«ذا وايف» و«كوليت».. القضية واحدة ونقاط الاختلاف متعددة

شبكة أخبار الإمارات ENN

مارلين سلوم

أيهما أفضل، الأفلام التي تحاكي الواقع وتستقي أحداثها من الخيال، أم تلك التي تستند إلى الحقيقة من ألفها إلى يائها، تاركة الخيال كإحدى أدوات الإخراج والأكسسوار المكمل للمظهر فقط؟ حين تشاهد فيلمي «ذا وايف» و«كوليت»، وقد تزامن عرضهما في الصالات في أوقات متقاربة، وتمكن الأول من المنافسة في الأوسكار؛ تدرك أن الكتابة تستطيع أن تقترب من الواقع إلى حد التطابق، وأن الحرفة في الصناعة تقفز بأي عمل إلى حد الإبهار، فتصير أقرب إلى عين المشاهد وقلبه من أي عمل مأخوذ عن سيرة ذاتية. وتدرك أن الانتصار لقضايا المرأة، ينبع من الحس الفني، وليس من مجرد الاتكاء على قصص حقيقية.

لماذا نتناول «ذا وايف» أو «الزوجة»، و«كوليت»؟ لأن بينهما نقاط التقاء واختلاف، ولأنهما يأتيان في ظل ما يشبه النهضة الهوليوودية لمنح المرأة المزيد من حقوقها في السينما، بعد سنوات طويلة من الانحياز للرجل سواء في قضاياه أو في البطولة والنجومية والجوائز.

القضية واحدة في الفيلمين، والمفروض أنها عنصر أساسي من عناصر نجاح أي منهما، إذ تتناول مقولة «وراء كل رجل عظيم امرأة»، إنما بمعناها الحقيقي لا المجازي. إنها قضية نجاح المرأة في ظل طغيان «الفكر الذكوري» والانحياز له، حيث يبرز الرجل ككاتب ناجح وينال الشهرة والجوائز، بينما تكون زوجته هي «الكاتب في الظل».

«كوليت» مأخوذ عن سيرة الكاتبة الفرنسية جابريال كوليت (أدتها كيرا نايتلي)، صاحبة أشهر سلسلة قصصية «كلودين»، والتي انتقلت من الريف إلى الوسط الثقافي الباريسي الراقي، حين تزوجت الكاتب هنري جوتييه فيلار المعروف ب «ويلي» (دومينيك ويست). كانت الفتاة موهوبة جداً، فاستغل زوجها هذه الموهبة وأجبرها على كتابة قصص نشرها باسمه، وبقيت المرأة في الظل. وهو تماماً ما تناوله الفيلم الثاني، إنما عن ثنائي من خيال مؤلفة كتاب «الزوجة» ميغ والتزر، ثم أعادت كتابته سينمائياً جاين أندرسن، ولعبت دور الزوجة «جوان» الرائعة غلين كلوز، وأدى جوناثان برايس دور الزوج الذي استغل موهبة زوجته، ونشر رواياتها باسمه، ونال جائزة البوكر دون أن يفصح عن هوية المؤلف الحقيقي لرواياته.

في العملين نرى حالة «الكبت» وسيطرة الرجل على المرأة، والاعتقاد الخاطئ الذي كان سائداً -رغم اختلاف الأزمنة بين العملين- أن اسم الرجل على أي كتاب يضمن له الانتشار، وأن القارئ يحجم عن شراء روايات لكاتبات مهما كن مبدعات. ورغم علمك المسبق بأن «كوليت» قصة حقيقية، إلا أن «الزوجة» منح للمرأة قدراً أكبر، قدمها بصورة المتفانية، الناكرة للذات والمكتفية بلعب دور الزوجة والأم، والبقاء في ظل زوجها الذي يزداد توهجاً وفخراً و«انتصاراً»، متعمداً إلغاء دورها في المجتمع، وتكريمها فقط بمرافقته في كل مكان.

جلين كلوز أعطت الدور أبعاداً كثيرة، زادته غموضاً وبدت المرأة المنكسرة الأبية، الحزينة السعيدة، الفخورة بزوجها والكارهة لما أوصلها إليه. نالت «الغولدن غلوبز» وغيرها من الجوائز وترشحت للأوسكار كأفضل ممثلة.. وقد عرف المخرج بيورن رونج كيف يقدم العمل في إطار عصري بسيط.

على عكسه، فرضت طبيعة «كوليت» العودة إلى العام 1893، فقدم المخرج واش ويستمورلاند ذلك الزمن بكل تفاصيله؛ لكنه في كتابته العمل مع ريتشارد جلاتزر، ركز على الحياة الشخصية والأهواء والعلاقات المتعددة لصاحبة الشخصية، وبدت الكتابة هامشية في سيرتها. ومن يشاهد كوليت لا يحبها ولا يتعاطف معها، بل يعتبرها غير سوية ومقززة، ويخرج بمعلومة واحدة، مفادها أنها كانت جريئة، وتحدت المجتمع في الكتابة والمسرح.

لم تكن كوليت الكاتبة الوحيدة في ذلك العصر، هي سبقت البريطانية فرجينيا وولف إلى نشر القصص، لكن هذه الأخيرة بدأت عملها ككاتبة أعمدة، وهو ما لم يظهره الفيلم أو يأتي على سيرته، لنعرف مكانة كوليت مقارنة بالنساء الكاتبات في ذلك الوقت. وقد سبق أن شاهدنا فيلمين عن الكاتبة فيرجينيا وولف واحداً عام 1966 «من يخاف فرجينيا وولف؟»، نال 5 جوائز أوسكار منها أفضل ممثلة إليزابيث تايلور، وأفضل ممثلة مساعدة ساندي دينيس، وكان من إخراج مايك نيكولز، كتابة إرنيست ليهمان. والثاني عام 2002 بعنوان «ساعات»، حمل أيضاً الأوسكار لبطلته نيكول كيدمان، إخراج ستيفن دالدراي، تأليف دايفيد هير، عن رواية مايكل كونينغهام. وشتان ما بينهما وبين «كوليت» الذي يبدو كعمل بلا أي جمال فني، كل هدفه الترويج لأفكار «شاذة».

نحن أمام عملين لفكرة واحدة، تنافسا في الصالات العالمية وهدفهما دعم فكرة خروج المرأة من تحت عباءة وظل الرجل. «الزوجة» نموذج للعمل الراقي الذي يستحق تجسيد المرأة وفكرها وتضحياتها وقدرتها على الإبداع والتحمّل، تشاهده بمتعة شديدة. أما «كوليت»، فهو ينزل بالمرأة إلى مستوى الأهواء والغرائز والتشتت، ولا يليق بالمرأة ولا بالفن السابع، ولا يليق بالمشاهدة الأسرية أبداً.

تحرر المرأة من قيودها في الكتابة أو سعيها لنيل حقوقها في المنافسة بقوة في السينما العالمية كمؤلفة ومخرجة وبطلة، لا يعني تحرير الأفلام من القيم الاجتماعية، ومن الإبداع الحقيقي، والجنوح نحو الترويج لأفكار غير سوية. والسينما التي سبق أن قدمت أعمالاً لكاتبات مبدعات أمثال أغاثا كريستي ومن الحديثات جاي كاي رولينغ وغيرهما، تملك الكثير من القصص التي تستحق تناولها وتقديمها للأجيال الجديدة، دون الحاجة إلى السقوط في مطبات النزوات.

marlynsalloum@gmail.com

شاهد أيضاً