«جومانجي: أهلاً بكم في الأدغال».. ضحك وكوميديا ومفاجآت

شبكة أخبار الإمارات ENN

مارلين سلوم

صناعة السينما صارت أسهل، فلم يعد أحد يشغل باله بملاحقة أحد، ولم يعد هناك من يخجل من سرقة فكرة أو مقطع أو حتى بناء فيلمه على مقتطفات من أعمال سابقة. المحاسبة غائبة، والمهم أن الإخراج جيد، والتسلية مضمونة، والنجوم محبوبون، والقصة ثرية بالحركة والتشويق. هذا ينطبق على كثير من الأفلام الحديثة، ومن بينها «جومانجي: أهلاً بكم في الأدغال»، الذي يعرض محلياً، ويلقى النجاح وينافس بقوة عالمياً.
السينما تختبر ذاكرة الجمهور، فبينما تجلس لمشاهدة فيلم جديد، تقفز أمامك مشاهد تشعر أنها مألوفة، وإذا كانت ذاكرتك جيدة تلتقط اسم الفيلم المأخوذة عنه. وكأنك تركّب قطعاً من «البازل» أو «الأحجية»، خصوصاً أن «جومانجي: أهلاً بكم في الأدغال»، يتضمن أكثر من مشهد من أكثر من فيلم، وعليك تتبع خريطة ذاكرتك، كما يتتبع أبطاله خريطة لعبتهم «جومانجي» ليصلوا إلى حل اللغز.
«جومانجي» هي رواية للمؤلف كريس فان ألزبيرغ، تحوّلت إلى فيلم عام 1995، كتبها سينمائياً مجموعة مؤلفين، منهم ألزبيرغ نفسه وجوناثان هينزليه وغريغ تايلور وغيرهم.. أخرجه جو جونستن ولعب أدوار البطولة روبن ويليامز وجوناثان هايد وكريستن دانست وبوني هانت وجيمس هاندي.. أما «جومانجي» النسخة الجديدة، فهي مختلفة بأحداثها وشخصياتها، ولا يمكن اعتبارها نسخة معدّلة عن الأولى، ولا هي جزء ثاني يكمل ما سبق تقديمه.
وحده لغز «جومانجي» اللعبة السحرية يجمع بين العملين، وهذه المرة تغوص القصة في الأدغال مع مغامرات مشوقة، وكوميديا عالية ناجحة. كريس ماكينا الذي شارك في كتابة فيلمين مميزين في 2017 هما «سبايدرمان: العودة إلى الوطن» و«الليغو باتمان»، ينجح في تقديم «جومانجي» بأحداث مترابطة غير معقدة، رغم نقل الشخصيات من حالة إلى حالة مناقضة، ومن مرحلة واقعية مع أبطال من الشباب، إلى مرحلة خرافية مع أبطال مخضرمين مشهورين.
المخرج جايك كاسدان، له دور أيضاً في تسهيل المهمة على المشاهد، كي يسير مع التطورات والتغيرات بشكل سلس، محفزاً الذاكرة لتنشط وتحفظ أسماء الأبطال وأشكالهم وتربطها لاحقاً مع تحولاتها وأسمائها الجديدة.
تنطلق أحداث الفيلم من العام 1996، حيث يجد رجل لعبة «جومانجي» شبه مدفونة تحت الرمل، فيحضرها إلى ابنه أليكس (نيك جوناس) المشغول بألعاب الفيديو. يتركها جانباً، فتتحول من تلقاء نفسها إلى لعبة فيديو، تجذبه ثم تخطفه إلى عالمها السحري. يختفي أليكس، وتنقلب حياة الأسرة، ويصير المنزل كأنه مهجور ويلقبه سكان المنطقة ب «بيت الرعب».
في المقابل، يقدّم لنا الكاتب مجموعة أخرى من الشباب، نكتشف معها أننا انتقلنا إلى مرحلة متقدمة، وقد مضى عشرون عاماً على اختفاء أليكس الغامض، دون أن يعلم أهله أو أي أحد سر هذا الاختفاء ومصير الشاب. نتعرف إلى سبينسر (أليكس وولف) الذكي والخجول إلى درجة سيطرة زميله فريدج (سير داريوس بلين) عليه، واستغلاله في كتابة الواجبات بالنيابة عنه ليتفرغ هو للهو ولعب الكرة. وبيثاني (ماديسون إيسمان) الجميلة المهووسة بالسيلفي ومواقع التواصل الاجتماعي، ولا يمكنها الاستغناء عن هاتفها أبداً. أما مارثا (مورغان تيرنر)، فهي منعزلة، جادة، لا تختلط بالآخرين ولا تحب اللهو والتسلية، لكنها مميزة في نظر سبينسر المعجب بها سراً. كل من هؤلاء الأربعة يقترف خطأ في المدرسة يستحق عليه عقاباً، فيقرر المدير أن يحجزهم في غرفة المخزن، وعليهم تنظيفها وتوضيبها. يكتشفون لعبة الفيديو «جومانجي» فيقررون اللعب، كل منهم ينتحل شخصية ما، ويبدؤون بالاختفاء إلى أن نرى شخصيات أخرى ونكتشف أن سبنسر المتردد والجبان أصبح دكتور سمولر برايفستون ويلعب دوره النجم دوين جونسون، وفريدج المتعالي الضخم صار فينبار الملقب بالفأر، يؤديه كيفن هارت، ومارثا المنعزلة تحولت إلى روبي راوندهاوس تجسدها كارين جيلان، أما بيثاني المغرورة والمنشغلة بجمالها، فأصبحت البروفيسور شيلي أوبيرون ويلعب دوره باقتدار جاك بلاك الذي يخلط بين أصل الشخصية الأنثوية وبين تلك التي أصبحت عليها بعد تحوّلها إلى رجل.
ذكاء من الكاتب أن يقلب الأدوار ويقدم أبطاله بشكلين متناقضين تماماً، فمن كان جباناً صار مصارعاً مفتول العضلات ضخم البنية، ومن كان ضخماً صار «فأراً» كما يلقبونه، والجميلة رجل، والمنطوية صارت جميلة وجذابة. كل شخصية تملك مفتاح ضعفها ومفتاح قوتها، والمطلوب من المجموعة أن تحل لغزاً معقداً من أجل إنقاذ «جومانجي»، ولا يملكون سوى خريطة سلمهم إياها رجل يظهر فجأة اسمه «نايجل» شارحاً لهم مهمتهم الصعبة في الأدغال، ثم يختفي.
كل شخصية تبدأ في اكتشاف ذاتها وقدراتها، والعمل على التحرك سريعاً لحل اللغز، من أجل الوصول إلى جوهرة جومانجي الخضراء، والتي تعتبر عين النمر، التمثال الضخم. منذ أن سرقها فان بيلت (بوبي كانافايل) أصبح هو المسيطر وحلّت اللعنة على الأدغال.
كثير من الضحك والمواقف الكوميدية، مجبولة بالإثارة والتشويق، وعنصر المفاجأة لا يغيب. وكغالبية الأفلام الأمريكية الحديثة، تسود فكرة «العمل الجماعي»، وأن ما من مهمة تنجح إلا بتضافر جهود المجموعة، وثقة أفرادها ببعضهم بعضاً. والفكرة الثانية المكررة باستمرار وكأن هوليوود لا تمل من فرض صورة البطل المنقذ الأوحد للعالم، والتي تظهر دائماً بعبارة «مصير العالم بين يديك»، وهنا يقولها نايجل «مصير جومانجي بين أيديكم». ومن إيجابيات الفيلم أنه يلفت إلى تفاهة بيثاني الفتاة المشغولة بالسيلفي ومواقع التواصل، بينما تتفوق عليها مارثا الأقل جمالاً والأكثر انشغالاً بالدراسة، كما يلفت إلى أهمية اتباع الأمور الوسط بين اللهو والجد في العمل.
يعتمد العمل على مجموعة من المراهقين وتغيب عنه الأسرة والأطفال وفق ما كان عليه الفيلم الأول. لكنه يضمن متعة المشاهدة للعائلة، ويستعيد أبطاله جميعاً بمن فيهم أليكس ليخرجوا من اللعبة المسحورة إلى الواقع، محملين بدروس وتغيرات كثيرة. وقد استطاع أن ينال إعجاب النقاد والجمهور، ويحقق إيرادات عالية ويحصد تقييماً متميزاً.

جايك كاسدان ينافس والده في الصالات

المخرج جايك كاسدان، ينافس والده لورنس كاسدان في الصالات، فهذا الأخير كتب أفلام «حرب النجوم»، لكن الجزء الجديد «الجيداي الأخير» نال نصيباً كبيراً من النقد. كاسدان الابن قدم فيلماً سلساً، لا يتوه في أدغاله الجمهور رغم كثرة الألغاز فيه، واللعب على تناقضات الشخصيات، وتقلباتها، فليس سهلاً أن تقدم 4 شخصيات رئيسية، كل منها مزدوجة، كأنك تقدم فيلمين بمجموعتين من الممثلين. كاسدان مخرج عرف كيف يقدم دوين جونسون بصورة مختلفة عن تلك التي رأيناه فيها سابقاً، فإضافة إلى «العضلات» والقوة البدنية التي اشتهر بها دوين، واستغلها المخرجون سينمائياً، نراه هذه المرة ممثلاً بارعاً في الكوميديا، ظريفاً، يجيد التعبير بملامحه ووجهه، خصوصاً حين يؤدي دور الخائف الضعيف غير المعتمد على عضلاته لحل الألغاز، وإعمال العقل. دوين يستحق فرصاً أخرى أكثر تركيزاً على مؤهلاته كممثل بعيداً عن قدراته البدنية.

استعارة من «موانا» و«إن تايم»

«جومانجي» استقى بعض تفاصيله من فيلمين، أحدهما فيلم الكرتون «موانا»، الذي عرض عام 2016، والثاني «إن تايم» إنتاج 2011. من «موانا» استعار الفيلم الكثير، مثل سرقة «الشرير» للجوهرة من مكان مرتفع (الجبل أو تمثال النمر العالي)، فصارت الطبيعة كئيبة، وعمّ السواد في كل مكان، ومغامرة موانا لإعادة الجوهرة إلى مكانها، ما يضطرها للمرور بمراحل عدة صعبة، ومحفوفة بكل أنواع المخاطر، منها اجتياز النهر، والمرور في ممشى محاط بالنار والصعود إلى القمة..
أما من فيلم «إن تايم» قصة وإخراج أندرو نيكول، وبطولة جاستن تمبرلايك، فأخذ الفيلم وشم عمر الإنسان على ذراعه، مع فارق أن في الأول يقاس العمر المتبقي للإنسان بالأرقام الظاهرة على يده والتي تختفي مع موته، بينما تظهر بثلاثة خطوط على أذرع الأبطال الأربعة، ويلتحق بهم أليكس في مرحلة لاحقة، وهي 3 خطوط لكل منهم، أي 3 حيوات، ينقص عددها كلما تعرض أحدهم للموت.
في هذه المرحلة تستوقفنا عبارة أوردها الكاتب على لسان أحد الأبطال، حين يقرر المجازفة بآخر خط حياة متبق، قائلاً: «نحن أصلاً لا نملك إلا حياة واحدة، ونغامر فيها». كأن الكاتب يريد تأكيد أن فكرة تحديد أعمار البشر بأرقام، أو خطوط ما هي إلا وهم.

marlynsalloum@gmail.com

شاهد أيضاً