أصدرت “كورسيرا”، إحدى أكبر منصات التعليم عبر الإنترنت في العالم، اليوم “تقرير مهارات الوظائف 2025″، الذي سلط الضوء على كيفية إسهام سرعة تبني الذكاء الاصطناعي التوليدي في إعادة تشكيل القطاعات وإعادة تعريف المهارات المطلوبة. وكشف التقرير أن المتعلمين في الإمارات يعطون الأولوية للذكاء الاصطناعي التوليدي ومهارات الأعمال للحفاظ على القدرة التنافسية والتكيف مع سوق العمل المتطور في المنطقة.
الذكاء الاصطناعي التوليدي المهارة الأسرع نمواً
واستناداً إلى رؤى مستمدة من خمسة ملايين متعلم من الجهات الحكومية والشركات والجامعات وأكثر من 7000 مؤسسة، حدد التقرير الذكاء الاصطناعي التوليدي باعتباره المهارة الأسرع نمواً على مستوى العالم، حيث زادت معدلات التسجيل بدورات الذكاء الاصطناعي التوليدي بنسبة 866% على أساس سنوي. وتجلى هذا الاتجاه في دولة الإمارات، إذ تصدرت مهارات الذكاء الاصطناعي التوليدي القائمة بالنسبة للمتعلمين، بما يعكس تطلع الدولة إلى أن تصبح رائدة عالمياً في هذا المجال. وتجلى هذا بشكل أكبر في تصنيف الإمارات بين أفضل خمس دول في مؤشر الذكاء الاصطناعي لعام 2024 والصادر عن معهد ستانفورد للذكاء الاصطناعي المتمركز حول الإنسان.
ويتوقع أن يساهم الذكاء الاصطناعي والتقنيات المتقدمة بنحو 14% من الناتج المحلي الإجمالي لدولة الإمارات بحلول عام 2030. وقد ساهمت الاستثمارات المبكرة للدولة في الذكاء الاصطناعي في إرساء أساس قوي للنمو، على الرغم من استمرار التحديات. وكشف استطلاع أجرته “ساب” و”يوجوف” مؤخراً أن 43% من صناع القرار في مجال تكنولوجيا المعلومات في الإمارات يعتبرون نقص الموظفين المهرة عقبة رئيسية أمام اعتماد الذكاء الاصطناعي. ويمثل ذلك فرصة كبيرة، حيث تخطط 84% من الشركات في الإمارات لتوظيف مواهب متخصصة في الذكاء الاصطناعي خلال الخمسة عشر شهراً المقبلة.
ومع توقع مساهمة الذكاء الاصطناعي بإضافة 15.7 تريليون دولار إلى الاقتصاد العالمي بحلول عام 2030 ودعوة 70% من الخريجين إلى التدريب على الذكاء الاصطناعي التوليدي، فإن مؤسسات التعليم العالي تحظى بفرصة كبيرة للتوسع في البرامج التي تركز على الذكاء الاصطناعي. وقد شهدت الدورات التدريبية الشائعة في مجالات مثل الرؤية الحاسوبية، وباي تورش PyTorch، وتعلم الآلة تضاعف معدلات التسجيل بها على أساس سنوي. ومع ذلك، ما زالت الفجوة قائمة بين الجنسين، إذ لم تشكل النساء سوى 28% من الملتحقين بدورات الذكاء الاصطناعي في عام 2024. ويسلط هذا الضوء على الحاجة إلى وجود قدر أكبر من الشمولية من خلال المبادرات التعليمية وسياسات أماكن العمل التي تدعم التنوع في التكنولوجيا.
تفوق المتعلمين في الإمارات في مهارات الأعمال
كما أشار تقرير “كورسيرا” لمهارات الوظائف 2025 إلى أن مهارات الأعمال تعد أحد مجالات الاهتمام الرئيسية بالنسبة للمتعلمين في دولة الإمارات. وتصنف المهارات مثل إعداد التقارير المتعلقة بالامتثال، والتدقيق، وتنمية القوى العاملة، وإدارة رأس المال البشري، والتنبؤ بالمبيعات من بين أهم الأولويات. وتعكس هذه القدرات مكانة الإمارات كمركز إقليمي وعالمي للأعمال، حيث تعتمد المؤسسات بشكل متزايد على الرؤى القائمة على البيانات وممارسات الإدارة الفعالة للحفاظ على قدرتها التنافسية.
ويرتبط الاهتمام الذي توليه الإمارات للمهارة في الأعمال ارتباطاً وثيقاً بأهدافها الاقتصادية الطموحة، بما في ذلك سعيها إلى استقطاب الشركات متعددة الجنسيات وتعزيز ريادة الأعمال. ومن خلال إتقان هذه المهارات ذات الطلب العالي، يقوم المتعلمون في الإمارات بإعداد أنفسهم لدعم ومواكبة مسيرة النمو الاقتصادي في البلاد على المدى الطويل.
وقال قيس الزريبي، المدير العام لشركة “كورسيرا” في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا: “يتطلب التحول الرقمي الطموح لدولة الإمارات وريادتها في مجال الذكاء الاصطناعي كوادر بشرية تتقن المهارات التقنية والأعمال. ومن خلال التركيز على اكتساب مهارات الذكاء الاصطناعي التوليدي وكفاءات الأعمال الأساسية، يقوم المتعلمون في الإمارات بتعزيز مكانتهم بما يتيح لهم حفز الابتكار وتعزيز القدرة التنافسية في سوق سريعة التطور. وستواصل ’كورسيرا‘ جهودها في دعم الكوادر البشرية في الإمارات وتزويدها بالأدوات والموارد اللازمة لتحقيق هذه الأهداف الطموحة“.
الأمن السيبراني: أولوية عالمية
وعلى الصعيد العالمي، صنف التقرير مهارات الأمن السيبراني وإدارة المخاطر من بين أسرع المهارات التقنية نمواً، حيث شهدت الشركات زيادة بنسبة 75% في التعامل مع الهجمات السيبرانية في الربع الثالث من عام 2024. ورغم أن الأمن السيبراني لا يمثل المحور الرئيسي للمتعلمين في الإمارات، فقد قطعت الدولة خطوات ملحوظة في هذا المجال، إذ تقوم الإمارات بمواجهة وإحباط ما معدله 50 ألف هجوم سيبراني يومياً، كما نجح مجلس الأمن السيبراني في الدولة بمنع أكثر من 71 مليون هجوم.
ولتعزيز المرونة الرقمية، أدخلت دولة الإمارات سياسات تركز على الحوسبة السحابية، وأمن البيانات، وأمن إنترنت الأشياء، وعمليات الأمن السيبراني. وبدعم من سوق الأمن السيبراني المتنامي الذي تبلغ قيمته 1.5 مليار دولار أمريكي في عام 2023 ومن المتوقع أن ينمو بنسبة 12.7% حتى عام 2028، تؤكد هذه الجهود على الحاجة إلى التطوير المستمر للقوى العاملة في مجال الأمن السيبراني لمواجهة التحديات المتطورة.
سد الفجوات في أخلاقيات البيانات
تعد أخلاقيات البيانات (data ethics) من بين المهارات الأسرع نمواً على منصة “كورسيرا”، مدفوعة بالحاجة إلى الموظفين الذين يمكنهم إدارة وتحليل البيانات بشكل مسؤول. وعلى الرغم من أهميتها، إلا أن هناك فجوة ملحوظة في الاهتمام بين الطلاب والباحثين عن عمل. وتمثل هذه فرصة كبيرة لمؤسسات التعليم العالي لتعزيز المناهج الدراسية، حيث يحدد 60% من قادة البيانات حوكمة البيانات باعتبارها مصدر قلق أساسي. ووجد استطلاع أجرته شركة “ديلويت” أن 78% من المؤسسات تعطي الأولوية لاستخدام الذكاء الاصطناعي “الآمن والمحمي” كمبدأ أخلاقي رئيسي.
وكانت الإمارات سباقة في معالجة هذه التحديات من خلال مبادرات مثل “ميثاق تطوير واستخدام الذكاء الاصطناعي”، الذي تم إطلاقه في إطار استراتيجية الإمارات للذكاء الاصطناعي 2031. ومع زيادة الطلب على وظائف البيانات، فإن المتعلمين الذين يصقلون مهاراتهم في أخلاقيات البيانات والحوكمة سيعززون من مكانتهم التنافسية للتوظيف في المستقبل.
قيمة المهارات الإنسانية
وأكد التقرير أيضاً على أهمية المهارات البشرية في مكان العمل. وصُنفت مهارات الحزم (Assertiveness) والتواصل من بين أفضل 10 مهارات في عام 2024. ومع ذلك، ورغم توقع 84% من المديرين أن يتواصل الموظفون الجدد بشكل فعال ويساهموا في الاجتماعات، فإن 71% من العاملين من الجيل زد (Gen Z) أفادوا بوجود تحديات في القيام بذلك. وما يثير الاهتمام أن الطلاب الأصغر سناً يعطون الأولوية للمهارات الخضراء، مع ظهور مجالات تركز على الاستدامة مثل إدارة النفايات واستمرارية الأعمال ضمن أفضل 10 مهارات للطلاب. وفي حين تتزايد أهمية المهارات المرتبطة بالممارسات البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات، أشار التقرير إلى أن العاملين من الجيل زد (Gen Z) يجب أن يركزوا أيضاً على المهارات البشرية الأساسية لتلبية توقعات أصحاب العمل بشكل أفضل والازدهار في البيئات التي تحث على العمل الجماعي المشترك.
صقل مهارات القوى العاملة
مع وجود 9.4 مليون متعلم على منصة “كورسيرا” في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، برزت اللغة العربية باعتبارها اللغة الأولى التي يتعلم بها الباحثون عن عمل، بعد اللغة الإنجليزية. وإدراكاً لهذا الاتجاه، اعتمدت “كورسيرا” على تقنيات الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة لكسر الحواجز اللغوية وترجمة أكثر من 4,900 دورة تدريبية إلى 23 لغة، بما في ذلك اللغة العربية، مما يمكّن المتعلمين من تعزيز مهاراتهم، وتحسين فرص توظيفهم، والتقدم في مساراتهم المهنية.
ومع تسارع وتيرة تبني الإمارات للذكاء الاصطناعي، فإن تطوير قوة عاملة مجهزة بالمهارات التقنية والبشرية أمر ضروري للحفاظ على مكانتها كمركز إقليمي وعالمي للابتكار. ومن خلال دعم التعليم وتبني الابتكار، فإن الإمارات لا تعمل على جاهزية قوتها العاملة لمواكبة المستقبل فحسب، بل وتعزز أيضاً دورها كدولة عالمية رائدة في مجال التكنولوجيا وتميز الأعمال.