راسل كرو: السيناريو بوصلتي للأفلام المختلفة

شبكة أخبار الإمارات ENN

محمد رُضا

راسل كرو، من أهم ممثلي السينما اليوم. ولد في أستراليا قبل 53 سنة، ودخل الفن وهو طفل صغير. ظهر في استعراض كوميدي عندما كان في السادسة من عمره، وأخذ في الوقت ذاته يمارس العزف على الجيتار، إلا أن التمثيل تغلّب على رغبته. بعد ظهوره في أفلام أسترالية عديدة حتى عام 1994، وجد نفسه في دور رئيسي في فيلم «السريع والميت»، الذي قامت شارون ستون ببطولته.
هذا العمل كان أول فيلم أمريكي كبير له، وبعده تلاحقت الأدوار وارتفعت أسهم نجاحه حتى كوّن لنفسه المركز الحالي الذي يحتله اليوم. نراه حالياً في «المومياء» الذي ما زال معروضاً في بعض الصالات. فيلم يشارك في بطولته مع توم كروز، ويلعب فيه دور عالم آثار يريد الاستحواذ على المومياء المصرية ذاتها. المغامرة المتمثّلة في هذا الفيلم، واسمه واسم توم كروز، كلّها عوامل بدت مشجّعة؛ إلا أن الفيلم لم يحقق ما كان يؤمل منه.
عندما لا يحقق فيلم قمت بالاشتراك في تمثيله النجاح الذي كنتَ تتمناه، كيف تتجاوز ذلك؟
أنت تقصد فيلم «المومياء»؟
نعم. وإن كان من الممكن تعميم السؤال ليشمل أي فيلم آخر.
حسناً. لا أعتقد أنه من الضروري لأي ممثّل أن يتوقف عند كل فيلم يقوم بالتمثيل فيه، ليبني مسيرته من جديد تبعاً لنجاح أو عدم نجاح فيلمه الأخير. هل تعرف ما أقصد؟ لا أستطيع أن أقف بعد كل فيلم لأحلّل نجاحه أو فشله، ولا أفكر في كيف أتجاوز ذلك. هناك ممثل أعرفه وممثل معروف يفعل ذلك، لهذا السبب أعتقد أن سؤالك في محله، لكنني أعتقد أن هذا ليس ضرورياً.
الجميع كان يتوقع نجاح «المومياء» على نحو كبير. هل كنتَ من بين هؤلاء؟
لم أفكر في هذا الموضوع كثيراً. طبعاً هو فيلم معمول للنجاح ولا تنسى أنه نجح خارج الولايات المتحدة. فقط هنا عانى خيبة أمل.
أحببت جداً فيلم The Water Diviner الذي قمت أنت بكتابته وبتمثيله وإخراجه. كيف وجدت هذه التجربة؟
لم أكتبه، بل شاركت بإسهام قليل جداً. كنت أبحث عن مشروع يرضي رغبتي في الإخراج، وجاء هذا النص مثل هدية، وما إن قرأته حتى أدركت أنني وجدت ضالتي.

اعتذار متأخر

ما الذي أثار إعجابك إلى هذه الدرجة؟
التوليفة الدرامية كلها. هل شاهدت الفيلم؟ إنه عن الأسترالي الذي ينتقل إلى تركيا للبحث عن ولديه المفقودين خلال الحرب العالمية الأولى، التي شاركت أستراليا فيها، لكن الحقيقة هي أن الفيلم في الأساس عن تلاقي الثقافات، وفي زمن نحن بحاجة ماسة فيه لمثل هذه المواضيع. ثقافة إسلامية مع مسيحية، وشرقية مع غربية. هذا هو لبّ الفيلم.
هل هو فيلمك الأول كمخرج؟
اعتبره فيلمي الأول؛ لأن الأفلام الأربعة التي قمتُ بإخراجها قبل ذلك كانت صغيرة وقصيرة، وصورتها كأفلام فيديو فقط. هذا كان أول فيلم كبير لي.
هل صحيح أن الفيلم تحاشى ذكر المذبحة الأرمنية حتى لا يرفض الأتراك تصويره في تركيا؟
دعني أضع النقاط في أماكنها الصحيحة. طبعاً في تصوّري أن تركيا لم تكن لترضى بأن نتطرق إلى هذا الموضوع، إلا أنه في الأساس وقبل كل اعتبار آخر، لم يتم طرح هذا الموضوع لا بيننا ولا بينهم. لم تتم إثارته على الإطلاق لسبب مهم جداً وبسيط في الوقت ذاته. لا علاقة لسيناريو هذا الفيلم بما حدث في أنحاء أخرى من البلاد من وقائع.
أنا معك تماماً في هذا لكنني أسأل للإيضاح.
صحيح. هناك أفلام أخرى تحدثت عن هذا الجانب، لكن فيلمنا لم يتطرق إليه؛ لأنه ليس في صلب الموضوع مطلقاً.
من أفلامك الأخيرة أيضاً «رجال لطفاء». هذا فيلم آخر أعجبني من بين أعمالك الأخيرة. هل تحمّست له عندما عرض عليك؟
يضحك.. لا. على العكس تماماً. كنت حينها في مزرعتي في أستراليا عندما استلمت السيناريو الذي أرسله إليّ وكيل أعمالي. اتصلت به وسألته عنه فقال لي إن الفيلم من نوع الكوميديا البوليسية. لم أشعر بالحماس حين قال ذلك، لكنني ذكرت له أنني سأقرأه في الليل وأتصل به غداً لكي أعطيه قراري الأخير. بدأت بقراءته ولاحظت أنه تنويع كوميدي بوليسي بالفعل. وعندما انتهيت منه شعرت أنني لا أريد أن أمثّل في فيلم يجمع بين هذين النوعين معاً.
لماذا؟
لأن السنوات الأخيرة شهدت كثيراً من هذه الأفلام، ولم أشعر بأن ذلك ضروري لي على أي حال. اتصلت بوكيل أعمالي في لوس أنجلوس كما وعدته، وأخبرته أنني لا أريد تمثيل هذا الفيلم. قلت له: أرجو أن تخبر المخرج شون بلاك، باعتذاري عن قبوله. قاطعني وكيل أعمالي وقال لي: شون بلاك في الطائرة الآن متوجه إلى أستراليا للقائك.
في الحقيقة شعرت بالأسف. المخرج قادم من هوليوود إلى سيدني، معتقداً أنني موافق على مشروع أنا لست متحمساً له على الإطلاق.
هل قابلته؟
طبعاً. جاء إلى مزرعتي وكانت خطتي هي أن أدعوه للغداء والشرب فيرتاح، ثم ألقي إليه بالقنبلة وأخبره بشكل صارم: آسف يا شون. لا أريد تمثيل هذا الفيلم. وضعت قطع اللحم على النار وسألته ماذا يريد أن يشرب. قال إنه لا يشرب.. يضحك. سألته لماذا؟ قال لأنه يفقد السيطرة على أعصابه إذا فعل.
لقد سحب السلاح من يدك..
بالتأكيد. إلا أن ذلك لم يردعني. فتحت فمي وقلت: «شون.. أريد أن أقول لك شيئاً»، لكن قبل أن أكمل قاطعني وقال: رايان جوسلينج في الفيلم معك. لقد وافق. هنا استسلمت. قلت له: أردت أن أسألك كيف تحب اللحمة نصف مشوية أو مشوية؟ ضحِك.
هل اخترت دوراً لتكتشف بعد ذلك أنه لم يكن لك؟
في حياتنا جميعاً أعمال نقوم بها على نحو جيد لأننا محترفون. وبالفعل حدث أنني لم أعجب بفيلم مثّلته، لكن ليس لأن الاختيار كان خطأ؛ بل لعوامل أخرى كانت هي الخطأ. وعموماً بعد كل فيلم ابتسم لنفسي وأقول: سأفعل أفضل في المرّة القادمة.
هل صحيح أنك في البداية كنت ترغب في أن تكون موسيقاراً؟
لا أدري. لأن هذا ما تم نشره دون تدقيق. بدأت العمل ممثلاً حين كنت صغيراً. الموسيقى جاءت بعد ذلك إلا أنها لم تمنعني من استكمال التمثيل. وفي الوقت ذاته لم يشغلني التمثيل عنها.
بدايتك كانت في التلفزيون الأسترالي، أليس كذلك؟
نعم. في ذلك الحين من أواخر الخمسينات لم تكن هناك أي قراءة للمستقبل يمكن الاعتماد عليها. أقصد أنك الآن تستطيع أن تدرك أين ستقودك خطواتك. حتى الممثلين الأطفال لديهم وكلاء أعمال يرعون خطواتهم، لكن في ذلك الحين لم يكن هناك شيء من هذا. دخلت التمثيل دون أن أعلم ما أقوم به. كنت فرحاً كما لو أنني في مدينة ملاهي، وكان ذلك كل ما أعرفه عن العمل كممثل.
كوّنت فرقة موسيقية أليس كذلك؟ وحتى بعد أن أصبحت ممثلاً مشهوراً، داومت على العزف والغناء.
ليس على نحو متواصل. التمثيل والموسيقى مرتبطان؛ كونهما من فنون الحياة لا المعاصرة فقط؛ بل في الأزمنة المتعددة، ومن عمق التاريخ. المهم أنني لم أجد داعياً لترك الموسيقى لمجرد أنني أصبحت ممثلاً، إلا أنني بالطبع لم أعد متفرغاً كما كان الحال سابقاً.

إعادات

عندما مثّلت دورك في الفيلم الغنائي (البائسون) هل كان لخلفيّتك أي دور في قبول هذا الفيلم؟
إلى حد ضئيل. لا تنس أنني توقّفت عملياً عن الغناء منذ الثمانينات، ولم استخدم صوتي كمغنٍ إلا في حالات نادرة. وعند تمثيل دوري في «البائسون»، كان عليّ أن أستعيد تلك القدرات. غنائي في هذا الفيلم كان نوعاً من إعادة اكتشاف نفسي في هذا المجال.
المثير في عملية الغناء في الفيلم هو أن المغنّي يعيد الغناء مرّة بعد أخرى ليس لأنه لا يجيد الغناء؛ بل لضرورات التصوير.. هل حدث هذا؟
نعم. ملاحظة صحيحة وحدثت هذه الإعادات. في الحقيقة إذا ما حسبتها تجد أن الغناء في الفيلم، وهو أمر يختلف عن الغناء في حفلة مباشرة أو في الاستديو، محكوم بأشياء كثيرة. في بعض المشاهد هناك أكثر من مغنٍ أو ممثل عليه الاشتراك في الأغنية، وإذا ما حسبتها تجد أنك تغنّي المقطع الخاص بك أكثر من مرّة، وحتى الغناء المشترك محكوم بالإعادات. هذا عدا تلك المرّات التي يتم تصويرك منفرداً في لقطة، ثم يعاد تصويرك وأنت تغنّي المقطع ذاته في لقطة تجمعك مع ممثّلين آخرين، ما يعني أنك في الواقع تغنّي أكثر بكثير مما يصل إلى الجمهور من مشاهد.
كتبت الصحافة عنك عندما مثّلت «البائسون» وقالت إنك تصبّبتَ عرقاً في البداية. هل هذا صحيح؟
هذا كان من الأفلام القليلة التي قمت فيها بتمارين اختبارية. كنت أريد الدور بكل ما عندي من رغبة حباً في الرواية وبفيكتور هيجو، وبالفيلم الموسيقي، لكنه لم يكن عرق الخوف أو التوتّر. اسمع. حين كنت فتى شاباً وكانت لديّ تجارب انتقاء، كنت أعالج المسألة على نحو مختلف: استيقظ في الصباح الباكر، في نحو الرابعة والنصف، وأنطلق راكضاً في الحديقة العامّة. كنت أفكّر أنني الممثل الوحيد الصاحي باكراً، وكان ذلك صحيحاً، وهذا التفكير كان يجعلني أشعر بأنني متميّز، وبهذا الشعور أصل إلى الموعد المحدّد وأجرى الاختبار.
بعد هذا الفيلم مثلت «نوح». هذا عمل مختلف يكمن على بُعد 180 درجة من كل فيلم مثّلته سابقاً.
«نوح» تجربة مختلفة بالفعل كفيلم. كل ما أعرفه عن «نوح» هو ما ورد في الكتب، والسؤال الأساسي هو كيف تدّعي أمام الكاميرا أنك تعرف أكثر. عليك أن تمنح الجمهور شخصية لا أنت تعرف تماماً كيفية تصرفها ولا الجمهور أيضاً، وعليك أن تنجح في ذلك. إلا أنها ليست مهمّة مستحيلة.
هل قبل سنوات كنتَ أكثر انشغالاً بالتمثيل؟
قبل الانتهاء من السؤال: وما زلت. لكنني أقضي أوقاتاً أطول الآن في مزرعتي. لا آخذ إجازات. أذهب وأقرأ واكتب هناك. عُرضتْ عليّ سيناريوهات عديدة مؤخراً، لكنني لم أرد تمثيل أي منها. هذا يطمئنني كثيراً؛ لأنني أعرف أنني لم أفقد البوصلة بعد. لا زال السيناريو هو أول ما أستجيب له، ومعظم أفلامي السابقة كانت بناء على جودة النص في الأساس.

شاهد أيضاً