«حبة كراميل».. انتصار للمرأة في وجه «بيزنس» التجميل

شبكة أخبار الإمارات ENN

مارلين سلوم

تحتاج أحياناً إلى مساحة من الاسترخاء، الاستسلام للتفكير، الابتعاد عن التحليل والإرهاق والتوتر. تتعمد الهروب من الأفلام الفلسفية وتلك المعقدة أو أفلام الرعب والجريمة والأكشن.. تبحث عن مساحة من الكوميديا غير الفجة، ولا المبتذلة، فقط تريد أن تذهب إلى السينما لتضحك بصحبة أسرتك. مع «حبة كراميل» تتوفر لك تلك المتعة، مع عمل ينطبق عليه اسم «فيلم لايت» جيد الصنع.
مخطئ من يحسب أن الكوميديا هي أسهل الطرق للوصول إلى عقل وقلب المشاهد، فهي على العكس تماماً، تكاد تكون الأصعب، لأنها تقترب جداً من الابتذال والتفاهة، وتقف على حدود فيها الكثير من المخاطر مثل خطر السقوط في فراغ الفكرة وسذاجتها، وخطر الافتعال لإجبار المشاهد على الضحك، وخطر الاستظراف والصراخ.. فتأتي النتيجة عكسية، ويكتب الفشل للعمل وكل فريقه وصناعه.
«حبة كراميل» فيلم يجمع بين الرومانسية والكوميديا، والقليل من الاستعراض، يتناول قضية قد يتم الترويج لها باعتبارها قصة فتاة (مايا) تتناول حبة كراميل من صنع والدتها الدكتورة جومانا، فتجعلها قادرة على قراءة أفكار الناس، وتنتقل من قراءة ما يفكر فيه الأطفال، إلى ما تفكر فيه النساء، لتعيش في أزمة وتصبح حياتها معلّقة، وقصة حبها لا تكتمل إلى حين إيجاد حل لها. هذا في الظاهر، أما في العمق، فميزة هذا الفيلم أنه يحمل رسالة حيوية ومهمة، مغلفة بقالب كوميدي، يتعمد إيصالها بسلاسة وبساطة إلى كل امرأة وفتاة.
الكاتب مازن طه، اقتبس الفكرة من مسلسل روسي، فحولها إلى مسلسل لبناني عرض في رمضان الماضي تحت اسم «كراميل»، وضم نفس فريق العمل من المخرج إيلي حبيب، إلى الأبطال ماغي بو غصن بدور مايا، وظافر العابدين بدور حبيبها رجا، جيسي عبدو تكون صديقتها «رهف»، وحبيبها طلال الجردي «ابن عم رجا». والدة مايا الدكتورة جومانا (مي صايغ) – وأحياناً تناديها مايا «خالتي» دون أن نفهم السبب-، تجري أبحاثاً، وقد توصلت إلى ابتكار حبوب كراميل، تخول لإنسان قراءة أفكار الآخرين، منها ما هو لقراءة ما يفكر به الأطفال ويقولونه في سرهم، ومنها ما هو للنساء وآخر للرجال.
تحويل المسلسل إلى فيلم تطلب اختصار عدد الممثلين طبعاً، مع تعديلات في الأحداث، فجاء «استكمالاً» بشكل ما للمسلسل. يبدأ الفيلم من مشهد مايا وسط مجموعة أطفال في حضانة، -وهنا أيضاً لا نفهم سبب وجودها في الحضانة- تسمع أفكار كل منهم، فتصاب بإرهاق وتطلب من أمها إيجاد حل لها، خصوصاً أن معرفتها بما يحتاج إليه كل طفل تدخلها في مشاكل مع أمهاتهم. طبعاً الحكاية تتماشى مع المواقف الكوميدية الظريفة، والتي تدفع الجمهور إلى الضحك بشكل تلقائي.
في المقابل، نرى صقر (هشام حداد)، يعقد اجتماعاً لموظفيه يطلب منهم التفكير في طرق لجذب الزبائن، فهو «ملك السيليكون والبوتوكس، المواد التي أصبحت تباع أكثر من الحليب». وجود صقر محوري، فهو من يحوّل القصة من مجرد أزمة لفتاة تقرأ ما يبطنه الناس بعكس ما يظهرونه، فتعرّي حقائقهم وتفضحهم لتعيش هي في أزمة مع محيطها ومع خطيبها، إلى مشكلة حقيقية تعانيها المجتمعات حالياً، حيث الترويج لعمليات التجميل وإغراء الفتيات والنساء بشتى الوسائل ليغيرن من أشكالهن، كذلك مشكلة نظرة الرجال والمحيط التي تقيس الجمال الأنثوي بمعايير ملكات الجمال وعارضات الأزياء ونجمات الفن. ناهيك عن المواد الفاسدة التي يتم استخدامها في مثل هذه العمليات بهدف الكسب المادي وتكون نتائجها سلبية ومضرّة.
هذه النقطة هي المفتاح إلى عمق رسالة الفيلم والتي تجعله مختلفاً عن الأفكار والقصص السائدة. علماً بأنها ليست نقطة الارتكاز الوحيدة التي أدت إلى نجاحه وإقبال الجمهور عليه، بل نضيف إليها الكوميديا الراقية والتي جعلت من الفيلم صالحاً لكل أفراد الأسرة بلا استثناء، الإنتاج السخي، الإخراج والصورة الجميلة والمشاهد المترابطة، والتنويع بين تصوير داخلي وخارجي، والاستعراض والغناء.. ولا ننسى أداء كل الممثلين بلا استثناء، مع تنويه إلى أن ظافر العابدين بدا في بعض المشاهد «أكبر» من الدور، لا يبخل بأدائه ومشاعره تماماً وكأنه يؤدي دوراً في عمل تراجيدي أو دراما تلفزيونية. هو الشاب الوسيم، الذي يأخذ الحياة على محمل الجد، والدور يليق به. أما ماغي بو غصن، فهي ممثلة تملك موهبة حقيقية، بارعة في الكوميديا إنما ننتظر منها أن تنتقل سينمائياً إلى مرحلة أهم من الدور «المتشابه»، الذي يفرض عليها بالتالي أداءً متشابهاً يتلاقى مع أدائها في أفلامها السابقة مثل «فيتامين» و«بيبي». مي سحاب جيدة بدور «غادة أوكسيد الكربون» التي تحاول تطبيق تركيبات الدكتورة جومانا سراً.
يواجه الكاتب مازن طه انتشار عمليات التجميل ومخاطرها، عبر قلب معايير الجمال، فتصبح البدانة موضة، وعارضات الأزياء ممتلئات، وشهية الفتيات مفتوحة على الأكل بلا خوف أو خجل، لينقلب حال المجتمع رأساً على عقب، حيث تلفت الأنظار الفتاة البدينة لجمالها بينما تخجل النحيلة من شكلها. الفكرة جيدة وجريئة، كما أنها جرأة من زوجته الكاتبة نور شيشكلي الظهور في الفيلم بدور صغير كفتاة تعاني نظرة المجتمع لها بسبب بدانتها. لكن طه ذهب إلى النقيض تماماً، ليروج بدوره للوجبات السريعة، والبدانة والتي تشكل أيضاً خطراً على الصحة.
قد تكون النهاية متوقعة في مثل هذه النوعية من الأفلام، لكنها تبقى دائماً على المحك، وقد تميزت بلوحة استعراضية جميلة، جمعت البدينات والنحيلات، على أنغام أغنية تلاقي رواجاً كبيراً في سوق الأغاني، تدعو فيها بو غصن كل فتاة وامرأة إلى أن تحب ذاتها كما هي، «بلا اشتف أو نفخ»، فقط «كوني أنت»، ولكل امرأة جمالها.

فراغات وتفاصيل ناقصة

يفترض صناع فيلم «حبة كراميل» خصوصاً الكاتب والمخرج، أننا نعرف مسبقاً تفاصيل مهمة عن شخصيات العمل، وأننا شاهدنا جميعاً مسلسل «كراميل» الذي عرض في شهر رمضان الماضي. فحتى وإن جاء الفيلم كنوع من استثمار لنجاح المسلسل، إلا أنه قد غاب عن المؤلف والمخرج أن الأفلام تسافر إلى حيث لا يصل المسلسل أحياناً، وأن جمهور السينما ليس بالضرورة أن يكون نفسه جمهور الدراما. لذا انطلقت الأحداث دون منحنا، ولو بلمحة بسيطة من خلال جمل قصيرة في الحوار، خلفية عن الشخصيات الرئيسية، ومن أين أتت، وبعض التفاصيل المهمة الناقصة والتي تُحدث فرقاً كبيراً ومهماً في المشاهدة، بدل أن يشعر الجمهور بخلل ما وفراغات لا يستطيع أن يملأها، وكأنه فاته شيء ما.

لقاءات تثمر نجاحاً

هو ليس اللقاء الأول بين المخرج إيلي حبيب والفنانة ماغي بو غصن وشركة الإنتاج «إيجل فيلمز» لزوجها المنتج جمال سنان. سبق أن قدم الثلاثي أفلام «بيبي» 2013، و«فيتامين» 2014 و«ولعانة» في 2016. لقاءات الثلاثي تثمر نجاحاً، وبين التجربة الأولى لهم معاً ولماغي بو غصن كبطلة في السينما، وهذه التجربة الأخيرة، تطور لافت سجل معه «حبة كراميل» قفزة ولو بسيطة.

marlynsalloum@gmail.com

شاهد أيضاً