«الملجأ الأحمى» للغرناطي.. محبة الخالق أساس الإيمان

شبكة أخبار الإمارات ENN

الشارقة: عثمان حسن
تعتبر قصيدة الشاعر ابن الجياب الغرناطي «الملجأ الأحمى»، واحدة من القصائد المهمة التي تكشف عن محبة للخالق تتجلى دلالاتها في كثير من الصفات التي تشكل في مجموعها نسقاً إيمانياً، يهدف إلى التقرب إلى الله وابتغاء مرضاته.
ولد الغرناطي في 673 ه وتوفي 749ه، واسمه الكامل «علي بن محمد بن سليمان بن علي بن سليمان بن حسن الأنصاري الغرناطي، أبو الحسن، ابن الجياب». هو شاعر وأديب أندلسي ولد في غرناطة وفيها نشأ وترعرع، وأخذ العلم عن مجموعة من علمائها الأفاضل، توفي بالطاعون تاركاً الكثير من الشعر والنثر، جمع أغلبه تلميذة لسان الدين بن الخطيب.
في هذه القصيدة يركز الغرناطي، على فكرة الحب الإيماني، الذي هو سبيل إلى مرضاة الله والفوز بالجنة، حيث يقول في مطلع القصيدة:
محبته شرط القبول فمن خلت
صحيفته منها، فقد زاغ واشتطا
به الحق وضّاح، به الإفك زاهق
به الفوز مرجوّ، به الذنب قد حُطّا
أغرك طول العمر في غير طائل
وسرّك أن الموت في سيره أبطا
رويداً فإن الموت أسرع وافدٍ
على عمرك الفاني ركائبه حطّا
ونجد في الأبيات السابقة علاقة بين الجنة وبين الإيمان، هذا الإيمان الذي مفتتحه «حب» بكل ما يحمل هذا الحب من دلالة عميقة، وفي الأبيات تذكير بأن الحياة الدنيا زائلة لا محالة، وأن التعلق بها هو تعلق لا طائل منه، حيث النتيجة الحتمية لهذه الدنيا هي «الزوال» أو «الفناء».
وفي القصيدة شرح لسيرة العبد المؤمن، وهناك الصورة النقيض التي تتعلق بسيرة الرجل الذي حاد عن الصواب، فركن إلى الحياة ولهوها، وها هو قد فاجأه الموت لا يستطيع إلا أن يواجه بما قدمت يداه، وقد ضل عن السبيل وأخذته لجة الحياة، فانتقل ما بين مهلكة وأخرى، والآن في قبر يضيق عليه لحده، بانتظار جزاء إلهي لا يعرفه إلا الله. يقول:
فإذْ ذاك لا تسطيع إدراك ما مضى
بحال، ولا قبضاً تُطيق ولا بسطا
تأهب فقد وافاك سيبك منذراً
وها هو في فوديك أحرفه خطا
فرافقتَ منه كاتب السر واشياً
له العلم الأعلى، يخط به خطا
وقد
طالما خاضت بك اللجج التي
خبطت بها في كل مهلكة خبطا
وما زلت في أمواجها متقلباً
فآونة رفعاً وآونة حطا
فقد أوشكت تلقيك في قفر حفرة
يشد عليك الجانبان بها ضغطا
ولست على علم بما أنت بعدها
مُلاقٍ، أرضواناً من الله أم سخطا
ويستمر الغرناطي في قصيدته التي تشكل مجموعة من الركائز التي بُني عليها الإسلام الحق، مبيّناً طريق الحق والصواب، مذكراً بفضل الله جل وعلا على عبده المؤمن، حاثاً إياه على استعمال ما أوتي من رجاحة عقل، ومحذراً من الوقوع في المحرّمات والنواهي التي بينها القرآن الكريم، كما بينتها سنة نبيه الكريم:
وأعجب شيء منك دعواك في النّهى
وهذا الهوى المُردي على العقل قد غطى
قسطت عن الحق المبين جهالة
وقد غالطتك النفس، فادعت القسطا
وطاوعت شيطاناً تجيب إذا دعا
وتقبل إن أغوى وتأخذ إن أعطى
تناءى عن الأخرى، وقد حان حينها
تدانى من الدنيا، وقد أزمعت شحطا.
غير أن ما هو مهم في قصيدة الغرناطي، التي تركز على فكرة الحب الإيماني، هو تلك المنزلة التي منحها الله عز وجل لرسوله الكريم. المحبة هنا مشروطة بحب النبي صلى الله عليه وسلم، فهو الواسطة والشفيع، والسبيل إلى مرضاة الله، والفوز بالجنة، حيث يقول في الأبيات الأولى من القصيدة:
فما لك إلاَّ السيد الشافع الذي
له فضل جاه كلما يرتضى نعطى
دليل إلى الرحمن، فانهج سبيله
فمن حاد عن نهج السبيل فقد أخطا
محبته شرط القبول فمن خلت
صحيفته منها فقد زاغ واشتطا
وما قبلت منه لدى الله قربةٌ
ولا زكتِ الأعمالُ بل حبطت حبطا
به الحق وضّاح، به الإفك زاهق
به الفوز مرجوّ، به الذنب قد حُطا
هو الملجأ الأحمى، هو الموئل الذي
به في غدٍ يستشفع المذنب الخطا
شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم في الأبيات السابقة، مشروطة بممارسة العبد في سلوكه وحياته لنسق إيماني متكامل، حيث الانتماء للإسلام هو تشريف من الله سبحانه وتعالى للعبد المؤمن، وهذا التشريف لا يتم إلاَّ بالاقتداء برسول الله بوصفه إمام الدعوة، والقدوة والأسوة والداعية المعلم، الذي أمر الله تبارك وتعالى باقتفاء نهجه في العبادات والأخلاق والمعاملات، وجميع أمور الحياة.
قال تعالى: «لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً».
Read more

شاهد أيضاً