تواصل دبي بخطى واثقة تعزيز ريادتها في قطاع النقل، عبر حزمة من المشاريع الذكية الرائدة، وفي مقدمتها دمج وسائل وتقنيات التنقل ذاتي القيادة ضمن منظومة النقل العام.
حيث تستعد الإمارة للانتقال من مرحلة التجربة والاختبار إلى مرحلة التشغيل الفعلي لهذه الوسائل ابتداء من 2026، في خطوة تنسجم مع مستهدفات استراتيجية دبي للتنقل الذكي ذاتي القيادة الرامية لتحويل 25 % من إجمالي وسائل النقل في دبي إلى ذاتية القيادة بحلول عام 2030.
بيئة تشريعية
وتبرز 4 مشاريع استراتيجية تشكل الدعامة الأساسية لخطة دبي في مجال النقل الذكي، وهي: المركبات ذاتية القيادة، الحافلات ذاتية القيادة، العبرة ذاتية القيادة، والتاكسي الجوي، حيث أحرزت الإمارة تقدماً لافتاً في الاستعداد لتشغيلها تجارياً، من خلال اعتمادها مجموعة من الممكنات التقنية والتشغيلية، أبرزها تسخير تقنيات الذكاء الاصطناعي المتقدمة وإجراء التجارب والاختبارات.
وتوسيع الشراكات مع القطاع الخاص، إضافة إلى تحفيز الابتكار عبر دعم الشركات الناشئة المتخصصة، وتطوير البيئة التشريعية لمواكبة متطلبات النقل الذاتي في جميع أنماطه، سواء البرية أو البحرية أو الجوية.
ويأتي تشغيل الوسائل ذاتية القيادة في دبي ثمرة لخطة مدروسة ورؤية استشرافية بدأت منذ سنوات توجت في عام 2016 بإطلاق استراتيجية دبي للتنقل ذاتي القيادة، لتدخل الإمارة بعدها في سلسلة من التجارب التطبيقية، كان أبرزها الإعلان عن التشغيل التجريبي لأول مركبة أجرة ذاتية القيادة خلال معرض «جيتكس» عام 2018.
وتشغيل 5 مركبات من طراز «كروز» في عام 2023 في منطقة جميرا الأولى بين متحف الاتحاد وقناة دبي المائية، حيث حقق التشغيل التجريبي في مراحله الأولى نجاحاً من حيث الكفاءة والسلامة، ما دفع إلى التوسع في التجارب لاحقاً.
وفي عام 2024، شهدت دبي توسعاً ملحوظاً في عمليات تشغيل المركبات ذاتية القيادة، حيث جرى مضاعفة عدد المركبات وتوسيع نطاق التجارب لتشمل مناطق جديدة داخل الإمارة، ما مثل خطوة مهمة نحو الوصول إلى مرحلة التشغيل التجاري المنتظر انطلاقه في عام 2026.
وقد بدأت هيئة الطرق والمواصلات فعلياً بالإعداد لهذه المرحلة عبر عقد شراكات استراتيجية مع كبرى الشركات العالمية المتخصصة في تقنيات القيادة الذاتية، من أبرزها شركة «بايدو – أبولو جو» الصينية التي وقعت معها الهيئة اتفاقية لتشغيل 50 مركبة ضمن تجارب ميدانية خلال الأشهر المقبلة.
إضافة إلى اتفاقات تعاون مع شركة «أوبر تكنولوجيز» وشركة «وي رايد» الرائدة في حلول النقل الذكي، لإطلاق مرحلة تجريبية ستدمج لاحقا ضمن خدمات منصة أوبر في دبي، حيث من المقرر أن تتضمن المرحلة الأولى وجود مشغل أمان، تمهيداً لتقديم الخدمة التجارية الكاملة دون سائق بحلول عام 2026.
كما وقعت هيئة الطرق والمواصلات مذكرة تفاهم مع شركة (بوني. إيه آي)، لتشغيل الجيل السابع من المركبات ذاتية القيادة الخاصة بها، والتي تم تطويرها بالاشتراك مع شركات سيارات مثل تويوتا، وجي إيه سي، وبايك.
والتي تتميز مركباتها باعتمادها على خوارزميات الذكاء الاصطناعي المتطورة، ومجموعة متطورة من المستشعرات بما في ذلك تقنيات قياس المسافات عن بُعد (ليدار) والرادارات والكاميرات، لضمان دقة الملاحة والسلامة عبر مختلف ظروف الطرق والأحوال الجوية، وترتبط (بوني) بشراكات مع شركات أخرى مثل تينسنت.
وعلي بابا لدمج خدمات التنقل عبر الروبوتاكسي في تطبيقات مثل ويشات ((WeChat و علي باي (Alipay)، وستبدأ التجارب التشغيلية لهذه المركبات في وقت لاحق من العام الجاري.
وإلى جانب المركبات ذاتية القيادة، قطعت دبي خطوة متقدمة في مجال النقل البحري بتدشين هيئة الطرق والمواصلات في عام 2023 التشغيل التجريبي لأول عبرة كهربائية ذاتية القيادة، بسعة ثمانية ركاب، والتي جرى تصنيعها محليا بأيادي موظفي الهيئة، حيث انطلقت أولى رحلاتها على مياه خور دبي، من محطة الجداف إلى محطة الفستيفال سيتي، معلنة بذلك بدء مرحلة جديدة من تطوير النقل البحري المستدام في الإمارة.
ومن المتوقع أن يبدأ التشغيل الفعلي للعبرة ذاتية القيادة لنقل الركاب في مياه دبي مطلع عام 2027، وذلك بعد الانتهاء من سلسلة من التجارب والاختبارات الفنية المتقدمة التي تجرى حالياً على الأنظمة والتقنيات الذكية والتي وصلت إلى المراحل الأخيرة والتي تتيح للعبرة الانطلاق من المرسى والوصول إلى وجهتها بطريقة مؤتمتة بالكامل، في خطوة تمهد لاعتمادها كوسيلة نقل رسمية ضمن منظومة النقل البحري في دبي.
صفر انبعاثات
وتتميز العبرة الكهربائية ذاتية القيادة التي يجرى عليها التجارب في مياه دبي بصفر انبعاثات كربونية، وانخفاض تكاليف التشغيل والصيانة بنسبة 30 %، وانعدام الضجيج مقارنة بالعبرات التي تعمل بالديزل، وتم تزويدها بمحركين كهربائيين، وتصل سرعتها القصوى إلى سبع عقد.
كما أنها مزودة بنظام تحكم ذاتي القيادة، وأربع بطاريات ليثيوم، قادرة على تشغيل العبرة لمدة سبع ساعات، وتم تصميم العبرة بشكل يراعي الحفاظ على الطابع التراثي لهذا النوع من وسائل النقل، لتجمع بين الأصالة والتقنية الحديثة.
وفي السياق ذاته، يتواصل العمل في المراحل المتقدمة في دبي لإطلاق مشروع التاكسي الجوي، بوصفه نقلة نوعية في منظومة النقل الحضري، ويعكس التزام دبي بتعزيز مرونة التنقل وجودة الحياة من خلال توظيف أحدث الابتكارات، حيث تم إطلاق مراحله ضمن خطة استراتيجية شاملة أعدتها هيئة الطرق والمواصلات لدمج وسائل النقل الجوية الكهربائية ذاتية القيادة ضمن شبكة النقل الذكي في المدينة.
12 دقيقة
وبدأت الهيئة بالعمل على تنفيذ المشروع في عام 2023 من خلال توقيع اتفاقية تعاون مع الهيئة العامة للطيران المدني، وهيئة دبي للطيران المدني، وشركة «سكاي بورتس إنفراستركتشر» البريطانية، المتخصصة في تطوير بنية تحتية للطيران العمودي داخل المدن، إلى جانب شركة «جوبي أفييشن» الأمريكية، الرائدة في تصنيع الطائرات الكهربائية ذاتية القيادة، وجاءت هذه الاتفاقية لتؤسس أول شراكة من نوعها على مستوى العالم لتشغيل التاكسي الجوي في المناطق الحضرية ضمن بيئة منظمة وآمنة.
وبناء على هذه الشراكة، حددت مواقع أول أربع محطات للإقلاع والهبوط العمودي، تشمل محطة رئيسية قرب مطار دبي الدولي، وأخرى في وسط المدينة (داون تاون)، والثالثة في منطقة دبي مارينا، والرابعة في نخلة جميرا.
وتستهدف هذه المحطات توفير وسيلة نقل فائقة السرعة تربط بين أبرز مناطق المدينة في وقت قياسي، حيث يتوقع أن تستغرق الرحلة من المطار إلى نخلة جميرا نحو 12 دقيقة فقط، مقارنة بنحو 45 دقيقة بالسيارة.
أول رحلة
وبدأت الهيئة في تنفيذ المشروع الطموح بإطلاق الأعمال الإنشائية للمحطة الأولى في العام الماضي تزامناً مع تطوير الأطر التنظيمية والتقنية بالتعاون مع الشركاء الدوليين.
حيث ركزت الهيئة على مواءمة البنية التحتية ومتطلبات السلامة الجوية مع هذا النوع الجديد من النقل، وتوجت مسيرة التاكسي الجوي في العام الجاري 2025 بتنفيذ أول رحلة تجريبية ناجحة لطائرة التاكسي الجوي التي انطلقت من موقع الاختبارات في صحراء دبي.
وشكلت هذه الرحلة محطة تاريخية في مسيرة المشروع، حيث أكدت جاهزية الإمارة للإطلاق التجاري المرتقب في عام 2026، لتصبح دبي بذلك أول مدينة في العالم تعتمد منظومة نقل جوي حضري ذكي ومستدام ضمن شبكتها العامة للتنقل.
وإلى جانب ذلك تمضي دبي قدماً في خطتها لتجربة وتشغيل حافلات ذاتية القيادة في طرقها، حيث تستعد الهيئة لإطلاقها خلال الفترة المقبلة، لتكون جاهزة للتشغيل الكامل بحلول عام 2030.
وأبرمت هيئة الطرق والمواصلات اتفاقيات تعاون مع شركتين عالميتين، إحداهما فرنسية والأخرى صينية، لتطوير هذا المشروع وفق أعلى المعايير التقنية والتشغيلية، بالاستفادة من البنية التحتية القائمة، لاسيما المسارات المخصصة للحافلات، التي تُعد من الركائز الداعمة لتجربة التشغيل.
معايير تنظيمية
وتولي الهيئة اهتماماً خاصاً بوضع الأطر والمعايير التنظيمية والتقنية اللازمة لتجربة الحافلات ذاتية القيادة، في ظل إدراكها للتحديات الخاصة المرتبطة بهذا النوع من المركبات.
والتي تختلف من حيث المتطلبات الفنية والتشغيلية عن المركبات الذاتية الصغيرة مثل سيارات الأجرة، إذ يشكل الحجم الكبير للحافلات تحدياً في ما يتعلق بالحركة والمناورة داخل المدن، إلى جانب محدودية عدد الشركات المتخصصة عالمياً في هذا المجال، ما يقلص من خيارات التوريد والتشغيل.
وفي سبيل تسريع وتيرة التقدم والتغلب على التحديات المتعلقة بتشغيل حافلات ذاتية القيادة، أطلقت الهيئة «تحدي دبي العالمي للتنقل ذاتي القيادة»، الذي يهدف إلى استقطاب الشركات الأكثر ابتكاراً في هذا المجال للمشاركة في تطوير الحافلات الذاتية.
ضمن بيئة تجريبية قائمة على مسارات ومحطات مجهزة بالكامل، إلى جانب التخطيط لإنشاء بنية تحتية داعمة تشمل محطات شحن كهربائي مخصصة، حيث ستكون الحافلات الجديدة كهربائية بالكامل إلى جانب كونها ذاتية القيادة، ما يعزز الاستدامة البيئية ويواكب تطلعات المدينة نحو خفض الانبعاثات الكربونية.
وتعد هذه الجهود مجتمعة جزءاً من رؤية شاملة تنفذها دبي لتعزيز الريادة العالمية في تبني تكنولوجيا التنقل المتقدم، وضمان جاهزية المدينة لمستقبل النقل الذكي، بما يسهم في تحسين جودة الحياة، وتوفير حلول نقل فعالة وآمنة ومستدامة لمجتمع متنوع ومتطور كمدينة دبي.