يمكن أن يستغلها، بالتعرف إلى إبداعاتهم، ما سيغذي تجاربه، ويضيف لها جديداً.
اعتمد الملتقى في دوراته الأولى «خط النسخ» لكتابة المصحف به، كما هو شائع في المصاحف، لكنه في الدورة الثامنة اعتمد خطي «المحقق والريحاني» فخرج مصحف تلك الدورة بهذين الخطين النادرين اللذين كادا يندثران. وتعتمد دورة هذا العام خط الثلث الذي يصنف بأنه أصعب الخطوط وأجملها، ولا شك أن كل تلك التغييرات فيها إحياء لأنواع من الخط الجميل التي اندثرت والتي يمكن أن تشكل اليوم إضافة للخط العربي إذ يجرب فيها الفنانون جماليات أخرى، كما أن فيها فرصة للتدرب على الخطوط الصعبة في ظروف جيدة، تتوفر فيها كامل العدة الخطية اللازمة لذلك، ومع استمرار الملتقى نتوقع أن تشهد السنوات القادمة تنويعاً آخر للخطوط، وإدخال خطوط جديدة أو إحياء أخرى.
كل مصحف منجز خلال دورة من دورات الملتقى يعد تحفة فنية نادرة اختيرت لها أجود الأوراق والأحبار، وتعاضدت لإنجازها مواهب خطاطين بارعين، وهذا في حد ذاته سيشكل ثروة فنية وتراثاً ثقافياً ثميناً للإمارات.
dah_tah@yahoo.fr