الفلسفة.. يتيمة

شبكة أخبار الإمارات ENN

محمد إسماعيل زاهر

يراهن المفكر الفرنسي لوك فيري القارئ في مقدمة كتابه «تعلم الحياة» أن يروي له تاريخ الفلسفة بطريقة خلابة تجعله لا يترك الكتاب من بين يديه، حديث من هذا النوع من المؤلف إلى المتلقي يغري الكثيرين لمطالعة الكتاب، يحدوهم أمل بأن يخسر فيري رهانه، ولكن العكس هو ما يحدث، فالكتاب يقدم الفلسفة منذ ما قبل قدماء اليونان حتى وقتنا الراهن بطريقة سلسة وعذبة لا تختلف عن لغة الرواية أو القصة.
ليس فيري وحده هو من يكتب الفلسفة بهذه الطريقة، هناك أيضاً الرواية التحفة للنرويجية جوستاين جاردر«عالم صوفي» والتي ترجمت إلى 60 لغة ووزعت ملايين النسخ واعتبرها البعض أعظم عمل أدبي في تاريخ النرويج، وتقع في ستمئة صفحة، وتدور حول أب يروي لابنته الصغيرة صوفي قصة الفلسفة بأسلوب مدهش يأخذ العقل. والقائمة في الثقافة الغربية تطول ولعل أبرز الكتاب الذين ترجمت أعمالهم إلى العربية مؤخراً ويحبب القارئ العادي في الفلسفة هو آلان دوبوتون وخاصة كتابه «عزاءات الفلسفة»، إذ يعرض الفكرة الفلسفية بأسلوب حكائي ثم يربط بين تلك الأفكار، التي مازلنا نعتبرها عويصة ونظرية وبلا فائدة في الواقع، و الحياة اليومية للإنسان البسيط.
مناخ من هذا النوع يسعى المفكرون فيه إلى إشاعة الفلسفة بكل ما تحمله من مضامين شهدتها ثقافتنا في فترة سابقة، كانت هناك أسماء معروفة تعمل على قدم وساق على تبسيط الفلسفة، وتقديمها في شكل أدبي جمالي بالدرجة الأولى. الآن بإمكان المتابع أن يلحظ ثلاثة توجهات في الإصدارات الفلسفية العربية: الأول مدرسي ممل ومعقد في ما يتعلق بالفلسفة الغربية، والثاني مؤدلج إقصائي في ما يرتبط بالفلسفة العربية الإسلامية، والثالث لا هم له إلا البكاء على عصر ذهبي مارسنا فيه فعل التفلسف ثم توقفنا عن التفكير لأسباب عديدة لا حصر لها. ولا تأمل في أن تجد كتاباً عربياً حديثاً يحببك في تلك اليتيمة المدعوة «فلسفة» التي لا يتبنى أحدهم الآن قضية نشرها بين قطاع واسع من القراء.
تبسيط الفلسفة أو جعلها متاحة للجميع ليس ترفاً فكرياً، ولكنها عملية ستؤدي إلى ارتقاء المنتج الثقافي العربي بأكمله، ولعل تدهور هذا المنتج يعود إلى أنه يخلو من الدسامة الفلسفية، أيضا الفلسفة بجدلها ووجهات النظر المتعددة التي تتيحها والقدرة على حوار العقل من خلال طرح الأسئلة لا الإجابات المعلبة تستطيع أن تلعب دوراً رئيسياً في معركة المثقفين الآن مع قوى التشدد، وهو ما يقوله تاريخنا وتجارب الآخرين وما يدفعنا إلى العمل على ألا تبقى الفلسفة يتيمة في ثقافتنا الراهنة.

Read more

شاهد أيضاً