بحضور نخبة من الأخصائيين الاجتماعيين والتربويين، ورجال الصحافة والإعلام، وعدد من المهتمين بقضايا الأسرة والمجتمع، نظّمت جمعية توعية ورعاية الأحداث جلسة حوارية موسعة بعنوان: “التحديات التي تواجه الأسرة في الاستقرار الأسري”، قدّمها معالي الفريق ضاحي خلفان تميم، نائب رئيس الشرطة والأمن العام في دبي، رئيس مجلس إدارة الجمعية، وأدارها الدكتور محمد مراد عبدالله، أمين السر العام للجمعية، وذلك بمجلس أم سقيم، التابع لمجالس أحياء دبي.
استعرضت الجلسة، التي تميزت بطرح عميق وتحليل شمولي، التحديات المعقدة التي تحاصر الأسرة في ظل تحولات العصر الحديث، مؤكدة أن استقرار الأسرة لم يعد شأناً خاصاً، بل أصبح قضية وطنية ترتبط بمستقبل المجتمع ككل.
وأكد معالي الفريق ضاحي خلفان في مستهل حديثه أن الأسرة هي النواة الأولى في بناء المجتمعات والحضارات، فهي التي تنطلق منها القيم، وتتكوّن فيها الهويات، وتنشأ فيها أولى علاقات الإنسان، وأضاف: ما نراه اليوم من تغيرات اجتماعية واقتصادية وثقافية عميقة، ليس مجرد أحداث عابرة، بل تحولات قد تؤثر جذرياً على بنيان الأسرة إن لم نكن على قدر التحدي، ومن أبرز تلك التحديات، ضعف الترابط الأسري الناتج عن انشغال كل فرد بعالمه الرقمي.
وطالب معاليه الجهات المعنية ومنها هيئة تنمية المجتمع، بإعداد علماء في علم الاجتماع، يقومون بدراسة الظواهر السلبية في المجتمع، ووضع الحلول اللازمة لها، كما وجه معاليه بترسيخ قيم ومفاهيم التخطيط السليم لدى الأسر، وغرسها في عقول الأبناء لكي تكون نشأتهم صحيحة، مشيرا إلى أن التخطيط الصحيح هو أفضل السبل لمواجهة المشاكل المستقبلية.
وقال معالي الفريق ضاحي خلفان: “لم تعد المجالس الأسرية تجمع أفراد الأسرة كما في السابق، بل أصبح كل شخص يعيش في عزلة رغم وجوده تحت سقف واحد، مشيراً إلى أن غياب التواصل الحقيقي بين أفراد الأسرة قد يؤدي إلى الانحراف السلوكي أو ضعف الانتماء، خاصة لدى الأبناء، مشدداً على أهمية عودة “الحوار الأسري” و”القدوة الحسنة داخل البيت”، وأن يكون رب الأسرة، سواء كان الأب أو الأم، القدوة، التي فيها صلاح لكل الأسرة.
كما تناول معاليه خلال الجلسة أثر الوضع الاقتصادي على استقرار الأسر، حيث تؤدي تكاليف المعيشة المرتفعة إلى تقليص وقت الأبوين مع أبنائهم، كما أن البطالة وانخفاض الدخل يشكّلان عوامل ضغط قد تتسبب في تفكك بعض الأسر، وأوضح أن العائلات تواجه أحيانًا صراعات داخلية بسبب الأعباء المادية، ما قد يؤدي إلى الإهمال أو حتى العنف الأسري، كما أن الأسرة أصبحت محاصرة بثقافات متعددة، تنقلها منصات التواصل والإعلام، ما يؤدي إلى صراع بين الأجيال واختلاف في المفاهيم حول الحرية، الخصوصية، وحقوق الطفل.
وأضاف معالي الفريق ضاحي خلفان: إذا لم تلعب الأسرة دورها التوجيهي، فإن تأثير الإعلام الرقمي ووسائل التواصل الاجتماعي التي تشغل الشباب هذه الأيام (كالتيك توك وغيرها) قد يتغلب على دورها التربوي، مما يؤدي إلى تآكل السلطة الأبوية داخل البيت الواحد.
وتطرق معاليه إلى الضغوط النفسية المتزايدة التي تواجه الأسرة، والتي تؤثر على الأطفال والآباء على حد سواء، من اكتئاب وقلق واضطرابات نوم وسلوك، مشيراً إلى أن الكثير من الأسر لا تلجأ إلى العلاج النفسي بسبب الخوف من الوصمة، بينما تتفاقم المشاكل النفسية لدى الأبناء دون تشخيص أو دعم.
وأوصى معاليه خلال حديثه بإعادة النظر في أوقات دوام المدارس بشكل عام، مشيراً إلى أن كثير من الأبناء لا يجدون الوقت الكافي للجلوس مع أسرتهم ووالديهم، بسبب وصولهم متأخرين إلى منازلهم، كما أكد معاليه على أن الكثير من أولياء الأمور غير قادرين على متابعة أبنائهم تعليمياً بسبب التحول الرقمي والتغيرات السريعة في المناهج، كما أن بعضهم يعتمد كلياً على المدرسة، مغفلاً دور الأسرة كمصدر أساسي للتربية القيمية والانضباط، مشدداً على أن المدرسة لا تستطيع وحدها بناء شخصية الطفل، فالمبادئ الأولى تُزرع في البيت.
وأشار معاليه إلى أن الأسرة تحتاج أن تجهّز أبناءها لمستقبل لا يشبه حاضرهم، بتعزيز مهارات مثل التفكير النقدي، والبرمجة، والتواصل العاطفي، كما نبه إلى أن مفاهيم “الأسرة” ذاتها قد تتغير، وعلينا الاستعداد لذلك من خلال مرونة فكرية وتماسك قيمي.
وفي ختام الجلسة، ثمّن الحضور ما طرحه معالي الفريق ضاحي خلفان تميم، من رؤى ثرية، وأكدوا أهمية تكرار هذه الفعاليات لخلق وعي مجتمعي مستدام حول استقرار الأسرة كأولوية وطنية، كما فتح المجال لطرح الأسئلة والمداخلات التي تناولت موضوع الجلسة الحوارية، وأثرتها بآراء قيمة.