جاكلين روس تروي مغامرة العقل الغربي

شبكة أخبار الإمارات ENN

الشارقة: علاء الدين محمود

كثيرة هي المؤلفات والدراسات التي بحثت في تاريخ الفكر الأوروبي، ومراحل تطور العقل الغربي، وهنالك الكثير من المرويّات في هذا الصدد تختلف في رؤيتها وفي تقديم حكايات الأفكار الفلسفية والعلمية والأدبية والفنية التي أنتجها العقل الأوروبي، وقد حاولت تلك المؤلفات الولوج إلى تلك التركيبة العقلية الأوروبية من حيث نظرتها إلى ذاتها، تلك النظرة التي انتهت إلى ما يسمى بالمركزية الأوروبية، كما تحاول هذه البحوث تحليل وقراءة التاريخ الأوروبي، ومكوّناته الأساسيّة ونظرته إلى الآخر.
يعد كتاب «مغامرة الفكر الأوروبي.. تاريخ الأفكار الغربية»، للكاتبة والباحثة الفرنسية جاكلين روس، والصادر عن مشروع «كلمة»، ترجمة أمل ديبو، من المؤلفات التي لاقت رواجاً كبيراً، نظراً لبساطته وابتعاده عن التعقيد، واتباع أسلوب ممتع في سرد الوقائع والأحداث، مما خفف من ثقل المادة التاريخية.
ولئن أطلقت المؤلفة صفة «مغامرة» على بحثها الكبير هذا، فهو وصف حقيقي نسبة للدهاليز التي خاضتها، والظلمات التي أضاءتها والمتعة التي وفرتها بأسلوبها الرشيق، حيث يأخذنا الكتاب إلى تلك العوالم واللحظات التي شكلت تلك الأفكار، وأنتجت الوعي الذي قاد نحو ذلك البناء المدهش الذي يسمى بالحضارة الغربية.
يسعى الكتاب إلى رصد تاريخ الفكر الأوروبي، والتعمّق في تطوّره، وإعطاء نظرة شاملة لتكوين الحضارة الأوروبيّة، كما يعد الكتاب مدخلاً لطلاب التاريخ لدراسة الأفكار الغربية، فهو يصف انطلاقة التيارات الكبرى المؤسّسة للفكر الأوروبّي، وحوار الأفكار في ما بينها وديناميكيتها، وصولاً إلى تمزّقات زمننا الحاضر وإعادة تركيبه. ومن خلال عرض ثاقب، تعطي جاكلين روس ملخّصاً فريداً من نوعه كما لو كان لوحة كاملة لعالم الفكر الغربيّ.
ينقسم الكتاب إلى أربعة أقسام، يتناول في قسمه الأول: فكرة التاريخ، وفكرة الإنسانية. بينما يتناول القسم الثاني: انتصار المسيحية، وإنسان القرون الوسطى، والأفكار المفقودة في القرون الوسطى، والجدلية والإنسانوية في القرون الوسطى، ونهضة القرن الثاني عشر، وتعزيز العقل، وإنسانوية القرن الثاني عشر، والرياضات في القرون الوسطى، والمنطق وفكرة المعرفة، ومغامرات علم القرون الوسطى. فيما يقف القسم الثالث على منجز عصر النهضة، ويتناول الإنسان كأساس جديد للأفكار، بينما يمتد القسم الرابع ليرصد الأفكار حتى حدود النصف الأول من القرن العشرين.
ويأتي الكتاب على ذكر إنجازات كل قرن، وما احتواه من تطور في مجالات الفلسفة والعلوم والرياضة والفكر والأدب حتى القرن العشرين، منذ الكتاب المقدس، والعهد الإغريقي والعصور الوسطى، وما تميزت به كل مرحلة من إنتاج فكري وأدبي، كما يرصد محاولات التقدم في عصر النهضة، والرؤى والأفكار المتعارضة، التي أسهمت في التطور الحضاري للقارة الأوروبية، وسمحت بتقدمها فكرياً وثقافياً. حيث إن أوروبا لم تكن أمة واحدة، بل أمماً وثقافات مختلفة، وكان لهذا التعدد العرقي والثقافي دور بارز في تطور الأفكار، والدفع بها عبر عملية التلاقح والتلاقي.
ترى روس أن العقل الأوروبي في تطوره أسقط الكثير من المسلمات، وتغلب على ثقل الخرافات، وهي تعود إلى دور المواجهات الفكرية والصراع بين الطبيعة واللوغوس، وبروز المذهب الإنسانوي مع نهايات القرون الوسطى، والتطور الأكبر الذي حدث في القرن السابع عشر مع سيادة أفكار الفيلسوف ديكارت عن العقل، مما مهد لظهور عصر الأنوار في القرن الثامن عشر، عندما أصبحت التجربة أساساً للمعرفة. وكان الفتح الكبير، والذي لا يزال أثره ممتداً ومؤثراً في كل العالم، ذلك الذي حدث في القرن التاسع عشر، حيث شهد انتصار العقل والإنسان والعلم، وكان من تجلياته الفلسفة الهيجيلية وأفكار الفيلسوف كانط، ثم كارل ماركس ونيتشة، وهذا الأخير مثّل هو الآخر منعطفاً جديداً في تاريخ الفكر الأوروبي، وشكلت المفاهيم والمقولات والأفكار التي طرحها رؤية نقدية، وأرضية لمراجعة كل أفكار ومنجزات العقل الغربي في كل مراحله.
الكتاب يوفر متعة كبيرة للقارئ، وذلك للأسلوبية الفريدة التي انتهجتها الكاتبة، والتي نجحت عبرها في وضع كل التاريخ الأوروبي، وتطور الأفكار فيه بين أيدينا.


Read more

شاهد أيضاً