اعتمد سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي رئيس المجلس التنفيذي المرحلة الثانية من مشروع حماية المواقع والأبنية التراثية الحديثة في دبي والتي تشكل جزءاً مهماً من ذاكرتها وتاريخها الحديث، بهدف المحافظة على هوية الإمارة وموروثها الحضاري والعمراني.
وأكد سموه أن المشروع يجسّد رؤية صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، في ترسيخ مكانة دبي وجهةً ثقافيّةً عالميةًّ، والحفاظ على موروثنا التاريخي والثقافي، وإبراز قيم الهوية الوطنية والأبعاد الحضارية والإنسانية التي اتسم بها أهل الإمارات على مر السنين.
وأشار سمو ولي عهد دبي إلى أن تطوير المناطق والمواقع والأبنية التراثية في دبي عملية متواصلة تعكس مدى الحرص على التمسك بالجذور الأصيلة، وتترجم مفهوم الاستمرارية الحضارية، وتبرز خصوصية العلاقة بين الإنسان والمكان، ومدى تفاعل أهل دبي مع العالم الخارجي، تأثيراً وتأثّراً.
وقال سموه: “اعتمدنا المرحلة الثانية من المشروع وتتضمن 35 من مناطق ومواقع وأبنية دبي التي تشكل جانباً مهماً من تراثها العمراني الحديث.. هدفنا أن تحتفظ مواقعنا ذات القيمة التاريخية بمكانتها وروحها ودلالاتها في تجربتنا الوطنية ومسيرتنا الحضارية.. تراثنا العمراني شاهد حي على إبداع آبائنا وأجدادنا وقدرتهم على كتابة قصة ملهمة في العمران والاجتماع والاقتصاد.. أحياء دبي القديمة والتراث المعماري الحديث متحف وطني إنساني، وكتاب مفتوح في فن الحياة وفلسفة البناء الحقيقي”.
وأضاف سموه: “واجبنا حماية تاريخنا وكنوزنا المعمارية لأبنائنا وأحفادنا في المستقبل.. الإرث العمراني يختزن ذاكرة عقود من العمل ويؤرخ لبدايات نهضة دبي.. المناطق التراثية معالم رئيسية في قلب دبي وعنوان لزمنها القادم وهكذا ستبقى.. دبي مدينة يلتقي فيها الماضي والحاضر والمستقبل”.
وقد وجّه سمو ولي عهد دبي رئيس المجلس التنفيذي بتعزيز مكانة المناطق التراثية ومباني التراث المعماري الحديث على المستويين الثقافي والسياحي والترويج لها بأسلوب يضمن التعريف بها على النحو الأمثل سواء داخلياً أو خارجياً، انطلاقاً من الحرص على الحفاظ على الشواهد التراثية وترسيخ الهوية الوطنية، وتعزيز مكانة دبي على الخارطة السياحية، والثقافية، والاقتصادية عالمياً.
وباعتماد سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم للمرحلة الثانية من المشروع، يصل عدد مواقع وأبنية التراث الحديث والمناطق والمباني ذات القيمة التاريخية التي يشملها المشروع في مرحلتيه الأولى والثانية إلى 807 مواقع ومناطق ومبانٍ، حيث شهدت المرحلة الأولى من المشروع حماية 17 موقعاً و14 منطقة و741 مبنى تراثياً.
وتعكس مباني التراث المعماري الحديث التي تعود إلى الفترة الممتدة من بداية الستينيات وحتى نهاية التسعينيات من القرن الماضي، فكر المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، طيّب الله ثراه، وترتبط بذاكرة مجتمع دبي خلال أهم فترات نمو وتطور الإمارة، حيث تشكل هذه المباني عنصراً من عناصر الهوية الثقافية لإمارة دبي وجزءاً من تراثها الثقافي.
وتوثّق المباني المحفوظة في ذاكرة دبي، الإنجازات الملهمة والتطورات الكبيرة التي شهدتها المدينة، حيث تعتبر جزءاً أصيلاً من التراث المادي والثقافي لأهل دبي، وهي معالم ثقافية نشأت نتيجة التفاعل بين التراث والبيئة والتأثيرات الاجتماعية والاقتصادية، كما تعكس هذه الصروح إرث المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، إذ حققت دبي تحت قيادته طفرة تنموية شاملة في جميع النواحي لتصبح مدينة حديثة، عززت موقعها كمركز تجاري بين الشرق والغرب.
تناغم بين الأصالة والحداثة
وقال سعادة المهندس داوود الهاجري، مدير عام بلدية دبي: “إن مشروع حماية المواقع والأبنية التراثية الحديثة في دبي يسهم في الحفاظ على الموروث الحضاري الذي يمثل ركيزة أساسية لصون ذاكرتنا وترسيخ هويتنا الوطنية، وانتمائنا للمكان بأبعاده الثقافية والإنسانية، بما يعزز تواصل الأجيال الجديدة مع الموروث التي تركه لنا الآباء والأجداد ويؤكد إلمامهم بأنماط وأسلوب حياتهم”.
وأكد سعادته حرص بلدية دبي على الحفاظ على المباني والمواقع ذات القيمة التاريخية التي تزخر بها دبي، لافتاً إلى أن مواقع ومباني المرحلة الثانية من المشروع تعتبر شواهد حية على مرحلة مهمة في تاريخ دبي الحديث، حيث تقدم هذه المباني لوحة جمالية تعكس التناغم الفريد بين الحداثة وأصالة الهوية الوطنية.
وأضاف مدير عام بلدية دبي: “المرحلة الثانية تضم شواهد عمرانية مهمة تروي التغيرات التاريخية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية التي مرت بها دبي منذ بداية نهضتها الحديثة على يد المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، حيث تعتبر جزءاً لا يتجزأ من تراث دبي المادي وهويتها الثقافية، وتعد نموذجاً للتخطيط العمراني المتميز الذي شهدته الإمارة منذ أكثر من 50 عاماً.”
وتشمل المرحلة الثانية من مشروع حماية المواقع والأبنية التراثية الحديثة في دبي: برج الساعة، وبرج راشد، ومبنى دبي للبترول، ومبنى رقم 1 في مطار دبي الدولي، والمبنى الرئيسي لبلدية دبي، ومبنى تلفزيون دبي، وقصر الشيخ راشد بن سعيد – زعبيل، وقصر الضيافة، وقصر الشيخ راشد بن سعيد – حتّا، ومدرسة الشيخ راشد بن سعيد – حتّا، ومدرسة ثانوية زعبيل، ومكتبة الراس، ومبنى دائرة الأراضي والأملاك، ودوار السمكة، ومبنى محاكم دبي، ومبنى الديوان، ومركز شرطة نايف، ونصب الشعلة، ومبنى بريد الإمارات – الكرامة، وخزان حديقة الخزان، ومبنى حديقة الصفا، والنصر ليجر لاند، وحديقة الحيوان في جميرا، ونادي غولف الإمارات، ومبنى نادي خور دبي للجولف، ومسجد جميرا، ومسجد الراشدية الكبير، ومسجد الفهيدي، ومسجد هيئة الصحة، ومسجد عمر بن حيدر، ومستشفى آل مكتوم، ومستشفى دبي، ومستشفى البراحة، ومستشفى راشد، ومستشفى لطيفة (الوصل).
ويعتبر برج الساعة في منطقة ديرة، الذي يعود تاريخ تشييده إلى العام 1963، أحد أبرز المعالم الهندسية والمعمارية في إمارة دبي، وقد أعيد ترميمه في العام 1972 مع الحفاظ على تصميمه الأصلي، وللبرج رمزيته الخاصة التي تنطلق من مكانته كأول معبر بري بين ديرة وبر دبي عبر جسر آل مكتوم.
وقد اُختير البرج ضمن الأجمل على مستوى العالم، إذ صنفته صحيفة تلغراف البريطانية في أغسطس 2014 ضمن أجمل 17 برجاً للساعات على مستوى العالم، وفي سبتمبر من العام نفسه صنّفه موقع «ترافل بلَس» الإنجليزي ضمن أجمل الأبراج على مستوى العالم.
ويؤرّخ برج راشد أو برج “المركز التجاري”، لنهضة دبي العمرانية، حيث تم إنجازه عام 1979، وصممه المعماري البريطاني جون هاريس، وتمت تسميته بهذا الاسم تيمّناً باسم المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم. ويترجم البرج الرؤية المستقبلية للمغفور له الشيخ راشد بن سعيد الذي ارتأى ضرورة توفير مبانٍ عصرية لاستقطاب الشركات الإقليمية والعالمية، وإطلاق التوسع العمراني في المدينة بالاعتماد على تخطيط متكامل سابق لعصره.
وتفرّد برج راشد وقت إنشائه بطوابقه التسعة والثلاثين، وتحوّل خلال فترة وجيزة إلى مَعْلم رئيس بارز، ومحور مركزي للشركات العالمية الراغبة في تأسيس فروعها في إمارة دبي الغنية بالفرص الواعدة.
ويعكس تصميم المبنى الرئيسي لـ “بلدية دبي” في منطقة ديرة، والذي انتقلت إليه البلدية في عام 1979، قصة تحول وتطور الإمارة، حيث يسرد المبنى قصة النهضة المعمارية التي شهدتها دبي والتي شكلت هويتها الحضرية، التي تمزج بين التراث الإماراتي الأصيل والتطلعات إلى مستقبل مزدهر.
ويعتبر دوار السمكة في ديرة معلماً بارزاً يحمل بصمة فنية تظهر ما كان للبحر من أهمية في حياة أهل دبي باعتباره رمزاً لمصدر رزقهم، وقد تم تصميمه بشكل مميز وهو عبارة عن مجسم لسمكتين متشابكتين مصنوعتين من الإسمنت المسلح ومكسوتين بقطع من الموازييك الملون تتوسطان حوضاً مائياً، تحيطه أشجار جوز الهند.
ويقع “نصب الشعلة”، الذي شُيّد في العام 1969، في حديقة الاتحاد، وهو رمز للبدء في تصدير النفط من قبل شركة نفط دبي من حقل الفاتح، وأقيم على قاعدة مثمنة الشكل تتكون من أربعة أعمدة بارتفاع عشرة أمتار تتداخل لتكون أقواساً على النمط الإسلامي، وتنطلق من تحته شعلة موضوعة على عمود من رخام يرمز لحقل النفط. وقد تم ترميمه في عام 1976 ضمن خطة تطوير منطقة دوار الشعلة، وتمت إزالة الدوار في عام 1998 ونقل النصب إلى موقعه الحالي.
ويعتبر نادي الإمارات للغولف، الملقب بـ “معجزة الصحراء” من أقدم وأعرق نوادي الغولف على مستوى الشرق الأوسط، حيث استقطب خلال مسيرته التي انطلقت في عام 1988، وحتى الآن عددا كبيراً من البطولات المحلية والعالمية ومن أشهرها بطولتا “أوميغا دبي ديزرت كلاسيك” و”أوميغا دبي ليدز ماسترز”. ويتألّف النادي الذي يتميز بموقعه الأيقوني والساحر، من ثلاثة مضامير رائعة هي مضمار “المجلس” و”فالدو” ومضمار أكاديمية “بار 3” ويقدّم لرواده مجموعةً متنوعة من المساحات التي تُناسب كافّة مستويات المهارة.
ويتميز نادي خور دبي للجولف واليخوت الذي افتتح في عام 1993 بتصميمه الساحر على خور دبي، حيث جاء على شكل شراع مركب “الداو”، الأمر الذي منحه الكثير من الفخامة الممزوجة بالأصالة، وتتمثل أهمية هذا التصميم كونه يعكس أحد المعالم التاريخية بالإمارات، فضلاً عن الجمع بين العراقة والحداثة. كما يعدّ نادي خور دبي للجولف واليخوت وجهة عالمية تضم مجتمعاً من الأعضاء الناشطين في هذه الرياضة، ويشتهر النادي بمضمار يشكّل تحدياً شيّقاً للمتمرسين في رياضة الجولف، ويُعتبر الوجهة المفضلة للاعبين المحترفين وهواة هذه الرياضة، وقد اختارته مجلة “جولف وورلد” من بين أفضل 100 ملعب للجولف في العالم.
ويتميز مسجد الراشدية الكبير الذي اكتمل بناؤه في العام 1976، على نفقة المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، طيّب الله ثراه، بكونه أحد أكبر المساجد اتساعاً للمصلين في دبي، فضلاً عن تصميمه الفريد إذ يعد تحفة معمارية جمعت بين جمال فنون العمارة المغرقة في القدم، وبين النهضة العمرانية التي شهدتها دبي في مرحلة مبكرة.
ويُعد مستشفى راشد شاهداً على بداية النهضة العمرانية التي أطلقتها دبي خلال فترة السبعينات، والتي أسست لطفرتها العقارية التي مازالت متواصلة لتبهر العالم بما تقدمه في هذا المجال، ويضم المستشفى حالياً (762) سريراً تخدم كافة التخصصات.
ويجسد مبنى مستشفى دبي الذي افتتح في عام 1983، حالة التطورات الكبيرة التي شهدتها دبي على مستوى فنون العمارة التي تمزج بين الأصالة والحداثة. ويضم المستشفى (610) أسرة منها (424) سريراً داخلياً و(186) سريراً لعلاجات حالات اليوم الواحد، ليخدم أكثر من (26) تخصصاً.
قيمة تاريخية
يُذكر أن إطلاق المرحلة الثانية من مشروع حماية مواقع وأبنية التراث الحديث في إمارة دبي، يأتي بعد مرحلته الأولى التي ضمت معالم وأبنية ذات قيمة تاريخية تقع فيما يعرف في مدينة دبي القديمة التي تتميز بكثافة نسيجها العمراني الذي يعكس الطابع العربي للمدينة العريقة التي اشتهرت بضيق شوارعها و”سكيكها” ونشاطها التجاري.
وتعود المواقع الأثرية والمناطق والمباني التاريخية التي شملتها المرحلة الأولى من المشروع إلى فترة مبكرة من تاريخ دبي، وتقع في حي الشندغة التاريخي وحي الفهيدي التاريخي والسوق الكبير – الراس، وديرة (المرر، والبطين، ونايف، والمرقبات، والمطينة، والضغاية، والرقة) وحتّا المنطقة التاريخية.
وتضم قائمة المباني التي شملها المشروع في مرحلته الأولى: المربعات التاريخية والأبراج (مربعة أم الريول، ومربعة البراحة، ومربعة الشيخ عبيد، ومربعة الشندغة، وبرج نهار، والبرج الجنوبي، والبرج الشمالي)، كما تضم قائمة المباني التاريخية عدداً من المتاحف تشمل متاحف الشندغة (متحف الطفل، ومتحف المأكولات الشعبية، ومتحف العطور، ومتحف آل مكتوم، ومتحف الشعر، ومتحف الطب الشعبي) ومتحف ساروق الحديد، ومتحف بلدية دبي.
وتشمل قائمة المباني التاريخية أيضاً، منطقة السوق الكبير (محلات تجارية، ومساجد، ومباني متعددة الاستخدامات “حكومية وخاصة “)، وحصن الفهيدي، ومجلس أم الشيف – جميرا، كما تضم القائمة عدداً من المساجد (مسجد المر بن الحريز – حي الشندغة التاريخي، ومسجد بن زايد – حي الشندغة التاريخي، ومسجد بن حارب – حي الشندغة التاريخي، ومسجد الملا – حي الشندغة التاريخي، ومسجد بن لوتاه – السوق الكبير- الراس)، فضلاً عن مركز الوثائق التاريخية وحصن حتّا.
وتعبِّر هذه المباني ذات القيمة التاريخية بشكل واضح عن المظاهر الحياتية المزدهرة والحالة الفريدة من الرقي الذي تميزت به مفردات العمارة التراثية في دبي على مر السنين، حيث تشتهر بمبانيها ذات الهندسة الرائعة، بعد أن تحولت إلى منارات ثقافية وشواهد على تراث دبي الأصيل الذي يربط الأجيال الجديدة بتاريخهم وثقافتهم الأصيلة.
أسس علمية
وتشكل المباني والمواقع التاريخية في دبي مكاناً يختزن ذاكرة الإمارة، لذلك تعمل الجهات المختصة في الإمارة قبل الشروع في ترميم أي مبنى تراثي، على إعداد دراسة تبين طبيعة الاستخدامات التي سيشهدها المكان وتحديد احتياجاته.
وتتبع إمارة دبي في عملية الترميم استراتيجية واضحة تقوم على أسس علمية، تبدأ من حصر المباني التاريخية وتحليل حالتها الإنشائية، ومن ثم وضع الرسومات المعمارية والهندسية الدقيقة، وتحليل المواد القديمة للمباني، وبعد ذلك تقوم الجهات المختصة بوضع خطة واضحة للترميم يكون الهدف الرئيس الحفاظ على المادة التاريخية لهذه المباني وإبراز قيمتها وأصالتها.
وتحرص الجهات المختصة على استخدام نفس المواد المستخدمة في بناء الشواهد التاريخية مع العمل على معالجة المشاكل الإنشائية المختلفة إن وجدت والقيام بالاختبارات اللازمة لهذه المواد للتأكد من مناسبتها للمبنى وتهيئة المحيط العمراني بشكل يناسب قيمة هذه المباني، وذلك في إطار الأهمية الكبيرة التي توليها دبي لعملية الحفاظ على المباني التاريخية وإعادة تأهيلها بهدف إعادة ألق الماضي إليها، الأمر الذي يحول هذه المباني إلى مزارات سياحية تجذب المواطنين والمقيمين وزوار دبي.
المصدر:وام