مارلين سلوم
حين تكون سعيداً بعمل ما، تكتفي بالتعبير عن فرحتك به ولا ترغب في مقارنته بأعمال أخرى كي لا تنتقص من حقه أو تنغص عليك وعليه الفرحة. تحب أن تعيش حالة السعادة بالإنتاج «الراقي» لعدد من الأفلام العربية الجيدة خلال أشهر قليلة متتالية، والتي تنعش الحراك السينمائي، وتجدد فيك الأمل بعودة الفن السابع لدينا إلى المكانة التي تليق به. تشعر بأن هذا النجاح يعنيك بشكل مباشر، كما يعنيك وبشدة أن تقف أمام شباك التذاكر، فتجد أن الفيلم العربي أقوى من الأفلام الأجنبية المعروضة حالياً. ونتوقف عند «الخلية» الذي يعتبر من أفلام الأكشن العربية المميزة، وأحد الأعمال التي تستمتع بمشاهدتها.
من إيجابيات السينما العربية الحديثة، أنها شطبت من قاموسها فكرة «النجم الأوحد»، لتقدم للجمهور «الفريق الواحد»، حيث تشكيلة كبيرة من الأسماء المعروفة والمحبوبة، تتشارك وتتضامن وتعمل بروح المجموعة، وكل هدفها إنجاح العمل. الكل يتنافس لتقديم أفضل ما لديه، لا لسرقة الكاميرا من أمام الآخرين وتصدّر «الأفيش» وتشتيت انتباه الجمهور في معارك تافهة.
أحمد عز، محمد ممدوح، ريهام عبد الغفور، أمينة خليل، سامر المصري، أحمد صلاح حسني، أحمد التركي.. المؤلف صلاح الجهيني والمخرج طارق العريان.. مجموعة شكلت فريقاً واحداً، استطاع أن يقدم الأكشن بأجمل صوره، مصحوباً بلمسات درامية وكوميدية ممتعة.
صلاح الجهيني حديث الولادة في الكتابة السينمائية- هو في الأصل مهندس مدني، لكنه موهوب في الكتابة- استطاع أن يبرز سريعاً ويترك بصمة مختلفة.
«الخلية» تعاونه الثاني مع طارق العريان وأحمد عز ومحمد ممدوح أيضاً، بعد «ولاد رزق» عام 2015، (علماً أن بدايته مع التأليف كانت عام 2012 في فيلم «30 فبراير» مع المخرج معتز التوني). وميزة الجهيني في كتابته «الخلية»، أنه يقدّم التشويق فيصل إلى ذروته، ويمنح المشاهدين مساحة من الراحة مع «لقطات» كوميدية ظريفة، ونكتة لا ابتذال فيها أو تسخيف المواقف والشخصيات. يحافظ على مستوى ونمط واحد من الالتزام بالجودة في الحبكة الدرامية، والمنطق في تسلسل الأحداث، والحوار الجيد لولا جنوحه في بعض الأحيان نحو الشعارات المباشرة، بهدف إيصال الرسالة المبتغاة من الفيلم، وتقديم صورة جيدة عن الشرطة وتقدير تضحيات جنودها ورجالها في حربهم على الإرهاب والقضاء على «الخلايا» التي تخطط لهدم الوطن.
بداية «الخلية» طريفة خفيفة، تتدرج منها الأحداث صعوداً لتصل إلى قمة التشويق. رومانسية مغمسة بالحزن والروح الوطنية. ضابط العمليات الخاصة سيف (أحمد عز) يعيش حياة العزوبية سعيداً بوحدته مع كلبه الضخم الذي يرافقه أينما ذهب. يسخر من الزواج والمتزوجين، بينما صديقه عمرو (أحمد صفوت الذي يشارك كضيف في مشاهد قليلة)، سعيد مع زوجته نهى (عائشة بن أحمد) وابنهما الوحيد. وبين المزاح والجد، نرى الترابط الأسري بين الصديقين ورفيقهما الثالث ضابط المباحث صابر (محمد ممدوح). أولى إشارات الإرهاب تبدأ من عملية تفجير يذهب ضحيتها النائب العام وأبرياء من المارة في الشارع. ثم ترد معلومات عن موقع خلية إرهابية تخطط لعملية ضخمة. تتوجه قوة من العمليات الخاصة إلى «وكر» الخلية، حيث تدور معركة يستشهد فيها عمرو أمام عيني صديقه، ثم يصاب سيف إصابة تستدعي إيقافه عن العمل لأشهر. وطبيعي هنا أن يعتزم سيف الانتقام لصديقه.
مروان أو «أبو العز» (سامر المصري) هو قائد الخلية، رجل تنقّل ما بين بلجيكا وأفغانستان قبل أن يأتي إلى مصر ليقود خليته بالتنسيق مع «أبو جعفر». يتحدث بأكثر من لهجة، يستعين بالفصحى وهو يلقي الخُطب على مسامع رجاله ليغسل عقولهم بما يحثهم على تفجير أنفسهم، وقتل كل من لا ينتمي إليهم، ويردد «قتلنا حرام وقتلهم حلال».. الحوارات والعبارات التي يستخدمها الكاتب في المشاهد المتعلقة بالجماعة الإرهابية، واقعية يصدقها المُشاهد.
الجهيني اقترب كثيراً من الواقع، وحتى في دفاعه عن الشرطة والأجهزة الأمنية، بقي على مسافة واحدة ما بينها وبين الخلية الإرهابية، أي أنه منح الطرفين مساحة كافية للظهور، ولكشف أسلوب عمل كل منهما، وأهدافهما، وكيفية تدريب رجالهما، والتخطيط للعمليات وتنفيذها. مهم أنه لم يقدم الإرهابيين كمجموعة أغبياء سذج، بل يملكون الكثير من الحنكة، ولعل دور زوجة مروان «أم العز» (ريهام عبد الغفور) كان مهماً جداً في سياق الأحداث، وإن كانت مساحته صغيرة نوعاً ما.
وجود المرأة في صفوف الإرهابيين مهم، خصوصاً أنه يقدمها امرأة من أسرة مثقفة، انتقلت من تطرف إلى آخر، حيث عاشت في فرنسا متهورة لا علاقة لها بالإيمان والدين، إلى أن التقت بمروان، فذهبت إلى النقيض لتصير زوجته ومساعدته التي ترتدي الحزام الناسف لتنقل للخلية المتفجرات.
ريهام عبد الغفور حازت الدور النسائي الأفضل في هذا الفيلم، بينما تظهر أمينة خليل بطلة على البوستر وفي الدعاية الترويجية، ومساحة ظهورها أكبر من تلك المخصصة لريهام، بينما هي في الحقيقة مجرد زهرة جميلة تزين العمل، حبيبة البطل، ولكي يمنحها الكاتب بعضاً من الأهمية أضاف حكاية مؤثرة تحكيها عن نفسها في الجزء الثاني من الفيلم، فينجذب إليها سيف أكثر وتنال في نفس الوقت بعض اهتمام وتعاطف الجمهور. إنما أمينة كممثلة، كانت تستحق دوراً أفضل، لأنها تملك طاقات أكبر.
الجمهور يستطيع أن يلحظ استعداد الممثل الجيد لدوره، وذلك من خلال أدائه المقنع والمتطور. وهو ما حصل مع أحمد عز الذي بدا في الفيلم لائقاً بدنياً وحركياً لأداء دور ضابط في العمليات الخاصة. والمخرج طارق العريان لم يبخل في تخصيص مساحة كافية له، في بداية ومنتصف الفيلم، ليكشف عن تلك اللياقة والتدريبات الخاصة والصعبة التي مارسها عز لأشهر عدة قبل بدء التصوير، واستكملها في لقطات، سواء في شقته أو على حلبة المصارعة أو في الشارع. المجهود الذي بذله عز أفاده في نقله إلى صفوف نجوم الأكشن الحقيقيين، أمثال أحمد السقا.
أحمد عز مطواع في هذا العمل، يصعد إلى قمة الأكشن ثم يلين مع الكوميديا. أما محمد ممدوح، فهو يكمل مسيرته الناجحة، ليكون صابر الهادئ العقلاني، النقيض لسيف المتحمس القتالي المتهور. يتشاركان في غالبية المشاهد، ويشكلان ثنائياً ظريفاً يستحق أن يكمل رحلته السينمائية في أكثر من عمل مقبل. ولعل أكثر المشاهد التي يستمتع الجمهور في مشاهدتها، تلك التي يخوض فيها الثنائي عملية مطاردة أحمد التركي في شوارع القاهرة ولمسافة طويلة، مع مغامرات مثيرة ومضحكة.
طارق العريان اهتم بتفاصيل كثيرة وفاتته بعض النقاط. قدّم صورة جميلة، رأينا القاهرة حتى في أزقتها وشوارعها الضيقة ومناطقها العشوائية جميلة نظيفة. إنها عين المخرج التي تجمّل لتلفت عيون المشاهدين إلى قضية أهم، فيصدقون ويحبون ما يرونه ويستمتعون، كما يحصل حين يشاهدون أي فيلم أجنبي. كما تميز عمل العريان بأنه أراد أن يصل بمصداقيته إلى الذروة، فجعل مشاهد المطاردة في الشارع وفي أنفاق المترو وسط جمهور حقيقي، لا كومبارس فيه، وبث الرعب في نفوسهم ليلتقط ردود أفعالهم وحالة الذعر كما يجب أن تكون. إضافة إلى استعانته برجال من قوات الأمن والعمليات الخاصة حقيقيين.
أخطاء غير مبررة
لم يخل الفيلم من أخطاء غير مبررة وقع فيها المخرج طارق العريان، مثل وقوف قائد الخلية مروان بلا أي حراك خلال معركته مع رجال العمليات الخاصة، أثناء «ندب» سيف صديقه عمرو ويحاول إسعافه مستدعياً رجاله لمساعدته. فترة هدأت فيها المعركة بلا أي مبرر، فقط لنشاهد دموع وتأثر البطل على صديقه، بينما كان من الطبيعي أن يستغلها مروان ليقضي على سيف ومن معه، بدل أن ينتظر في الظل ثم يفر هارباً.
كما أن المخرج لم ينتبه إلى أخطاء الماكياج الذي لم يكن دقيقاً في رسم آثار الجراح، سواء لدى سيف بعد إصابته وفي فترة تماثله للشفاء، إذ تختفي سريعاً وبشكل تام. أو لدى مروان حيث يتغير حجم وطول الندبة الموجودة أسفل عينه، (والمفروض أنها قديمة لديه) بين مشهد وآخر.
الواقع يفرض النجاح
تفجيرات وضحايا مدنيين أبرياء، وشهداء من الشرطة، وخلية تتسلل بين البيوت، وتزرع القنابل في أي مكان، وتخطط لتدمير البلد.. إنها عوامل كفيلة بجعل الجمهور يذهب إلى الصالات لمشاهدة فيلم «الخلية» وتفضيله على أفلام أخرى في هذا الموسم. القصة شديدة الارتباط بالواقع، تقدمه بلا مبالغة في الترهيب، أو في مجاملة الدولة. عمل منطقي، قابل للتصديق وإن شابته بعض السقطات والنقاط التي لم ينتبه إليها الكاتب والمخرج. من هنا استطاع فيلم «الخلية» التفوق على «هروب اضطراري» الذي عرض قبل أشهر قليلة، وحقق إيرادات عالية، ليقفز «الخلية» بأرقام أكبر تؤكد نجاحه الجماهيري. «هروب اضطراري» لأحمد السقا وأمير كرارة، إخراج أحمد خالد موسى وتأليف محمد سيد بشير.
marlynsalloum@gmail.com