تشهد الولايات المتحدة الأمريكية، يوم 5 نوفمبر 2024، انتخابات رئاسية بين كامالا هاريس، نائبة الرئيس الحالي جو بايدن ومرشحة الحزب الديمقراطي، ودونالد ترامب، الرئيس السابق ومرشح الحزب الجمهوري، وذلك بعدما حظيا بثقة الحزبين الرئيسيين لخوض سباق الانتخابات؛ إذ كان للمناظرة الرئاسية بين بايدن وترامب في 28 يونيو الماضي دور كبير في انسحاب بايدن من السباق الانتخابي في 21 يوليو الماضي بعدما أظهر ضعفاً في مواجهة ترامب، ليُعلن بعدها الحزب الديمقراطي هاريس مرشحةً له.
وقد اختارت هاريس حاكم ولاية مينيسوتا، تيم والز، مرشحاً ديمقراطياً لمنصب نائب الرئيس في هذه الانتخابات، ليواجه عضو مجلس الشيوخ عن ولاية أوهايو، جيمس ديفيد فانس، الذي اختاره ترامب مرشحاً جمهورياً لنائب الرئيس.
ولا ينتخب الناخبون الأمريكيون رئيسهم مباشرة؛ بل يتم حسم الانتخابات عن طريق المجمع الانتخابي المُكون من 538 مندوباً يمثلون الولايات الأمريكية. ويفوز بمنصب الرئيس من يحصل على 270 صوتاً في المجمع الانتخابي.
وتكتسب الانتخابات الأمريكية 2024 أهمية خاصة؛ نظراً للعديد من العوامل، من بينها معاناة الولايات المتحدة من تزايد حالة الاستقطاب والانقسام السياسي، ولاسيما منذ وصول ترامب إلى البيت الأبيض في يناير 2017 خلال ولايته الرئاسية الأولى، وهي الحالة التي اتسعت تدريجياً وخاصةً مع اقتحام أنصار ترامب للكونغرس في يناير 2021 اعتراضاً على نتائج الانتخابات آنذاك، والتي أسفرت عن فوز الرئيس الحالي بايدن.
كما تتزامن انتخابات هذا العام مع العديد من الأحداث الفارقة التي يشهدها العالم، وعلى رأسها استمرار الحرب الروسية الأوكرانية منذ فبراير 2022، والتصعيد في منطقة الشرق الأوسط على خلفية الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر 2023، وما ارتبط بها لاحقاً من شن إسرائيل حرباً على حزب الله اللبناني، والهجمات المتبادلة بين إسرائيل وإيران، فضلاً عن مواصلة الحوثيين تهديدهم للسفن والملاحة في البحر الأحمر. ويُضاف إلى ذلك، قضايا دولية أخرى مثل: النفوذ الصيني المتزايد، والعلاقات مع دول أوروبا، وتغير المناخ… وغيرها.
وفي هذا السياق، هناك العديد من العوامل الداخلية والخارجية التي قد تؤثر في حسم السباق الرئاسي بين هاريس وترامب، لعل أبرزها الأوضاع الاقتصادية في الولايات المتحدة، والتي تؤدي الدور الأبرز في تحديد توجهات الناخبين الأمريكيين. وهناك كذلك “الولايات المتأرجحة” غير المنتمية تقليدياً لأي من الحزبين الديمقراطي أو الجمهوري، والتي تتأرجح أصواتها بين كلا الحزبين بهامش قليل في كل انتخابات. وفي انتخابات 2024، من المُرجح أن تكون الولايات الحاسمة هي: أريزونا، وفلوريدا، وجورجيا، وميشيغان، ونيفادا، وكارولاينا الشمالية، وويسكونسن، وبنسلفانيا. جدير بالذكر أنه في انتخابات 2020، تغلب بايدن على ترامب في ست من هذه الولايات الثماني، باستثناء فلوريدا، وكارولينا الشمالية؛ مما منحه حينها تقدماً سمح له بالوصول إلى البيت الأبيض في يناير 2021. ويُضاف إلى ما سبق، عوامل أخرى مؤثرة في السباق الانتخابي، مثل: قضية الهجرة، والانتماء الديني، ودعم المشاهير ونجوم الفن والرياضة والتكنولوجيا لأي من المرشحين الرئاسيين، والتهديدات السيبرانية… إلخ.
ومن المُتوقع أن يكون للانتخابات الحالية تأثير في سياسات الولايات المتحدة، سواء الداخلية أم الخارجية على صعيد علاقاتها مع الحلفاء ومواجهتها الخصوم ومواقفها من الصراعات والحروب في أوكرانيا والشرق الأوسط وغيرها، خلال السنوات الأربع المقبلة؛ وهي التأثيرات التي ستختلف إذا فازت هاريس أم ترامب. ففي حالة فوز هاريس، الأرجح أن تميل إلى النهج التقليدي في إدارتها، ولا يُتوقع تبنيها أي مبادرات كبرى أو مفاجئة؛ بل ستعتمد على الواقعية تجاه قضايا المنطقة، ومنها محاولة إحياء الاتفاق النووي مع إيران، والدعوة إلى التهدئة في الإقليم، ودعم “حل الدولتين” في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. أما إذا فاز ترامب، فالأرجح ميله إلى الانعزالية، وعدم اللجوء إلى استخدام القوة العسكرية بشكل واسع النطاق خارجياً، مع تشديد العقوبات على إيران، والانحياز الأكبر لإسرائيل في حربها على غزة ولبنان.
وعلى كل حال، من الصعب توقع الفائز في الانتخابات الرئاسية الأمريكية هذا العام، حيث تتباين استطلاعات الرأي إلى حد كبير في تقديراتها لنسب التصويت لكلٍ من هاريس وترامب، وما زالت الفروق ضئيلة للغاية بينهما حتى قُبيل أيام قليلة من التصويت في 5 نوفمبر.
وبالتزامن مع هذه الانتخابات الرئاسية، ستشهد الولايات المتحدة انتخابات أخرى مهمة للكونغرس؛ إذ سيتم انتخاب كامل أعضاء مجلس النواب البالغ عددهم 435 نائباً، وثُلث أعضاء مجلس الشيوخ من إجمالي 100 عضو. ويسعى كل من الحزبين الديمقراطي والجمهوري للسيطرة على الكونغرس؛ نظراً لتأثير ذلك في قدرة الرئيس الأمريكي القادم على تمرير أجندته التشريعية. ووفقاً لانتخابات للكونغرس الأخيرة في 8 نوفمبر 2022، يحتفظ الديمقراطيون بالأغلبية في مجلس الشيوخ بإجمالي 51 مقعداً مقابل 49 مقعداً للجمهوريين. وعلى العكس في مجلس النواب، حيث يمتلك الجمهوريون الأغلبية بـ222 مقعداً مقابل 213 مقعداً للديمقراطيين.
وفي هذا الإطار، يطرح مركز “المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة” لقرائه وجمهوره الكريم ملفاً تجميعياً حول الانتخابات الأمريكية 2024، متضمناً عدداً من التحليلات ومقالات الرأي والتقديرات وحلقات النقاش التي نُشرت على الموقع الإلكتروني للمركز هذا العام. ويتناول خلالها، نخبة من الخبراء وكبار الكتَّاب والباحثين، الانتخابات الأمريكية من زوايا مختلفة وأفكار متنوعة، بدايةً من البيئة الانتخابية والعوامل المؤثرة في هذه الانتخابات، وصولاً إلى التداعيات والانعكاسات والمسارات المحتملة للانتخابات.