أكد وزراء إعلام ومسؤولون وخبراء عرب أن المشهد الإعلامي في العالم العربي يمرّ بتحوُّلات جذرية فرضها التطور المتسارع في العالم الرقمي، ما يستدعي إعادة تشكيل السياسات الإعلامية، ووضع استراتيجيات عربية رقمية شاملة تواكب التغيرات، وتؤسس لنهضة إعلامية رقمية تعزّز الهوية وتواجه التحديات.
جاء ذلك خلال جلسة وزارية رئيسية نظمها مركز تريندز للبحوث والاستشارات بالتعاون مع الملتقى الإعلامي العربي في دورته العشرين، التي تُعقد في دولة الكويت، تحت عنوان: “الإعلام والعالم الافتراضي.. تحوُّلات المشهد الإعلامي في العصر الرقمي”، وذلك بحضور عدد من وزراء الاعلام العرب والخبراء والإعلاميين.
وشارك في الجلسة كل من معالي الدكتور رمزان النعيمي، وزير الإعلام في مملكة البحرين، ومعالي بول مرقص، وزير الإعلام في الجمهورية اللبنانية، والكاتب الأستاذ أحمد المسلماني، رئيس الهيئة الوطنية للإعلام بجمهورية مصر العربية، إلى جانب الدكتور محمد عبدالله العلي، الرئيس التنفيذي لمركز تريندز للبحوث والاستشارات، فيما أدار الحوار الإعلامي الدكتور نادر كرم.
الدكتور محمد العلي: تحول حضاري
وفي كلمته خلال الجلسة، عبّر الدكتور محمد عبدالله العلي عن سعادته بالمشاركة في هذا المحفل الإعلامي العربي الكبير، مشيداً بدولة الكويت الشقيقة، وبالتنظيم المتميز للملتقى، وبالدور الريادي الذي يقوم به المستشار ماضي عبدالله الخميس، الأمين العام للملتقى الإعلامي العربي.
وأكد العلي أن الإعلام يشهد اليوم نقلة نوعية غير مسبوقة بفعل الثورة الرقمية، مؤكداً أن الإعلام لم يعد حكراً على المؤسسات التقليدية، بل أصبح فضاءً مفتوحاً يشترك فيه الجميع، من الأفراد إلى الشركات، ومن المؤثرين الرقميين إلى الروبوتات.
وأضاف أن التحوّل من الإعلام التقليدي إلى الإعلام التفاعلي والافتراضي أفرز تحديات غير مسبوقة، لكنه أيضاً فتح آفاقاً واسعة للابتكار والإبداع. وبيّن أن الذكاء الاصطناعي أصبح عنصراً محورياً في العمليات الإعلامية الحديثة، من تحليل سلوك الجمهور، إلى إنتاج المحتوى، إلى مكافحة الأخبار الكاذبة، بل حتى في تصميم العناوين وتحرير النصوص وتوليد الصور والفيديوهات.
وأشار الرئيس التنفيذي لمركز “تريندز” إلى أن أكثر من 4.7 مليار مستخدم نشط على منصات التواصل الاجتماعي حول العالم، وقرابة 5 مليارات مستخدم للإنترنت، مما يعكس الحاجة إلى استراتيجيات إعلامية تستوعب هذا التغيّر الهائل في سلوك الجمهور ووسائل الوصول إليه. وشدد على أن “المهمة الكبرى أمام الإعلاميين اليوم لا تقتصر على استخدام التقنية، بل تتطلب حماية القيم، وضمان المصداقية، وتطوير مهارات الجيل الإعلامي الجديد ليتعامل بوعي مع العالم الافتراضي”.
النعيمي: تحدٍّ وفرص
من جهته، أكد معالي الدكتور رمزان بن عبدالله النعيمي، وزير الإعلام بمملكة البحرين ، أن التحوّلات المتسارعة التي يشهدها العالم اليوم تتطلب تحركاً إعلامياً موازياً يتبنّى استراتيجيات إعلامية متجددة تحفز الإبداع والابتكار، وتصون القيم والثوابت الوطنية.
وقال إن مملكة البحرين تمضي قدماً في تطوير منظومتها الإعلامية بما يمكنها من تحقيق هذه الرؤية، مشيراً في هذا الصدد إلى المبادرات المتنوعة التي أطلقتها وزارة الإعلام، مثل مبادرة “مختبر المبدعين” التي تهدف إلى تحفيز الإبداع والابتكار، ومواكبة توظيف التقنيات الحديثة وتطويع الذكاء الاصطناعي في تحسين الأداء المؤسسي وصناعة المحتوى.
وأوضح معاليه خلال الجلسة أن التحوّل الرقمي أصبح يمثل تحدياً وفرصة في آنٍ واحد، مشيراً إلى أن العالم الافتراضي بات ساحة مهمة لتقديم رسائل إعلامية هادفة تُعبر عن الهوية الثقافية والحضارية لدول المنطقة، داعياً إلى ضرورة تبنّي استراتيجيات إعلامية عربية مشتركة تُسهم في تطوير المحتوى الرقمي والارتقاء به.
مرقص: الجمهور شريك فاعل
وفي مداخلته في الندوة، أكد معالي وزير الإعلام اللبناني، بول مرقص، على اللحظة الإعلامية المفصلية التي يعيشها العالم العربي في ظل التطوّر التكنولوجي والتحوّل الرقمي. وأشار إلى التغيّرات الجذرية في بنية الاتصال، وتحول الجمهور إلى شريك فاعل في صناعة المحتوى.
وأوضح مرقص أن الثورة الرقمية فرضت تحديات كبيرة على الإعلام العربي، أبرزها أزمة الثقة والمصداقية بسبب الأخبار الزائفة، وضعف وسائل الإعلام التقليدية أمام المنصات الرقمية، وقصور التشريعات عن مواكبة التطورات التكنولوجية، بالإضافة إلى الحاجة الماسة لتطوير القدرات المهنية للصحافيين.
ودعا إلى رؤية عربية موحدة لإصلاح الإعلام، مقترحاً إنشاء صندوق عربي لدعم الإعلام الرقمي، وإطلاق مركز إقليمي للتدريب الإعلامي، وتأسيس مرصد عربي لأخلاقيات الإعلام الرقمي. وشدد على أهمية الانتقال من ردّ الفعل إلى الفعل في صناعة المحتوى.
المسلماني: ضرورة الحوكمة
بدوره، أوضح الأستاذ أحمد المسلماني، رئيس الهيئة الوطنية للإعلام في مصر، أن وفرة المعلومات التي تقدمها أدوات الذكاء الاصطناعي بحجم غير مسبوق باتت تؤثر على أدوات القوى الناعمة التقليدية، كما بيّن أن العالم يواجه مأزقاً حقيقياً بين ترك الإبداع والصناعات الرقمية في يد الأفراد والمبرمجين، مطالباً بحوكمة الذكاء الاصطناعي عبر سن قوانين وتشريعات تحد من السلبيات الناتجة عن استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي.
معالم استراتيجية عربية للإعلام الرقمي
وفي ختام الجلسة، أوصى المشاركون بمجموعة من التوصيات، أبرزها: إنشاء منصات رقمية عربية للحد من استقطاب الجمهور من قبل المنصات الأجنبية، وإطلاق مبادرات إقليمية للتحقق من الأخبار ومكافحة التضليل الإعلامي، والاستثمار في المحتوى الإبداعي والترفيهي الذي يخاطب اهتمامات الشباب العربي، وإعداد جيل جديد من الصحفيين الرقميين يمتلك المهارات التقنية والتحقق المعلوماتي، وتعزيز التعاون بين مؤسسات الإعلام والبحث العلمي لإنتاج محتوى موثوق يواكب التحوّلات التكنولوجية المتسارعة، ودعم حماية الملكية الفكرية العربية، وتشجيع الشراكات الإقليمية والدولية في المجال الإعلامي.
وأكد المشاركون أن العالم الافتراضي ليس مجرد بيئة تقنية، بل فضاء حضاري ومعرفي جديد، وعلى الإعلام العربي أن يكون فاعلاً لا تابعاً في صياغة مستقبله الرقمي، مشددين على أهمية تكامل الأدوار بين الإعلام والمؤسسات التعليمية ومراكز الفكر والبحث العلمي من أجل صياغة محتوى وإنتاج موضوعي هادف.
حوارات جانبية
وعلى هامش مشاركته باعتباره شريكاً تنظيمياً في النسخة العشرين من ملتقى الإعلام العربي، عقد مركز تريندز للبحوث والاستشارات سلسلة من اللقاءات الحوارية المهمة، تركزت على أهمية التعاون المشترك والعلاقة التكاملية بين مراكز الفكر والبحث العلمي والإعلام.
فقد عقد وفد “تريندز”، برئاسة الدكتور محمد عبدالله العلي، حوارات كلٌّ على حدة مع كلٍّ من معالي عبدالله بن محمد بن بطي آل حامد، رئيس المكتب الوطني للإعلام، رئيس مجلس إدارة مجلس الإمارات للإعلام، ومعالي عبد الرحمن المطيري، وزير الإعلام والثقافة ووزير الدولة لشؤون الشباب بدولة الكويت، وسعادة الدكتور مطر حامد النيادي، سفير دولة الإمارات لدى دولة الكويت، ومعالي الدكتور جمال سند السويدي، رئيس مجلس أمناء تحالف مراكز الفكر والثقافة العربية، والأستاذ الدكتور عمرو الليثي، رئيس اتحاد إذاعات وتلفزيونات دول منظمة التعاون الإسلامي، والأستاذ أسامة هيكل، وزير الإعلام المصري السابق، رئيس قطاع الإعلام والاتصال بمنظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة، والأستاذ أحمد عبد العزيز الجارالله، رئيس تحرير جريدة “السياسة” الكويتية، والأستاذة فضيلة المعيني، رئيسة جمعية الصحفيين الإماراتية، والأستاذ عيسى الشايجي، رئيس جمعية الصحفيين البحرينية، والأستاذ عضوان الأحمري، رئيس مجلس هيئة الصحفيين السعوديين.
وتم خلال هذه الحوارات استعراض مجالات التعاون المشترك في إنتاج محتوى إعلامي، وأهمية إشراك مراكز البحث العلمي في تطوير الخطاب الإعلامي الثقافي والتعليمي، وبناء شراكات مؤسسية بين الصحافة ومراكز البحث والفكر، بما يعزّز جودة ومهنية الرسالة الإعلامية.
وأكد الدكتور محمد عبدالله العلي خلال هذه اللقاءات، أن مشاركة “تريندز” كشريك للملتقى تأتي انطلاقاً من إيمانه العميق بأهمية دمج المعرفة العلمية في صناعة الإعلام الحديث، خاصة في ظل التحديات المتسارعة التي تواجه الإعلام العربي في العصر الرقمي.