الشارقة: «الخليج»
شكلت مبادرة صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة بإنشاء بيوت للشعر في الوطن العربي، علامة فارقة في الحراك الثقافي العربي، إذ لم يشهد الشعر خلال العقود الماضية مبادرة بهذا المستوى من الاحتفاء به، وتعميم حضوره جماهيرياً، وعلى رقعة جغرافية عربية بهذا الاتساع، فقد ظلت كل المبادرات خصوصية وإقليمية، ولا يتجاوز ذلك إلاّ مبادرات الجوائز التي تعمم على كل الوطن العربي، لكن الجائزة تظل محدودة بفعل محدودية المستفيدين منها، أما بيوت الشعر فهي تفتح الباب للشعراء ومتذوقي الشعر للتواصل الدائم.
من عمّان إلى نواكشوط إلى الأقصر إلى القيروان إلى تطوان إلى السودان خلال أقل من عامين، تحركت قافلة الشارقة لتقيم تلك المنابر التي بدأت العمل على الفور، وأصبحت بسهولة تشكل جزءاً ناجحاً من المشهد الشعري في بلدانها، وتسهم في نهضة الشعر،
ولا تزال مساعي قافلة الشارقة متواصلة لاستحداث منابر أخرى في أجزاء أخرى من الوطن العربي، منها ما تم الاتفاق بشأنه وحددت أماكنه، ومنها ما هو قيد الدراسة، ولو استمرت الوتيرة على هذه الحال، فنتوقع أنه خلال سنوات قليلة ستكون هناك عشرات البيوت الشعرية في عدة مدن عربية شرقاً وغرباً، وقد عملت هذه البيوت على إنعاش الساحات المحلية بإقامة أمسيات شعرية ولقاءات نقدية أسبوعية أو شهرية، وكذلك بإقامة مهرجانات شعرية سنوية في تلك المدن، زيادة على ذلك سعت هذه البيوت إلى نشر دواوين الشعراء ومجموعاتهم عن طريق دائرة الثقافة في الشارقة التي تصدر دورياً عدداً من الكتب الشعرية العربية، ولا شك أن هذا الجهد الكبير سينتج حركية وحضوراً كبيراً للشعر في الساحة الشعرية العربية بعد أن كاد يخبو فيها.
ضمن الخطة العامة لبيوت الشعر، وبالإضافة إلى برنامجها الإنعاشي العادي المتمثل في الأمسيات الشعرية والندوات النقدية، اتجهت بيوت الشعر إلى أن تكون جزءاً من النسيج الثقافي للمجتمعات العربية التي توجد فيها، على تنوعها، وأن تعكس خصوصيات المكان والإنسان فيها، وظهر ذلك خلال شهر رمضان الحالي، فقد نشطت هذه البيوت في إحياء ليالي رمضان بما يناسبها من أنشطة ثقافية يحبها الجمهور ويقبل عليها، ففي الأقصر في مصر أقام بيت الشعر خيمته الرمضانية التي شهدت عشر أمسيات شعرية، استضاف فيها عدداً كبيراً من الشعراء المصريين والعرب.
وفي الخرطوم أقام بيت الشعر أمسية شعرية مصحوبة بإفطار تمشياً مع ما درج الناس عليه في الخرطوم أثناء ليالي رمضان من حميمية وتواصل، كما نظم ثلاثة أنشطة شعرية أخرى، جمعت بين الحضور الجماهيري والرسمي الذي كان في مقدمته مساعد رئيس الجمهورية اللواء الركن عبدالرحمن الصادق المهدي ووزير الثقافة الطيب حسن بدوي، ومدير جامعة الخرطوم البروفيسور أحمد محمد سليمان.
وفي المفرق في الأردن احتفى بيت الشعر في أمسية رمضانية بالشاعرين محمد جرادات ومنصور العوض، وقرأ جرادات عدة قصائد أبرزها «نبراس الحقيقة»، وقال مدير بيت الشعر فيصل عجيان: «إن رسالة الشعر في ظل مبادرة صاحب السمو حاكم الشارقة هي رسالة توحيد نبض الإبداع بحيث يخدم الإبداع قضايا المجتمع ويعالج همومه وتطلعاته لغدٍ أفضل وأجمل، وعلى منابر بيوت الشعر يقف شعراء العربية أمام جمهورهم بكل شغف واهتمام، وبكل مسؤولية..فقد آذنت هذه المبادرة بأن قد حان الوقت لشعراء الفصحى أن ينهضوا بها وأن ينفضوا عنها غبار المرحلة وضبابها بالكلمة الجميلة والمعنى الصادق».
وفي نواكشوط في موريتانيا نظم بيت الشعر فعاليتين ثقافيتين، حضرهما جمهور غفير من المثقفين ورواد البيت، كانت أولاهما بعنوان «الأدبيات الرمضانية في الثقافة العربية: موريتانيا نموذجاً»، استضافت الباحث الأديب محمد فال عبد اللطيف الذي قدم دراسة أدبية ذات أبعاد سوسيولوجية عن موضوع الصيام ورمضان في الأدب العربي، وركز على خصوصية القطر الشنقيطي، مستعرضاً أهمية رمضان في الوعي الديني.
أما الفعالية الثانية؛ فكانت أمسية شعرية أحياها الشاعر محمد محفوظ، الملقب ب«أبو شمعة».
القيروان تلك المدينة الروحانية التي تغلفها الأناشيد والسهرات الدينية في رمضان، كانت على موعد مع الأنشطة الرمضانية لبيت الشعر التي بدأها بندوة أدبية لمناقشة أعمال الأديبين محمد الهاشمي وصالح السويسي، اللذين ساهما في إثراء مدونة الأدب التونسي، وحضر الندوة وزير الثقافة التونسي محمد زين العابدين، وتحدث في الندوة كل من عبد العزيز شبيل وعبد القادر العليمي وعبد الرحمن الكبلوطي، وتخللتها فقرات موسيقية أداها عازف الكمان رياض عبدالله، وتحدث شبيل والعليمي والكبلوطي عن القيمة الثقافية للهاشمي والسويسي، وتم تسليط الضوء على جزء من أعمالهما الأدبية، وتأثيرهما على المسيرة الأدبية التونسية.
وأقام البيت في ليلة ثانية شهدت فقرات تراثية ذات صلة بالشهر الكريم، وقدمها الأديبان عبد الرحمان الكبلوطي وعامر سحنون، فقدم الكبلوطي نماذج من نوادر الجاحظ وأدبيات طريفة للجزيري والسويسي، فيما أعاد سحنون ذاكرة رمضانية غائبة في الوقت الحالي عن المدينة التونسية القيروان.
في مدينة تطوان المغربية، وفي فضاء المكتبة العامة والمحفوظات نظمت دار الشعر بتطوان ليلة ثقافية رمضانية بعنوان «توقيعات»، شهدت تقديم ديوان «أغنية طائر التم» للشاعر المغربي نبيل منصر، وهو الديوان الذي توج بجائزة المغرب للكتاب لهذه السنة، وقدم الديوان الشاعر والباحث محمد أحمد بنيس، الذي قارب الديوان ما بين ضفتي الهامش والأسطورة.