محمد رُضا
حديث الأوسكار بدأ. وانطلق الغزو الكبير للأفلام، والممثلين، والمخرجين، وكافة العناصر الفنية التي تلتقي تحت مظلة موسم الجوائز. وأحد الأسماء التي تتردد منذ اليوم في السباق القريب هو للممثلة التي نالت قبل عامين أوسكارها الأول بري لارسون.
كان ذلك عن فيلم «غرفة» الذي لعبت فيه دور امرأة محتجزة منذ أكثر من عشر سنوات في غرفة تحت الأرض مع ابنتها الصغيرة. إنها رهينة الوحش البشري الذي خطفها واحتجزها، ومارس الحب معها عنوة طوال هذه السنين.
اليوم هي في فيلم يحمل صورة معاكسة تماماً. عنوانه «القلعة الزجاجية»، وهو عن حنان عائلي كبير تتذكره على الشاشة بطلة الفيلم، وتنقلنا المشاهد إلى حين كانت صغيرة يسر لها والدها بالحكايات، ويعرفها إلى عالم جميل ويحضرها لكي تكون إنسانة ناجحة.
ما بين هذين الفيلمين لم تمثل بري لارسون دوراً مبهراً. صحيح أنها ظهرت في فيلم تشويقي بعنوان «نار مستعرة»، إلا أنه كان فيلماً عابراً لم يستوقف أحد. ومن بعده كان «باسماتي بلوز» ولم يفز بأي اهتمام.
الفيلم الوحيد الذي شهد نجاحاً مقبولاً لها ما بين «غرفة» و«القلعة الزجاجية» كان «كونج: جزيرة الجمجمة»، حيث لعبت الدور الذي تسبب بشهرة جسيكا لانج عندما لعبت الدور ذاته في «كينج كونج» ومن قبلها فاي راي التي لعبت الدور نفسه في نسخة 1933.
ولدت بري لارسون قبل 27 سنة في مدينة ساكرامنتو في ولاية كاليفورنيا، ووالدتها حكت كثيراً، في السابق، حول تلك العزيمة التي تتميز بها بري. قالت لصحيفة «ذا لوس أنجلوس تايمز» سنة 2014: «أحبت ابنتي التمثيل منذ أن كانت صغيرة ولا أدري من أين جاءت بهذا الحب؟ أتذكر أنها أخبرتني أنها تريد التمثيل وهي لا تزال في السادسة من عمرها. لم أدر أنها تعني ما تقول، وتركتها.. تعرف الفتيات الصغيرات يحلمن كثيراً، لكنها أصرت، وأصبحت اليوم هذه الممثلة التي أفتخر بها».
في السينما منذ العام 1999 وبأدوار صغيرة تكاد لا تحصى قبل أن تمثل في فيلم ترك لدى هوليوود أثراً طيباً حولها هو «من 13 إلى 30 سنة» في العام 2004. وبعده لاحظنا حماسها للأدوار الدرامية إذ ظهرت في «تانر هول»، و«رامبارت»، و«دون جوان»، و«المقامر».
الفيلم الحالي، «القلعة الزجاجية» ليس سوى المقدّمة لانتقالها في فيلمها المقبل إلى قلعة الإنتاج، كما ستتحدث في مقابلتنا هذه معها:
الحدس
نحن على أبواب موسم الجوائز حيث يبطل مفعول كل حديث آخر.. الجميع يريد أن يعرف من سيترشح، وكم حظه في الفوز؟
نعم.. ككل سنة.
تماماً. هل تعتقدين أن فيلم «القلعة الزجاجية» يملك حظاً كبيراً في أن يصبح أحد الأعمال القوية في الترشيحات؟
– لا أدري في الحقيقة، لكن إن سألتني رأيي في الفيلم سأخبرك أنني أعتقد أنه أحد الأفلام التي يجب أن تحتفي بها المؤسسات التي تمنح الجوائز السنوية. يستحق ذلك لعدة أسباب، وفي المقدمة أنه دراما عن سيرة حياة امرأة وضعت تجربتها في كتاب، والآن في فيلم، وعندما تقرأ سيرة حياتها، أو تشاهدها ستدرك أنك أمام نموذج نسائي مبهر. هذه المرأة التي عاشت في بيت منقسم على نفسه، لأن والديها كانا في خلاف دائم، إلا أن أبيها لم يتخل عنها، ومنحها حصانة، وعاطفة ساعدتها على تكوين شخصيتها الحالية.
ماذا عنك؟ هل ترين نفسك وقد أصبحت من المرشحات عن هذا الفيلم؟
– ما ذكرته عن الفيلم ينطبق عليّ (تضحك).. أعني أنني تحمست له منذ أن قرأت السيناريو، وللعلم قرأت الكتاب قبل أن أتسلم السيناريو. أعتقد أن حدسي قال لي إن هذا الكتاب سيتحول إلى فيلم، وإنني سأقوم بتمثيله.
متى عرض عليك الدور؟
– قبل سنتين تماماً. وباشرنا التصوير في مطلع الشهر السادس من العام. ولم أكن أول ممثلة تم اختيارها للدور، ولا وودي هارلسون (يلعب دور والدها) كان أول اختيار. أيضاً كان من المفترض أن يشترك مارك روفالو في تمثيل هذا الفيلم، لكن هذا لم يحدث.
تلعب ناعومي ووتس دور الأم هنا، وهي لعبت كذلك بطولة النسخة الثالثة من كينج كونج، ثم مثلت أنت النسخة الرابعة. هل تحدثتما حول ذلك؟
– نعم. كنا في حديث عابر، وأخبرتني أنها شاهدت «كونج: جزيرة الجمجمة» الذي مثلته ومدحتني.
دورك في ذلك الفيلم يختلف عن نسخ كينج كونج السابقة، من حيث إن بطلاته السابقات كن ضحايا فقط، أنت لا تلعبين دور الضحية بل دور من لديها رسالة ضد الإساءة إلى البيئة والطبيعة.
– هذا هو الفيلم تماماً كما وصفته. ليس عملاً مخيفاً عن أكبر وحش على الشاشة، بل يحمل في رأيي الرسالة التي ذكرت. وبالفعل لم أكن ضحية كينج كونج، ولا ضحية الرجال الذين أرادوا استخدام عشقه للشقراء لكي يستدرجونه ويقبضون عليه.
كذلك هذا ثاني لقاء بينك وبين وودي هارلسون بعد «رامبارت». ما رأيك فيه؟
– أحب التمثيل مع وودي لأنه موهوب جداً، وذكي، وأليف. لا يمكن أن يجد الممثل زميل عمل بلطفه ومثالياته. وهذه الخصال وجدتها فيه قبل سنوات عندما مثلت «رامبارت»، كما ذكرت أنت. كممثل تستطيع أن تدرك الممثل الآخر وتكتشفه. تعرف إذا ما كنت تستطيع الاتكال عليه في عملك وإنه حاضر لك كما أنت حاضر له. هذا هو وودي.
الحلم الثاني
أحد أفلام الأخيرة مر سريعاً من دون أن يستوقف الكثيرين. أقصد «نار مستعرة». هل لديك تفسير؟
– لا أدري السبب وراء نجاح، أو عدم نجاح أي فيلم. أحياناً تجد أن العمل الذي تتوقع له النجاح يفشل، والذي لا تتوقع له النجاح يحطم الإيرادات، والعكس صحيح. إضافة إلى ذلك، وبصراحة كاملة، لم يكن من تلك الأفلام التي تتجه إلى جمهور باتمان مثلاً، أو «قراصنة الكاريبي».. هل تعرف ما أقصد؟
نعم.
– هذه الأفلام متوسطة من حيث تكلفتها، وأيضاً طموحاتها.
ما هو أكثر الأسباب التي تجعلك تقبلين بتمثيل دور ما؟
– طبعاً هناك الضرورة الأولى عندي وهي أن تثيرني الشخصية التي سألعبها. أن تتحدث إليّ وأتحدث إليها عندما أقرأ السيناريو. نريد أن نتواصل. كذلك يزداد اهتمامي بالدور تبعاً للحديث المسبق حوله بيني وبين المخرج. حتى بيني وبين نفسي.
هل من المهم أن يكون لديك جواب عن كل سؤال يتعلق بتلك الشخصية؟
–
لا. ليس على الإطلاق. على العكس هناك ما يجب أن يبقى مخفياً حتى لحظة التصوير. لا أعتقد أن هناك قيمة كبيرة في أن يدرك الممثل كل شيء عن الشخصية التي يمثلها، أو أن يرسم خريطة واضحة عن ملامحها العاطفية أو النفسية. يستطيع الممثل أن يكتشف طريقه خلال التمارين وأيضاً خلال التصوير.
ما الذي عناه الأوسكار بالنسبة إليك؟
–
قبل فوزي به كنت أشعر بكم سأكون سعيدة بهذا التتويج. إنها مناسبة فائقة الأهمية بالنسبة لكل ممثل، بصرف النظر عما إذا كان ممثلاً ناشئاً، كما أنا، أو مرّت عليه سنوات عمل طويلة، وسواء أكان رجلاً أم امرأة. وضعت نفسي في أجواء الفوز وكنت إيجابية في البداية، ثم أخذت استعيد بعض توازني لأني لم أكن واثقة من النتيجة، وخفت آثار الصدمة.
وبعد الفوز؟
–
بعد الفوز فوجئت بأن عليّ قبول حقيقة أن الأوسكار هو بداية فترة جديدة. من ناحية أن أكون فخورة دائماً بالفوز، ومن ناحية أخرى أن أكون متواضعة، ولا أعتبر أن هذا الفوز هو نهاية لأي شيء. هو بداية.
هل تتمنين الفوز مرّة ثانية؟
–
هو حلمي مجدداً، لكني لا أستطيع أن أعيش هذه الأمنية منذ الآن.. ما زال الوقت مبكراً جداً.
ذكرت سابقاً أن الكتاب الذي وضعته جينيت ووليس، عن حياتها شدّك إلى «القلعة الزجاجية»، وأعتقد أن هذا ما حدث معك أيضاً عندما قرأت كتاب المؤلفة (إيما دونوهيو) التي وضعت رواية «غرفة». هل تفضلين الأفلام المأخوذة عن روايات، وكتب أدبية؟
–
في داخلي، عندي هذا التحيّز لأني أعرف أن التجارب التي تتضمنها الروايات، أو كتب السير الذاتية هي إضافة مهمّة لما يمكن للمخرج ولكاتب السيناريو، وللممثل، أو الممثلة إضافته. إنه تحضير للأساس الذي سينطلق العمل عليه.
في فيلمك المقبل «مخزن يونيكورن» ستخرجين وتنتجين.. ما الذي يدفعك لهذه التجربة؟
–
عندما انتهيت من قراءة السيناريو بدأت بقراءته من جديد (تصمت لترى أثر الرد الموجز والمباشر ثم تمضي…). في معظم الأحيان لا تريد أن تقرأ السيناريو ثم تقرأه مجدداً من دون فاصل بين المرتين. الذي يحدث أنك تريد أن ترتاح وتمعن وتعود إلى السيناريو بعد أسبوع، أو أسبوعين أو أكثر. لكن هذا السيناريو كان مكتوباً بدراية رائعة بحيث جذبني إليه كما لو كنت أقرأ رواية، وكنا نتحدث عن الروايات قبل قليل.
هل هو منهج جديد لك أيضاً؟
الإخراج والإنتاج؟ أتمنى ذلك. سأنتظر ردّ الفعل على الفيلم، وبعد ذلك سأقرر متى أعاود التجربة.