خبصةكوميديا سينمائية فطرية

شبكة أخبار الإمارات ENN

مارلين سلوم

marlynsalloum@gmail.com

تمنحك بعض الأفلام إحساساً بالراحة، لدرجة أنك تخرج منها بانطباع يوحي لك بأنك قادر على صناعة فيلم وإخراجه بكل بساطة، وأن المهمة لا تتطلب جهداً كبيراً. تلك النوعية من «السهل الممتنع»، تمسك جيداً بالخيط الرفيع الذي يفصل بين الكوميديا والضحك العفوي من جهة، والسخافة وافتعال المواقف لإجبار الجمهور على الضحك من جهة أخرى؛ والخيط الذي يفصل بين السلاسة والبساطة في الإخراج وحياكة القصة من جهة، والسذاجة والاستخفاف بعقول المشاهدين في الإخراج الضعيف وفي الأحداث وحبكتها من جهة أخرى. الفيلم اللبناني «خبصة» الذي يعرض في الإمارات، أجاد الإمساك بالخيوط بقوة، ليقدم السهل الممتنع في الكوميديا السينمائية، ويأخذك إلى قمة الاستمتاع والضحك.

ربما يوحي عنوانه بشيء من الفوضى، وبمستوى أقل من الجودة، طالما أنه لا يضم قائمة من نجوم الصف الأول، وقد تعوّد الجمهور العربي على ملاحقة الأسماء «الكبيرة» والمعروفة، أياً كان ما تقدمه في السينما. لذا، لا يتوقع المشاهد أن يمنحه «خبصة» هذا الكم من الراحة والاسترخاء والضحك، بل يشكل له مفاجأة حقيقية، تحثه على إعادة النظر في إطلاق الأحكام المسبقة على الأفلام من خلال عناوينها أو أسماء أبطالها.

العمل متكامل، المخرج شادي حنا شارك في كتابة القصة مع عبودي ملاح، وقد ظهرا في العمل، شادي بمشهد صغير، بينما عبودي يعتبر البطل الثالث في الفيلم. تفاجأ بأن هذا الأخير بالأساس رجل أعمال يهوى الكتابة والفن، وهو المنتج المنفذ للفيلم، ويخوض تجربته الأولى أمام الكاميرا، مؤدياً دور «سيلفيو» باقتدار، كاشفاً عن امتلاكه موهبة حقيقية بالفطرة.

القصة تقدم نموذجاً من الحياة، تصادفه في المجتمع اللبناني، عن علاقة حب بين الشاب فارس (جنيد زين الدين) ونايلة (رولا بقسماتي)، تصل إلى مفرق طرق بعد أربعة أعوام، حيث تقرر نايلة الابتعاد عن فارس بسبب مماطلته في تحديد موعد للزواج، بسبب ظروفه الاقتصادية المتعثرة، وتراكم ديونه، علماً أنه يملك مطعماً في بيروت. تحاول نايلة إشعال نار الغيرة لدى حبيبها، فتدعوه إلى العشاء مع صديقيهما ماريا (تانيا نصر) وأليكس (ماتيو الخضر)، وتفاجئه بدعوة الشاب الثري سيلفيو الذي سبق أن تعرفت إليه، وجاء ليطلبها للزواج. تقدم فارس لسيلفيو باعتباره صديقاً بمنزلة الأخ لها، وتتعقد الأمور بشكل كوميدي لتنتهي بمفاجأة غير متوقعة.

تبدو القصة عادية، لكنها تعتمد في المعالجة على الانسيابية والكثير من العفوية، وتتناول مشكلات واقعية يواجهها شباب اليوم. من ركائز نجاحها الحوار الجيد، والذي نعيب عليه كثرة استخدام «الشتائم»، وهي وإن كانت محكية بين الناس، إلا أنها تبدو غير مستحبة ومبالغاً فيها حين ترددها كل الشخصيات في مساحة لا تتجاوز ال 100 دقيقة.

«خبصة» اعتمد في نجاحه أيضاً على التلقائية في أداء الممثلين، الذين تفاجأ بأن غالبيتهم مثل عبودي ملاح، لا علاقة له بالتمثيل، ويقف أمام الكاميرا للمرة الأولى. وكأنه عمل لمجموعة من الأصدقاء قرروا تصوير قصتهم والمواقف المترتبة عليها، بشكل عفوي. رولا بقسماتي تتميز في الدراما التلفزيونية بجرأتها وحيويتها وديناميكيتها، وجنيد زين الدين صار من الأسماء المعروفة في الدراما اللبنانية، لكنه يخوض تجربته الأولى في السينما. بينما تانيا نصر ذات الشخصية البارزة والواثقة من ذاتها، هي منتجة أيضاً للفيلم، ولم يسبق لها التمثيل. ماتيو الخضر أتى من عالم الغناء الأوبرالي ليقدم دوراً جريئاً جداً (أليكس المثلي) ونجح فيه بامتياز. ومعهم ريتا خوري التي أتت من الهندسة الداخلية لتلعب دور أم فارس، وتجيده وكأنها مخضرمة في التمثيل. أما طوني بن فهو مغني، وقد لعب دور «أبوفارس» مجسداً الأب الظريف الذي يحب الحياة.

البطولة جماعية، ويمكن القول إن «خفة الدم» بطلة بارزة سواء في النص أو على الشاشة، وهو ما نحتاج إليه في زمن صارت فيه الكوميديا الممتعة قليلة، بينما تسود أفلام العنف أو الاستخفاف والسذاجة. ويمكن اعتماد مثل هذه النوعية من الأعمال لدعم السينما العربية بمزيد من الأفلام الناجحة، لأنها لا تعتمد على ميزانيات ضخمة في الإنتاج، ففي «خبصة» اعتمد التصوير الداخلي وفي بيت واحد في معظم المشاهد، وبديكور جميل وغير مكلف. ونتمنى تقديم المزيد من هذه النوعية السلسة والجيدة.

الكوميديا تمشي بشكل تصاعدي، ولا تخرج عن مسار إمتاع المشاهد طوال 100 دقيقة من العرض، وعلى إيقاع موسيقى رومانسية وأغنية معبّرة كتبها ولحنها الفنان مايك ماسي، أتت مناسبة للعمل ومضمونه. لذا يمكن القول بأن «خبصة»، إنتاج شركة «غودو فيلمز»، هو مغامرة ناجحة، قدمت لجمهور السينما مواهب جديدة في التأليف والتمثيل، وهي إضافة للمخرج شادي حنا الذي تعتبر تجاربه في السينما قليلة، حيث سبق أن قدم عملين الأول عام 1998، والثاني فيلم «يلا عقبالكن شباب» عام 2016. برزت براعته في توزيع الأدوار والتحكم بالعمل، فهو لم يستسهل بل عمل بحرفية ودقة في التصوير وإدارة الممثلين، الذين أتوا من خلفيات متنوعة، وهي مجازفة تحسب له، نجح بها كما نجح في تقديم وجوه جديدة ونوعية مختلفة من السينما اللبنانية الكوميدية.

شاهد أيضاً