بول جرينجراس: أفلامي تحقيقات ميدانية

شبكة أخبار الإمارات ENN

محمد رُضا

عندما وقعت مذبحة نيوزيلاندا الأخيرة، التي قام بها متطرف يميني هاجم مسجداً، وقتل أكثر من 40 مصلياً، تذكر هواة السينما ومتابعوها، الفيلم الذي تم إنتاجه خلال العام الماضي عن مذبحة أخرى مُتطرفة في النرويج، نتج عنها موت عدد وفير من الأوروبيين.

ذلك الفيلم هو «يوليو 22»، ونقطة الوصل؛ هي الإرهاب، الذي وقع في نيوزيلاندا، والآخر في النرويج؛ حيث إنه في الحالتين سقط أبرياء كضحايا وشهداء، وفي الحادثتين ارتكب المذبحة رجل ادعى دفاعه عن العنصر الأبيض، ولو أن مرتكب الجريمة النرويجية هاجم رجالاً ونساء من قومه تحت ستار الاحتجاج على تمييع القضايا الوطنية، ومن بينها استقبال الأجانب والمهاجرين.

وأخرج بول جرينجراس فيلم «يوليو 22» كعلامة فاصلة في حياته المهنية. فهو إلى جانب أنه سينمائي متمرس يختار في العديد من الحالات أعمالاً ذات منحى سياسي واضح ومتباين الأهداف. يصفها بأنها تعد «تحقيقات ميدانية» في عالم السينما.

في عام 2002 أخرج بول جرينجراس فيلماً عن المذبحة، التي ارتكبها جنود بريطانيون ضد تظاهرة أيرلندية مسالمة، في فيلمه الروائي الطويل «أحد لعين». بعد أربعة أعوام انتقل إلى الولايات المتحدة، وأخرج «يونايتد 93» عن الطائرة التي قيل إن عرباً خطفوها في العملية الإرهابية، التي وقعت سنة 2001 وتوجهوا بها إلى بعض غابات بنسلفانيا؛ حيث سقطت بكل ركابها هناك.

بعد ذلك توجه بفيلمه «منطقة خضراء» في عام 2010 إلى العراق، ولو أن الأحداث هنا كانت خيالية. مع مات دامون في البطولة، حقق المخرج فيلماً عن الادعاء بوجود أسلحة دمار شامل في البلد الذي دمّره الادعاء ذاته.

تبعاً لتاريخه الحافل في مثل هذه القضايا الشائكة، أسندت إليه مهمة إخراج «كابتن فيليبس» مع توم هانكس في 2013، فأنجز دراما إنسانية مستخلصة من العمليات التي كان يقوم بها قراصنة من الصوماليين المنتشرين ضمن وخارج الحدود الصومالية.

ثم جاء «22 يوليو»، آخر أفلامه الذي يتناول هذه الأوضاع الشائكة، إنما مع اختلاف. فالفيلم يقصد أن يكون رصداً وإعادة تمثيل للواقع أكثر مما كانت عليه الأفلام السابقة.

هذا ما يجعل فيلمه الذي تناول فيه اليوم الذي قام فيه المتطرف النرويجي أندريس دانيلسن لي بمجزرته يزداد قيمة؛ من حيث إنه يوصم العمل الإرهابي بصرف النظر عن هوية مرتكبه.

أخرجت «22 يوليو» بأسلوب الرصد والتحقيق بعيداً عن الدراما وهذه ليست المرّة الأولى، «يونايد 36» حمل الأسلوب ذاته. كيف توضح ذلك؟

– الكاميرا بالنسبة لي أداة لتصوير فيلم روائي بالشكل الذي وقع فيه الحدث قدر الإمكان. لا أعتقد أنني أهتم إذا ما وصفت أفلامي بأنها واقعية؛ لأن الواقعية شيء مختلف تماماً عما أقوم به؛ لكني أهتم أن أنقل صورة صحيحة تتوسطها الكاميرا؛ لأن ما هو ماثل أمامها هو ما أريده أن ينتمي إلى كيفية حدوث الموضوع الذي أخرجه فعلاً. على ذلك لا أستطيع أن أدعي أنني أنقل الحدث تماماً كما يقع. قد يكون التغيير في نطاق عدد معين من الأشخاص في موقع ما، أو قد يكون نتيجة استبدال تفصيل محدد بآخر قريب منه.

* هل توافق على وصف أفلامك مثل «22 يوليو» على أنها شبه تسجيلية؟

– لا.. هذا وصف لا ينتمي مطلقاً إلى ما أقوم به.

* إذاً لا تكترث لأن يقال عن أفلامك إنها واقعية ولا تسجيلية ؟

– هي ليست واقعية ولا أعتقد أن هناك شيئاً واقعياً تماماً حتى في السينما الواقعية. هناك سينما تستوحي من الواقع وتعايشه ونحن نسميها سينما واقعية. وبالنسبة للفيلم التسجيلي فإنه يمتلك منهجاً مختلفاً تماماً، وفي رأيي أنه إذا ما كنت استخدم ممثلين فإن الفيلم ليس تسجيلياً حتى ولو بدا قريباً من ذلك المنهج. إنه فيلم تحقيقات حول واقعة وبما أنها واقعة حقيقية فإن عليّ أن أحترم الحقيقة فيها قدر الإمكان.

* وهل تصوير الحدث يتطلب كاميرا محايدة؟

– نعم هي كاميرا محايدة قدر المستطاع؛ لكنك تستطيع أن تعلن موقفك بأكثر من طريقة. مثلاً في «22 يوليو» لديك خيارات. في الأساس اختياري لتحقيق هذا الفيلم بالطريقة التي أمارسها، يعني أنني أريد تقديم الحقيقة فيما وقع، وكيف وقع؟ وهذا يعني بالتالي أنني لست مستعداً لتغيير الحدث؛ ليناسب موقفي الخاص أو رأيي السياسي. البعض يقول إنني سينمائي بلا عاطفة؛ لكن هذا ليس صحيحاً على الإطلاق. لو لم أرد إدانة مطلق النار في «22 يوليو» أو الجهة التي خطفت الطائرة الأمريكية فوق بنسلفانيا لما حققت الفيلمين أو لكنت حققتهما بصورة مختلفة.

* أعتقد أن آخر أفلامك، «جاسون بورن»، يختلف عن الأفلام السابقة؟.

– نعم لأن العالم الذي نعيش فيه، مملوء اليوم بالمشاكل والحروب والأزمات الأمنية. إنه من المعلوم لكل شخص اليوم السعي الحثيث لوكالة الأمن القومي في الولايات المتحدة ولوكالة المخابرات وباقي الأجهزة المعنية لحماية الأمن. نتيجة ذلك يجد المشاهد نفسه يتعامل مع حقبة ما بعد إدوارد سنودن وما كشفه من أسرار. حقبة التجسس على كل واحد وكل شيء ضمانة للأمن؛ لذلك في الفيلم عنصر المجابهة بين متطلبات الأمر وانتشار عصر المعلومات. السُلطة التي تريد أن تضع يدها على نظم التواصل الاجتماعي. والمشاهد يتآلف معه ويقبل بما يرد فيه. هذا الصراع الذي هو استحواذ للمعلومات المفترض بها أن تكون مستقلة وسرية بات معروفاً ومفهوماً والفيلم عليه أن يتطرّق إليه بصيغة واقعية تناسب العمل بأسره.

* هل تعتقد أن جاسون بورن هو جيمس بوند المعاصر؟

– كلا. جاسون بورن ليس جيمس بوند. لا يعيش عالماً لا نعرفه. هو بطل مختلف. شخصية تعيش في العالم الذي نعرفه تماماً؛ لذلك علينا أن نصدّقه في كل ما يقوم به. وفي هذا الفيلم هذه الرغبة كانت في اعتقادي أكثر أهمية؛ لأننا ندلف إلى العالم الحقيقي أو نقترب منه أكثر مما فعلنا من قبل. ما أقوم به في هذه السلسلة عموماً وربما أكثر في الجزء الثالث منه هو التشديد على أن الدافع في هذه السلسلة هو تقريب صورة المخاطر التي يتعرض لها جاسون بورن إلى المشاهد؛ ولكي تفعل ذلك على الفيلم أن يُعالج بأسلوب واقعي كما لو أن الكاميرا كانت هناك وقت الحدث الدائر.

* ما التحديات في سبيل إتقان هذا الشرط؟

– كلها تتعلّق بكيفية تصوّير المشهد على نحو مثير وصادق في الوقت ذاته.

* هل مشاريعك المقبلة قيد التحضير الفعلي؟

– أريد أن آخذ راحة لمعظم هذه السنة. في إجازة الصيف سأختار ما أريد البدء فيه. على الأغلب سيكون فيلماً من بطولة جورج كلوني.

* إذاً ليس هناك فيلم رابع من سلسلة «بورن»؟

– ليس في المستقبل القريب، لكني لا أمانع العودة إلى السلسلة إذا ما توفر سيناريو جديد يحفزني إلى ذلك.

شاهد أيضاً