علاء الدين محمود
يعد مفهوم سلطة الكتابة من أكثر المفاهيم تداولاً في الأوساط الفكرية والثقافية، وهو غالباً ما يُطرح في اتجاه واحد، أي الاتجاه الذي يتبنى فكرة تأثير الكاتب، أو منتوجه الفكري على جمهور القراء، إذ يخضعون لسلطة حقيقية تتحكم في وعيهم وأفكارهم وخياراتهم واتجاهاتهم، فالكاتب أو المفكر يمتلك تفويضاً بحكم معارفه في التأثير على القراء، حيث إن كثيراً من الناس يحملون أفكاره ذاته، بل ربما يصبحون كائنات مستنسخة تماماً، وقد رأينا كثيراً من الأفكار والإيديولوجيات التي أثرت بشكل عميق في جمهورها من خلال تلك السلطة، وكثير من الأنظمة الشمولية وضعت هذا العامل (أي سلطة المعرفة) في اعتبارها، فاهتمت بالإعلام والكتابة من أجل أن يسود مشروعها الفكري وسط الناس الذين تشكلت أفكارهم وأراؤهم ومواقفهم في ومن الحياة، وفقا لرؤية يحملها مفكر أو كاتب تلك السلطة.
تحدث كثير من النقاد والباحثين عن نسق مختلف من القراءة، ذلك الذي سُمي بالقراءة الإبداعية، والتي يراد منها أن تشكل معادلاً إبداعياً، مساوياً لما يمتلكه الكاتب من مقدرة خاصة تتضمن موقفاً ندياً ونقدياً من المقروء، في محاولة لخلخلة تلك السلطة شبه المطلقة للكاتب، الذي يفرض أفكاره وتجربته ومعارفه على جمهور القراء، وربما من هنا نشأت فرضية موت المؤلف التي أسس لها رولان بارت، واستقبلها كثير من الدوائر الثقافية والفكرية كفتح كبير، يؤسس لموقف جديد، لكن المؤلف لم يمت، ولم تعلن حياة جديدة للقارئ خارج نصوصه، فالقارئ هو أيضاً ضمن سياقات النص وليس غريباً عليها، واتسعت ثقوب فرضية بارت لتعلن عن انهيارها وموتها، وعاش المؤلف.
وبعد أن سادت مقولة «موت المؤلف» ردحاً من الزمان كمصطلح نقدي، جاء من يعلن موت الناقد نفسه، ليعيد الاعتبار مرة أخرى للكاتب ولسلطة «الكتابة»، لكنها أيضاً وعلى نحو آخر لم تهمش دور القارئ، بل وضعته داخل حركة النص المكتوب وعظمت من دوره.
ساد العالم خلال حقب تاريخية متعددة وما زال حتى يومنا هذا صراع للرؤى والأفكار، حيث إن تاريخ التأليف والكتابة الفكرية لم يكن إلا حرباً معلنة للنصوص، أنتجت هذه الحرب، رؤى وإيديولوجيات ونظريات سياسية، وجمهوراً وأتباعا، وسلطة سياسية جاءت إلى الحكم محمولة في رافعة رؤى ومواقف فكرية، ومازال هذا هو الواقع السائد، فمع انتصار وسيادة أفكار معينة، فإن كتابات أخرى تطرح موقفاً نقدياً نقيضاً لها، وهي الأخرى تنتج جمهوراً وأتباعاً وإيديولوجيات، ليخضع الجميع لسلطة نص أو نص نقيض.
alaamhud33@gmail.com