المخرجون الكبار.. بصمة إتقان على الشاشة

شبكة أخبار الإمارات ENN

محمد رُضا

يمكن تصنيف وتقسيم مخرجي السينما إلى فئات كثيرة، أفضل مئة أو أحسن مخرجي السينما الأمريكية والعربية والأوروبية والآسيوية، وهكذا. وهناك من يفضل التصنيف وفق أنواع الأفلام التي أخرجت. ألفرد هيتشكوك ارتبط بالتشويق، جون فورد والوسترن، يلماز جونيه وأفلام التمرد. يمكن بسهولة، إحصاء 500 مخرج مميزين لأكثر من سبب. صحيح أن العديدين منهم غير معروف إلا لمحترفي الهواية إلا أنهم يستحقون دخول قائمة التصنيف، والمهمّة صعبة، لتعدد الأسماء والعناوين، لكن ما يسهلها إلى حد ما، أننا لا ندعي بأن هؤلاء المخرجين هم الأفضل عن آخرين، والأفلام التي نستعرضها لهم تبقى في نطاق النماذج وليس الحصر.

على الرغم من مئات الكتب في كل لغات العالم التي وُضعت عن ألفرد هيتشكوك، إلا أن مكانته ما زالت موضع نقاش لدى البعض، بسبب عدم الإلمام فعلياً بأسلوبه والاكتفاء باعتباره «رمز سينما التشويق» لا أكثر. لكن هذا النوع فن أيضاً. أخرج هيتشكوك العديد من الأفلام الممتازة، وبل يحتل فيلمه Vertigo المركز الأول في استفتاء مجلة «سايت أند ساوند» من خلال 100 ناقد عالمي.

«الطيور» أحد أهم أعماله، يتمحور الموضوع حول هجوم مفاجئ لطيور النورس والغربان على سكان بلدة ساحلية صغيرة ليست بعيدة عن مدينة سان فرانسيسكو. يراقب المشاهد كيف يحضّر المخرج للهجوم الأول «لقطة مبكرة للناس وهم ينظرون بقلق إلى السماء كما لو أن شيئاً سيقع»، وكيف يتسلل هيتشكوك خلال الرعب الذي يثيره بقصة حب بين بطلي الفيلم، تيبي هدرن ورود تايلور، ثم يطلق الهجوم الكاسح في نصف الساعة الأخيرة حابساً الأنفاس.

أبو سيف.. رائد الواقعية

هناك العديد من الأفلام التي يمكن للمرء اختيارها كأفضل أعمال هذا المخرج الواقعي الفذ. اشتغل على الكثير من الأفلام المقتبسة من روايات أدبية والكثير من الأفلام المكتوبة خصيصاً للسينما. وتتنوع الآراء حول أفضل أفلامه. البعض يفضل «بداية ونهاية» على «القاهرة 30» والبعض يختار «المواطن مصري» مفضلاً على «السقا مات».

ويبقى«شباب امرأة» مناسباً جداً للتعريف بسينما أبو سيف الواقعية. فيلم حارة شعبية مصرية، رواية أمين يوسف غراب وأسلوب واقعي 100%. يدخل شكري سرحان الحارة التي تعيش فيها تحية كاريوكا، المعلمة ذات السلطة على الحي. تدرك سريعاً براءته ونخوته وشجاعته وتختاره شريكاً لها. ما هي إلا فترة زمنية بسيطة حتى يتغير ويخسر قيمته الأولى. في النهاية يفقد مكانته ويرينا أبو سيف قادماً جديداً سيحل مكانه.

تاركوفسكي..«طفولة إيفان»

شاعر السينما الكبير الذي التزم خطّاً من الأفلام عكس موهبته العميقة، أضفى على الشاشة جمالاً، كشف عن رؤى فلسفية خلابة وأسلوب بصري منفرد. لم يعش طويلاً ولم ينجز سوى ثمانية أفلام كل منها يحمل كل هذه المزايا مجتمعة. تحوّل تاركوفسكي إلى مخرج عالمي آت من وراء الستار الحديدي، وأيقونة محفورة في وجدان محبيه.

بدأ أعماله السينمائية بفيلم «طفولة إيفان» ‬فأمسك برواية فلاديمير بوجوموف ومنحها الكثير من خصوصيّته. هكذا من البداية نجد أن معالم السينما الخاصّة لتاركوفسكي موجودة ترسم صورة حقيقية عن الفنان ممسكاً برؤيته ومختاراً عناصرها البصرية والمنتسبة إلى الموضوع بكل عناية. الفيلم عن الصبي إيفان «نيكولاي برنييف» الذي يعمل جاسوساً للروس خلال الحرب العالمية الثانية. نتعرف إليه سعيداً مع أمه ثم تعيساً في حرب ضروس. رؤية فريدة في فيلم معني بكل لقطة من لقطاته.

جورج ستيفنز «شين»

أغار جورج ستيفنز على سينما الغرب الأمريكي فأبدع عن الآخرين، وتميز في أعماله.

شَين، اسم ذلك الرجل الذي نراه آتياً من عمق الشاشة «ألان لاد» ليتوقف في مزرعة لرجل اسمه جو «فان هفلِن»، متزوّج من امرأة يحبها اسمها ماريان «جين آرثر» ولديهما صبي، جووي «براندون دي وايلد». التوقف العابر يتحول إلى بقاء ليساعد المزارع وعائلته على الحفاظ بالمكان من عائلة شريرة تريد اقتلاع المزارعين من أراضيهم للاستيلاء عليها. يستطيع هذا الغريب تحقيق العدالة المنشودة، لكنه ليس مجرد بطل جامح يحب القتل والقتال، بل شخصية مدروسة في فيلم يضم الكثير من التجديد في عالم الغرب.

كوروساوا و«الساموراي السبعة»

أكيرا كوروساوا من عمالقة السينما العالمية، ومن أهم سينمائيي اليابان. آخر الكلاسيكيين وأفضل من منح أفلام الساموراي أبعادها الأدبية ضمن وعائها الفني والترفيهي. لديه أفلام عديدة بالأبيض والأسود تمثل الحقبة الأربعينية والخمسينية من القرن الماضي، ومن بينها، وأشهرها، فيلم «الساموراي السبعة»، قرية تعاني ظلم عصابة كبيرة تغير عليها في كل موسم حصاد قمح وتسلبها المحصول وتهدد سلامة شيوخها وبناتها. تبحث القرية عمن يدافع عنها وتجد غايتها في سبعة محاربين عاطلين عن العمل. بنزوح هؤلاء السبعة إلى القرية ودراسة وضعها الجغرافي تبدأ عملية إعداد الأهالي المرتعدين خوفاً للمشاركة في الدفاع عن قريتهم. لكنهم يستجيبون في النهاية عندما تغير العصابة من جديد وتفاجأ بالمقاومة المنظمة التي قادها الساموراي.

محمد خان‬ و«هند وكاميليا»

على الرغم من أن العديد من أفلام المخرج الراحل محمد خان كانت من بطولة رجال تتمحور الحكايات حولهم، عادل إمام في «الحريف»، يحيى الفخراني في «عودة مواطن» محمود حميدة في «فارس المدينة» وأحمد زكي في أكثر من فيلم، إلا أن المخرج الرائع تعامل كثيراً مع الشخصيات النسائية كما يشهد لفيف من أفلامه منها فيلم «أحلام هند وكاميليا»

بطلتا الفيلم، «نجلاء فتحي وعايدة رياض»، تعبيران لنظرة المجتمع الفوقية حيال المرأة ومدى معاناتها كابنة وزوجة أو كمجرد أنثى. هند وكاميليا نموذجان حاضران. كلتاهما كيان مختلف في الخلفية لكنهما متشابهتان في الوضع الحالي. ما يلمع طوال الوقت، التآخي الشديد بين المرأتين الذي يعكس حاجة كل منهما للأخرى، ووضعية المجتمع القائمة على صياغة متوارثة عبر أجيال عديدة حددت المفهوم المحدود لشخصيتيهما بصرف النظر عن مكوّنات الشخصيتين وقيمتهما الذاتية.

فرنسيس فورد كوبولا

ينتمي كوبولا، إلى الفئة التي لا يهم أي فيلم تختاره لها، مثيراً للإعجاب وللكثير من التحليل. انقسمت أعماله إلى أفلام مستقلة وأخرى تابعة لمؤسسة هوليوود. بدأ بالأولى ثم انتقل إلى الثانية وعاد إلى الأولى. آثر الابتعاد عن هوليوود بدلاً من أن ينحني لرغباتها.‬

‬يمكن النظر إلى فيلم «العراب» من نواح كثيرة، فيلم عصابات يقوده بضعة ممثلين من أفضل الخامات في تاريخ التمثيل على الشاشة أمثال «مارلون براندو وآل باتشينو وروبرت دوفال. عمل يدور على مستويين معاً، الظاهر القصصي» محاولة التخلص من الدون كارليوني الذي يؤمن بمبادئ أخلاقية تحول دون استخدام سلطته لتوزيع المخدرات، والباطن الدرامي العميق الذي يكشف عن إحدى البُنى الأساسية للمجتمع الأمريكي. «بالإضافة إلى الجزء الثاني وقليل من الثالث فيما بعد»، وترعرع المافيا الإيطالية بعد نزوحها من صقلية وتجذرها في المدن الأمريكية. واحد من أهم أفلام العالم.

يوسف شاهين و«باب الحديد»‬

لا يحتاج شاهين للتقديم، هناك العديد من الأفلام التي يمكن اختيارها في هذا السياق. لكنه يختلف عن أبو سيف من حيث إنه مخرج ذاتي في معالجته حتى عندما يقرر أن يتعامل مع قضايا اجتماعية عامة.‬ في فيلم «باب الحديد»، أدى دور بائع الصحف الأعرج الذي يقطر فقراً وينظر إلى أنثوية هند رستم وفحولة فريد شوقي‮ ‬بغيرة مزدوجة تدفعه إلى نهاية بائسة. العرج ليس مجرد عاهة استخدمها شاهين بتلقائية قابلة للتصديق فقط، بل هي جانب نفسي عميق يعبّر عنه المخرج بخلجات صارمة وبعينين حائرتين ونفس لاهثة ونظرة تائهة بين الرجل الآخر ذي المواصفات الكاملة بدنياً، على الأقل، وبين المرأة التي يحلم بها، الجذابة هنومة«هند رستم» التي تبيع المشروبات الغازية والتي تحب الحمّال أبوسريع «فريد شوقي».

شاهد أيضاً